×

مسحرّاتي رمضان يا نايم وحّد الدايم

التصنيف: سياسة

2009-08-30  02:29 م  6024

 

 

محمد دياب
mohammaddiab@albaladonline.com

 
يعتقد كثيرون أن مسحراتي شهر رمضان إحدى الصور التراثية التي ارتبطت في الذاكرة، بحيث بات من الصعب تصوّر الشهر الفضيل دون مسحراتي يبث بصوته وهتافاته شعوراً بالغبطة في أنفسنا تجعلنا نشعر أننا حقاً نعيش ايامه ولياليه وذلك في مواجهة هذا الكم الهائل من الأدوات التكنولوجية التي قلّصت كثيراً من خصوصية الأجواﺀ الرمضانية.
رغم أن وسائل الإعلام الحديثة أثــرت على المسحراتي وجعلته في طريقه للانقراض فإنه لا يزال يتمسك بعاداته وما زال مرتبطاً بقلوب الناس؛ فهذا هو الحاج "أبو خالد" ـ مسحراتي من بيروت ـ رغم أنه تعدى الستين عاما فهو ما زال متمسكاً بمهنته، نجده كل ليلة مــن ليالي شهر رمــضــان متجولاً على قدميه، ممسكاً طبلته، مناديا بنداﺀات مختلفة.. ففي أول 10 أيام من رمضان ينادي: "جئت يا شهر الصيام بالخير والبركات"، والأيام العشرة الثانية ينادي: "يا نصف رمضان يا غفران الذنوب"، ثم في العشر الأواخــر ينادي: "وداعـــاً يا رمضان يا شهر الكرم والإحسان".
يقول الحاج "أبــو خــالــد: " بدأت العمل كمسحراتي في العام، 1965 تحديداً عندما توفي المسحراتي الــذي كــان يقوم بتسحير سكان الحي الذي أقطن، عرض عليّ أهل المنطقة أن أخلفه في هذه المهمة بعد أن لمسوا فيّ السمعة الحسنة والثقة، فوافقت. ويتابع "كنت أبدأ عملي منذ الساعة الــواحــدة بعد منتصف الليل طــوال أيــام شهر رمضان المبارك وأجول على منازل أهل المنطقة بأكملها وكنت أحفظ أسماﺀ سكان المنزل أو البناﺀ الذي نقف أمامه فأقوم بالنداﺀ عليهم بصوت جهوري قائلاً" يا عباد الله وحــدوا الله. اصــح يا صايم وحد الدايم.. رمضان كريم. الملك لله "، وفــي العشر الأواخـــر مــن الشهر أحرص على أن أردد تواشيح الوداع لشهر الصيام مثل" لا أوحش الله منك يــا شهر الــصــيــام".وهكذا حتى ينتهي الشهر الذي اعتبره رمــضــان نجمي الــســاطــع. امــا عن الأصول والقواعد التي يتبعها في هذه المهنة فيقول: هناك أصول وقواعد كثيرة أحرص على اتباعها منذ بداية عملي في هذه المهنة, منها: لا يمكن أن أنادي على أي فرد من منزل فيه حالة وفاة حرصاً على المشاعر, كذلك لا يمكن أن أنادي على أية فتاة طالما أنها تجاوزت 12 عاماً.
من جهته المسحراتي الشاب "محمد عبدالله"، يرى فارقاً كبيراً بــيــن عــمــل الــمــســحــراتــي قــديــمــاً والآن، ويقول: "حــدث تغير كبير في المجتمع اليوم بعد التطورات الكبيرة التي طــرأت على الحياة بشكل عام. في الماضي، كان الناس ينامون بــاكــراً وكــان المسحراتي يذكرهم بوقت السحور، والساهرون في ليالي رمضان ينصرفون بعد ظهوره ويعود كل منهم إلى منزله لتناول وجبة السحور, ومــن كان يجلس فــي ا لمقهى مستغر قاً في لعب الطاولة أو الدومينو أو شرب النارجيلة يعود إلى منزله.
وكان الأطفال يحرصون على الجري خلفه ومصاحبته حتى ينتهي من جولته في تسحير أهل المنطقة. أما المسحراتي اليوم فقد قلّت أهميته وأصــبــح وســيــلــة لتذكير الــنــاس بــرمــضــان فحسب بعد الانتشار الهائل لوسائل الإعـــلام، بخاصة التلفزيون والفضائيات وساعات التنبيه والكمبيوتر والانترنت، فــضــلاً عــن سهر الكثيرين بعد أذان الفجر وهو ما قلل من أهمية المسحراتي.
ومــع كــل هــذا الــتــطــور، يرتبط الناس بالمسحراتي منذ الصغر فهو ظاهرة اجتماعية راسخة لديهم منذ القدم، ولكل منا ذكريات خاصة ترتبط بالمسحراتي. ارتبطت منذ طفولتي "بالمسحر"؛ حيث كنت أحمل الفانوس مع الأطفال وننتظر قدوم المسحراتي للخروج والتجول مــعــه أثــنــاﺀ نـــداﺀاتـــه، فــكــان ذلــك مصدر سعادة لنا، وكنا نــردد معه أيضا بعض نداﺀاته مثل: "الإمساك يا مسلمين يا موحدين"، و "ارفعوا الطعام يا صائمين"، أما الآن فلم يعد يحدث ذلك لأن الأيام تبدلت وتغيرت يقول: سعيد صباغ، ويتابع: لكن رغــم كــل التغيرات سيبقى المسحراتي طالما هنالك رمضان. أما الحاج محمد الطويل فيقول: أعتقد أن السبب في الارتباط بالمسحراتي هو دقات الطبلة التي كان يحملها في يده ويدق عليها؛ فهي شيﺀ غريب يجذب انتباه الأطــفــال ويجعلهم يتجولون مع المسحراتي ويصفقون ويتغنون معه، من هنا كانت العلاقة القوية بين الأطفال والمسحراتي، ما جعلنا نرتبط به عاما بعد عام.
هي شخصية أقرب إلى الفنان الذي يؤدي دور البطولة على خشبة المسرح، مدة ظهوره هي 30 يوماً فقط في ليل رمضان، أما باقي الأبطال فهم الطبلة والعصا وصوت جهوري ينادي ويتغنى.. إنه "المسحراتي" تلك الشخصية التي ينتظرها الناس كل رمضان لإيقاظهم في موعد تناول السحور. إنها تلك المهنة الشعبية التي تعتمد على الكلمات والأناشيد والطقوس الخاصة البسيطة، فهي المهنة المحببة إلينا والمحفورة على جدار ذكرياتنا منذ نعومة أظافرنا والتي يرتبط بها الأطفال قبل الكبار

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا