×

مليار دولار.. في 10 أعوام جمعوه وفي طرفة عين نثروه

التصنيف: إقتصاد

2009-09-09  12:56 ص  2195

 

أبو الفقراء. أبو الخير. لا أحد قصده في خدمة وعاد مكسورا. مرة كان في غداء عام، فتقدم منه رجل فقير وشرح له حاجاته الضرورية، فحرّر له شيكا بأربعين ألف دولار فورا. يوزّع باستمرار مساعدات غذائية على الفقراء في قريته، معروب، في قضاء صور وفي القرى المجاورة. وظّف المئات من الشبان العاطلين عن العمل في الجنوب والضاحية والبقاع. يخصّص رواتب شهرية للفقراء في قريته والقرى المجاورة.

هذه عيّنة من الأحاديث التي يتداولها أبناء الضاحية الجنوبية لبيروت وأبناء الجنوب والبقاع عن صلاح عز الدين، رجل الساعة، الذي غطّت أخبار إفلاسه على أخبار الحكومة وعلى أحاديث شهر رمضان المبارك.

لكنها ليست الأحاديث الوحيدة. يمكن القول إنها أحاديث الإنطباعات الأولية التي يقولها بعض المتضررين الذين يأملون في استرداد أموالهم، وبعض القريبين منهم، الذين لا يملكون معطيات حقيقية وملموسة تؤكد شكوكهم التي بدأت تظهر إلى العلن مؤخرا.

فالرجل الذي صار واحدا من أعمدة المال والأعمال والتجارة في أوساط الطائفة الشيعية في لبنان، والذي تحوّل إلى "حريري" الشيعة، على ما يذهب بعض المبالغين في الحديث عن كرمه وعطاءاته، صار مؤكدا أنّه بات محل شبهة، خصوصا بعدما بدأت آثار انهياره المالي تظهر جليا في أوساط الفئات المتضررة.



بدأ عزّ الدين حياته التجارية في منتصف التسعينات، بعدما كان ناظر مدرسة في الضاحية. هو المولود في قريته معروب في العام 1962، بكر إخوته الثمانية، يحمل إجازة في العلوم السياسية لم يستخدمها.

تزوج في منتصف الثمانينات وأنجب أربعة أولاد، الكبيرة بينهم أكملت الواحد والعشرين من عمرها مؤخرا وتخرجت مهندسة ديكور، وابنه الأكبر أكمل الـ18 من عمره، ويتحضر لدخول الجامعة. وثمة شائعات تدور الآن عن مشاكل مادية تعاني منها عائلة الملياردير قد تمنع الشاب من دخول الجامعة التي يريد.

المهم أن الرجل بدأ حياته التجارية في منتصف التسعينات، وبدأ يشق طريقه الواعد. لا أحد من عائلته يعرف الكثير عن أعماله. معظم هذه الأعمال كانت خارج لبنان. ما نشر عن دار الهادي وتلفزيونه وعن "حملة باب السلام" للحج لا يتعدّى كونه رأس جبل جليد أعماله وشركاته الكثيرة.

قريبون منه يتحدثون، بالتواتر السمعي، عن أنّه كان يعمل في تجارة الماس والذهب والأحجار الكريمة في بعض الدول الأفريقية، وفي تجارة الحديد وفي استثمار آبار نفط في الدول الخليجية، وخصوصا في قطر، التي فتحت أبوابها أمام المستثمرين الشيعة بعد حرب تموز.

صار غنيا قبل العام 2000، وجمع ثروة لا بأس بها في نهاية التسعينات، لكن هذه الثروة بدأت تكبر وتصير فاحشة لتطوف على من حوله بعد العام 2000، حين صار يوزع المساعدات الغذائية والمالية على المرضى في قريته، وبدأ في تأمين فرص عمل للشبان العاطلين عن العمل، وراح يوزع الأموال على المحتاجين... إذ تعيش عشرات العائلات على مساعداته الشهرية في معروب.

ويقال إنّه كان، في حال وفاة فقير في القرية، يتكفل بنفقات الدفن والعزاء. وقد بنى ملعبا لكرة القدم في معروب بمواصفات حديثة، قبل سنتين، وحسينية قبل أربع سنوات. وكان يساعد من يقصدونه، حتى قيل إنه يحمل حقيبة مليئة بالأموال يوزع منها المال على المحتاجين يوميا.


أحد المستثمرين، وهو خسر أكثر من 250 ألف دولار بعد إفلاس عزّ الدين، يروي أنّه وظف معه خمسين ألف دولار في العام 2004، قبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ووقّع معه عقدا يحصل المستثمر بموجبه على فائدة بمقدار خمسة وعشرين في المئة سنويا من المبلغ، وليس من الأرباح، أي على اثني عشر ألفا وخمسمئة دولار سنويا، يقبض نصفها بعد ستة أشهر والباقي في نهاية العام.

الأرباح الكثيرة والمفاجئة، التي تزيد أضعافاً مضاعفة بالطبع عما تقدّمه البنوك للمودعين، جعلت هذا الرجل يزيد من استثماره ويوظّف مئة ألف أخرى العام الماضي، بعدما ارتفعت أرباح العقود الجديدة إلى أكثر من خمسين في المئة، ووصلت أرباح بعض العقود إلى أكثر من سبعين في المئة. فكان هذا الرجل يقبض سبعين ألف دولارا سنويا على المئة الف الجديدة.

ثم زاد مئة ألف أخرى بعدما شجّع أولاده على الاستثمار معه. فيكون بالتالي قد خسر مئتين وخمسين ألف دولار. لكنّه في الحقيقة حصل على أكثر من مئة وخمسين ألف دولار من الأرباح، ما يعني أن خسارته لا تتعدّى المئة ألف دولار.

وهذا قد يكون سبب سكوت الآلاف، حتى الآن، عن التنديد والتشهير بعزّ الدين، الذي جعل منهم أغنياء، أو على الأقلّ ميسورين، بين ليلة وضحاها، حيث أنّ بعض المطّلعين احتسبوا ما "أعاده" إلى المستثمرين من أموالهم، من خلال الأرباح، وتبين أنها وصلت إلى أكثر من سبعين في المئة، أيّ أنّه لم "يأخذ" أكثر من ثلاثين في المئة من هذه الأموال.

عزّ الدين يشغّل أموال حتى أقرب المقربين إليه، الذين خسروا مئات آلاف الدولارات، حتى أنّ رجال أعمال وظفوا أموالهم لديه، وبعض المستثمرين هم موظفون ومدراء في بنوك وشركات كبيرة.


يقول بعض العارفين إنّ أعمال عزّ الدين رفعت آلاف العائلات الجنوبية الشيعية إلى  مصاف الأغنياء. ويذهب آخرون إلى القول إنّ هذه المداخيل الشهرية والسنوية هي التي صنعت "الطبقة الجديدة" من أثرياء الضاحية، الذين يركبون السيارات الرباعية الدفع وتلك الحديثة، والذين يأكلون في المطاعم التي فتحت لاستيعابهم بعد حرب تموز، ويسهرون في المقاهي التي لم تعهدها الضاحية من قبل، ويشترون الثياب من المتاجر الفخمة في السنوات الأربعة الأخيرة. وذلك بدلا من الأكل في المنازل والسهر لدى الأصدقاء وشراء الثياب من متاجر كانت ذائعة الصيت قبل سنوات، مثل "عقيل إخوان" وما شابه.

وبعد إفلاس عزّ الدين، يلحظ العابر في شوارع الضاحية ان حركة الحياة الصاخبة التي "تفاجأ" أهل الضاحية وغير أهل الضاحية بها في السنوات الأخيرة، إلى تراجع. والمقاهي الأكثر فخامة باتت شبه فارغة، رغم أنّه رمضان، شهر السهر حتى الصباح في سنوات خلت.

وتذهب تقديرات بعض العارفين بـ"حجم" الأعمال "العزّ الدينية" إلى أنّ تداعيات إفلاسه أصابت نحو ثلاثين في المئة من شيعة لبنان. والإصابات البالغة هذه تزيد أضرارها عن أضرار حرب تموز، لجهة الكمّ والنوع. فهي أعطاب غير قابلة للإصلاح، حيث أنّ لا من يعوّض ولكن هناك من يحزنون.


يؤكد قريبون من عزّ الدين أنّ علاقة الرجل قوية جدًا بالامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله. و"قوية جدا" ليست مبالغة، حتى أن الحديث يذهب إلى أنّه "الطفل المدلل لدى السيد"، إلى درجة أنّ "كثيرين من المقربين من السيد يغارون منه"، كما يقول عارفون.

ويحكى كيف أنّ نصر الله زار عزّ الدين أكثر من مرة في منزله في معروب، وأنّه قبل أسابيع طلب (على ذمة الراوي) من شيوخ الحزب التوجه بالدعاء إلى الله ليفرج همّ عزّ الدين ويهوّن مصائبه.

ويشاع في أوساط سكان الضاحية أنّ كثيرين من قيادات الصف الأول في "الحزب" وصلت بهم "الغيرة" من عزّ الدين إلى "الفرح" الكبير بـ"سقوطه". رغم أن العشرات، وربما المئات، من هذه القيادات وظفت ملايين الدولارات في شركاته، وبينهم نواب ووزراء. حتى أن أحد هؤلاء النواب تقدم بشكوى قضائية، على ما كشف موقع الكتروني في الآونة الأخيرة.

كما نُقل أنّ نصر الله أسرّ إلى زواره أنّه يعتبر القضية قضيته الشخصية. وحين سئل عن إمكانية تعويض الحزب عمّن أفلسوا، تشبها ربما بتعويضات حرب تموز، فهم الزوار أنّه لا إمكانية لطلب أموال من إيران بسبب الظروف السياسية التي تمرّ بها.


بدأت أحوال عزّ الدين المالية تتراجع منذ أكثر من سنة. حينها خفّت نسبة الأرباح، وقيل إنّ عزّ الدين ما عاد يربح سوى ما يوزّعه على المستثمرين. كان يعطي قبل حرب تموز خمسة وعشرين في المئة، وحين ارتفعت أسعار الحديد رفع النسبة إلى أكثر من 50 في المئة، ووصلت إلى الستين والسبعين في المئة في بعض الأحيان، لكنّ هذه النسبة انحدرت في الآونة الأخيرة، وتحديدا في نهاية العام 2008، إلى ما دون الخمسين في المئة، ومعظم المستثمرين كانوا يقصدونه ويتوسّطون لدى مستثمرين قديمين، على خلاف ما يظنّ البعض من أنّه كان يغري الناس، على طريقة النصابين.

هذا الرجل لم يكن تصرّفه يدلّ إلا على أنّه رجل تقي، مقرّب من أعلى مرجعية شيعية في لبنان، وكريم ومعطاء. وأحد أسباب ثقة الناس "العمياء" به مستمدة من علاقاته القوية بـ"حزب الله".

هنا يسأل متعاطفون معه: "من يريد أن يسرق، هل يهرب أو يسلّم نفسه، كما فعل صلاح؟". لكن هل سلم عزّ الدين نفسه فعلا؟ المعلومات تقول إنّ "حزب الله"، وقبل تسليمه إلى السلطات القضائية المختصة، "اعتقله" لأسبوع أو أقلّ، وأجرى معه تحقيقا موسعا. 

وأحد الأسباب أنّه، في الشهر الأخير من حياته كملياردير، لم يدفع المستحقات الشهرية لكثيرين، فتدخل أشخاص من الحزب لهم أموال لدى عزالدين، واشتكى آخرون من خارج الحزب، من أنصاره، إلى مسؤولين فيه.

وفي حين كانت الأخبار المتداولة عنه قبل التحقيق الحزبي معه تؤشر إلى تعاطف شعبي وحزبي مع قضيته، تغيرت النبرة بعد هذه التحقيقات، لتصير أقرب إلى الحذر و"رفع اليد" من "التعاطف".


تفاعلت في الضاحية وبعض الجنوب قضيته، وأصيب آلاف المستثمرين بالذهول بعد إعلان خبر إفلاسه، وتأكّد أن العشرات منهم أدخلوا إلى المستشفيات بعد معرفتهم بخسائرهم، والعدد ربما فاق المئة، في غياب إحصاء جدّي.

أما المتعاطفين مع "رجل الخير" فيقولون إنّه مظلوم، ويبررون ما حصل بأنّ حكومة الولايات المتحدة الأميركية حجزت على مئات ملايين الدولارات من أمواله وأعماله في الخارج بسبب علاقته بـ"حزب الله"، وفي كلامهم تلميح إلى أنّه "متهم بتمويل الحزب"، لكن من دون إثباتات، وهم يقولون إنّ له في الأسواق مثل هذه المبالغ، لكنّها عالقة بسبب إفلاسات العديد من الشركات والعملاء الذين يتعامل معهم حول العالم.

وريثما ينجلي غبار التحقيقات معه، فإنّ من المتوقع أن تتدحرج كرة الدعاوى القضائية ضدّه في الأيام القليلة الآتية، والتي بدأها مسؤولون كبار. ومعظم المتضررين هم من أهل الضاحية والجنوب، والنسبة أقلّ في البقاع. 

وفي المعلومات أن "وصيف" عزّ الدين، ي.ف.، هو المسؤول عن "التوسع" الكبير مؤخرا في أعمال عزّ الدين، وهو "الوسيط" المباشر بينه وبين العشرات ممن وظّفوا ملايين الدولارات في العام الأخير، خصوصا في بعض القرى الجنوبية، مثل طورا، التي قيل إن خسائر سكانها زادت عن خمسة وعشرين مليون دولار، ويارون، التي زادت خسائر سكانها عن مئة وخمسين مليون دولار.


عزّ الدين كان يعيش قريبا من طريق المطار، في أكثر أحياء الضاحية الجنوبية رقيا، في طبقة كاملة من مبنى فخم، حيث يعيش حياة مترفة. كما أنّه يملك فيللا كبيرة في قريته معروب انتهى من بنائها قبل حرب تموز وسكنها بعد الحرب. أما اليوم فيقول مقربون منه إنّ السجن الذي يقيم فيه حاليا "خمس نجوم"، ويصله طعام الإفطار يوميا عبر أقربائه، حيث يثابر على الصيام والدعاء.

هكذا يمكن القول إنها قصة نهاية رجل شجاع، رفع طائفة بكاملها وصنع لها "طبقة وسطى"، في الظلّ، الذي بقي فيه إلى أن أفلس وأفلس معه الآلاف، وعادوا سنوات طويلة إلى الوراء، أكثر مما أعادتهم المقاتلات الإسرائيلية.

نهاية رجل شجاع، تخرّج بإجازة في العلوم السياسية، ليتحوّل إلى ناظر مدرسة، ثم إلى تاجر، فملياردير، وأخيرا: مفلس. قصة جديرة بأن تروى حين يذوب ثلج الشائعات ويبان مرج المليار الذي صار يتيما. مليار في عشر سنوات جمعوه.. وفي طرفة عين نثروه.
لبنان الان

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا