×

الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية أثّرت على الأوضاع النفسية للبنانيين

التصنيف: إقتصاد

2009-08-31  12:52 م  2333

 

 

منذ اندلاع الحوادث اللبنانية عام 1975، بات القلق اليومي يسيطر على شريحة كبيرة من المجتمع اللبناني وخصوصا الشباب. مرد هذا القلق تسارع الحوادث التي عصفت بالوطن، وضربت مؤسساته وساهمت في إحداث شرخ سياسي واجتماعي وطائفي لا تزال مفاعيله قائمة الى اليوم، حتى بات مستقبل لبنان والشعب اللبناني غامضاً وسوداوياً. وحالة القلق التي تعصف بالمواطن اللبناني قوية، واسبابها كثيرة، منها سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وانمائية. ولعل ابرزها القلق على المصير والوجود والخوف من الآخر ومن قوته وسلاحه... وما الى ذلك. فما سر هذا القلق الدائم وما اسبابه؟ وهل من مخلص يعيد للبنانيين استقرارهم النفسي، ويدخلهم في دائرة الامان والفرح، اوليس الفرح يبشر بانتصار الحياة؟

يؤكد الاختصاصيون في علم النفس ان القلق ما هو الا حالة من الخوف الغامض والشديد الذي يتملك الانسان، ويستبد به ويسيطر عليه وبالتالي يسبب له الالم. والشخص القلق المتشائم يعيش في حالة تجعله يتوقع دوما حصول الشر او المصيبة في اي لحظة، وهذا شعور طبيعي يشعر به ويعانيه اي انسان خصوصاً في المواقف التي تتطلب ذلك.
ويعتبر مرض القلق من اخطر الامراض البشرية المعاصرة التي تهدد الانسان وصحته النفسية والجسدية، وتدفع به الى انماط السلوك المنحرف. انه انفعال مركب من الخوف وتوقع الشر والخطر والعقاب، كما انه مشكلة الشباب عموما وخصوصاً عندما يظهر القلق في عمر المراهقة، حيث من شأنه ان يؤدي بالمراهق الى ارتكاب الجرائم او الممارسات الخطرة، او الانتحار، او الهرب الى عالم الخيال واليقظة وتعاطي المخدرات.
ويعتقد احد الاختصاصيين ان القلق ينبعث عادة عندما يشعر الفرد بالضعف، وعدم الامان وبالاخص عندما يواجه قضايا ومسؤوليات تفوق قدرته او اذا كان منزعجاً من ضمير مثقل، او اذا كان مهدداً باطلاق نوازع مكبوتة نظراً الى طبيعتها غير الاخلاقية والمنافية اوضاع المجتمع.

معنى الخوف
الخوف بمعنى الفزع Peur له تعريفان: الاول يحدده بأنه شعور قوي بالقلق والذعر يظهر عند الانسان لدى مواجهته خطراً او تهديداً واقعياً ما، او لدى مجرد التفكير بهما. ويقال اخاف شخصاً اي اقدم على تخويف احدهم، والثاني يعرفه بأنه حالة من الخشية والفزع في وضع معين. اما الذعر Panique فهو حالة من الرعب المفاجئ peur panique، وهو خوف مباغت وغير منطقي. ويشير فعل ارهب ارهاباً terroriser الى اعمال البطش والترويع وفقاً للمعنى الآتي: "ان بأسه وبطشه حملا الناس على الخوف منه".
وبنظر الدكتور طوني عطا الله فانه "بقدر ما يتفاقم شعور المجموعات بالخطر تتعزز امكانات اللجوء الى العنف كملاذ اخير للحفاظ على الوجود وعلى الهوية، وعلى الحقوق والمصالح بمنأى عن التهديد".
ويتابع "في امكان المجموعات تحمّل اعمال الترويع والارهاب رغماً عنها وهي تتردد في الخضوع لاعمال الترويع والارهاب فتتصلب في مواقفها لانها تخشى في حال التنازل من مواجهة ارهاب اشد خطورة يعرضها لخسارة كل شيء. لذا فانها تختار الصمود ومقاومة العنف بمثله كاسلوب في التعاطي السياسي. لانه من اهداف استراتيجية الارهاب احداث ردود فعل عند الخصم من طريق التأثير النفسي كالتخويف وادخال الشعور باليأس والعجز والفزع في نفسه ودفعه الى تقديم تنازلات لم يكن ليقدم عليها في الاحوال العادية".
وبحسب الدكتور بولس عاصي فانه "يمكن رد القلق الى تفاقم الازمة السياسية في لبنان وعدم توصل اللبنانيين الى اتفاق الحد الادنى في خياراتهم الوطنية، مما افقد المؤسسات دورها المرتجى في ارساء ركائز حكم سليم، واذا ما استمر اللبنانيون في تخوين بعضهم بعضا سيبقى منسوب القلق مرتفعاً، وسيؤدي الى مزيد من الشلل في المؤسسات وتبادل الاتهامات بين الفئات المسببة ذلك".
ويضيف عاصي: "بعد اقرار الطائف عام 1989 خف الشعور بالخوف مع انطلاقة السلم الاهلي وعودة الامال باعادة الاعمار والبناء وعاد القلق ليظهر من جديد بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والاغتيالات السياسية اللاحقة وضرب البنى التحتية نتيجة الاعتداءات الاسرائيلية، اضافة الى هاجس الاوضاع الاقتصادية السيئة التي يرزح تحتها المواطن اللبناني. كما ان البطالة المنتشرة بشكل واسع لدى الشباب، وخصوصاً حملة الاجازات الجامعية، تزيد من نسبة القلق في صفوف المواطنين وتدفع بهم الى الهجرة. كل ذلك جعل المواطن يعيش في حالة من القلق النفسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والبيئي والسياسي، مما خلق جوا من التوتر وعدم الطمأنينة والاستقرار وعادت ظاهرة الحواجز وخطوط التماس بين المناطق".
ويعتبر عدد من الدارسين ان الحروب الاهلية التي عصفت بلبنان تركت آثارها النفسية التي لم تزل بارزة لليوم في مسلكية الافراد وتصرفات المواطنين، وتنتقل من جيل الى جيل، حتى ان صورة الحرب الاهلية التي عصفت بلبنان باتت مصدر قلق دائم، وما زالت شاخصة الى اليوم تعيد للبنانيين ذكريات سوداء أليمة يخشون معها العودة الى اتون تلك الحرب البشعة التي تدحرجت فيها كرة اليباس والموت في طول البلاد وعرضها.

القلق الاجتماعي
ويرى الدكتور عاصي "ان القلق انواع، ومنه القلق الاجتماعي. ففي الوقت الذي ما زلنا فيه نرزح تحت نوازع العشيرة والطائفة والعائلة، ونوازع التقدم المتمثلة بمفاهيم مثل سيادة الدولة وبناء المؤسسات، فقد اصابتنا موجة الخصخصة من جهة والعولمة من جهة اخرى، مثل البلدان الاخرى كلها، واصبح اللبناني مشدوداً باتجاهين متقابلين في الوقت نفسه: اتجاه النوازع والولاءات الاولية، واتجاه العولمة واقتصاد السوق، فضلاً عن تأثير هذا الانشداد على الاوضاع النفسية والاجتماعية للبنانيين، وخصوصاً النشء الجديد منهم الذي يلعب عامل ضغط على الدولة التي اصبحت في موضع شك وتساؤل في شأن قدرتها على الحفاظ على المؤسسات الشرعية التي تحصنت وتعمل على استمراريتها، وعلى قدرة هذه المؤسسات على مواكبة التغييرات ودفع المواطن الى استيعابها والتزام قضاياها".
وعاصي يعتبر ان لا وجود لاستقرار امني او اطمئنان في ظل نظام غير ديموقراطي، فلبنان كما يقول الدكتور سليم الحص "بلد كثرت فيه الحرية وقلت فيه الديموقراطية"، فهل هناك حياة سياسية او اجتماعية او اقتصادية من غير الديموقراطية؟
 وبحسب عاصي فان الطائفية من اسباب القلق الاجتماعي في لبنان، واصبحت هذه الظاهرة واضحة بعد الحرب الاهلية، والدليل على ذلك ما نعيشه اليوم ونراه في الملاعب من صراعات ومشاكل، والطائفية تضعف المجتمع اللبناني وتزيد من قلق مواطنيه ، كما ان ظاهرة الاصولية المسيطرة اليوم على المجتمع، هي المسبب الاول لقلق الافراد والجماعات".

القلق السياسي
ومن القلق الاجتماعي في لبنان الى القلق السياسي. فتدهور الاوضاع على الصعد المختلفة وخصوصا السياسية، وعدم قدرة المسؤولين اللبنانيين على ايجاد حلول للازمات السياسية يدفعان اللبناني الى التفكير بالمستقبل ويرفعان مستوى القلق عنده، وابسط مثال على ذلك وضع لبنان قبل عام 1975 ووضعه اليوم. فقد كان لبنان في تلك الفترة مقصد الرساميل العربية الضخمة ومقراً للبنوك والحسابات المصرفية والخدمات للدول العربية والغربية، وكاد يتحول مستودعاً مالياً للبترول العربي. وقد عايش اللبنانيون فترة ازدهار ونمو كبيرين حتى جاءت الضربة القاسية على لبنان باندلاع الفتنة عام 1975 ليدخل في اتون الموت والقتل، وتهرب الرساميل الى الخارج، ويعود اللبناني الى حالة صعبة من القلق والضياع والخوف من المجهول.

... واقتصادياً
ويعتبر الوضع الاقتصادي المتردي سبباً مهما في قيام القلق الاجتماعي، ويؤدي في بعض الاحيان بعدد من المواطنين الى تناول الحبوب المهدئة والادوية، وعدد آخر الى الانتحار. ويقول الدكتور احمد عياش في هذا المجال "ان الحوادث الاقتصادية تعني كل ما هو متعلق بالمال والعمل والارتزاق من اجل العيش، وقد كثرت في لبنان حالات الانتحار بعد انهيار الليرة اللبنانية (العملة الوطنية) امام الدولار الاميركي. يعطي عياش مثلا على خطورة تدني الوضع الاقتصادي ويقول: "حذرت منظمة الصحة العالمية من ان الانتحار بات مشكلة صحية متفاقمة بين الشباب في الصين واليابان وجزر المحيط الهادئ، واشار مكتب غرب منطقة المحيط الهادئ للمنظمة في تقرير له الى ان الفا ومئة حالة انتحار تقع يومياً في المنطقة التي تضم سبعة وثلاثين بلداً من اصل مليون شخص ينتحرون سنوياً في العالم. ومن اسباب الانتحار التي ذكرها التقرير تغير المكانة الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك العمل وظروف المعيشة".
واعطى عياش مثلا على ما تقدم في لبنان، اذ اشار الى "ازدياد حالات الانتحار بسبب الضائقة المعيشية واضطراب الوضع الاقتصادي منذ العام 1992 بصورة متصاعدة حتى العام 1999، بسبب عوامل عدة منها الازمة الاقتصادية، نتيجة الديون المتراكمة على الدولة اللبنانية، وازدياد حالات الاكتئاب والقلق بسبب الاحباط العام السائد في لبنان".
فيما يعتبر الدكتور عاصي ان الازمات الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي ادت الى تفشي ظاهرة الهجرة، و"الهجرة في ذاتها مصدر كبير للقلق وللازمات النفسية، فهي قفزة في المجهول الانساني والمادي، ومن اهم المشاكل التي يواجهها المهاجر تدور حول استمرار صعوبة الاوضاع المادية او فقدان الهوية الاصلية تحت ضغط البيئة الاجتماعية والثقافية التي يعيش فيها".
ويعتبر المغترب الياس فرح ان المغتربين يعيشون في الخارج في اجواء امنية هادئة افضل من الاجواء الامنية في لبنان "الا ان معاناتهم الكبيرة تكمن في قلقهم الدائم على مستقبل ابنائهم الذين يعتبرون مشردين خارج وطنهم، ودائما السؤال يراودهم: "هل سنقضي العمر كله في الغربة بعيدين عن الاهل والاصدقاء والوطن؟"
اما المغترب علي هاشم ياغي فيعتبر ان الحياة القلقة التي يعيشها المغتربون في بلاد الاغتراب تشل تفكيرهم، وتنغص حياتهم، فلا استقرار يحس به اللبناني الذي يظل قلقاً وقلبه على وطنه واهله. ويعتبر ان السيدة فيروز عبّرت تماما عن وجع الغربة بقولها في اغنية "نسم علينا الهوى": "فزعاني يا قلبي، اكبر بهالغربه، وما تعرفني بلادي، خدني على بلادي"...

البطالة
وتظل البطالة في نظر عدد كبير من الخبراء وعلماء النفس ام الشرور، ومصدر القلق الدائم، وهي ظاهرة متفشية في لبنان. والبطالة ظاهرة ألقت بظلالها على المجتمع برمته ولا يمكن فصلها عن النظام الاقتصادي، وتزداد يوماً بعد يوم، في ظل تخرّج عدد كبير من الطلاب الجامعيين سنوياً من دون عثورهم على فرص عمل، ليبدأوا مشوار القلق والمعاناة والاضطرابات.
وبرأي الدكتور عاصي انه في الظروف الحالية التي نعيش، كل ما حول الانسان يضغط عليه: البيئة، الوضع الاجتماعي، الاوضاع المعيشية، الفقر والحاجة واحيانا المرض، مما يشل قدرة الانسان على تلبية احتياجاته الشخصية والعائلية كون متطلبات الحياة الشخصية باتت اكبر واعظم من الازمنة الماضية.
ويضيف عاصي "هناك ضغوط اجتماعية واقتصادية، يضاف اليها الضغوط السياسية والامنية التي تشيع الرعب والخوف والقلق في هذه المنطقة، والحروب والتفجيرات والقتل والدمار والقصف وسفك الدماء مما يؤدي الى حالات من القلق والاضطراب، اضافة الى مواضيع تزيد القلق كالموضوع السياسي والهم الامني، وموضوع الفساد، اضافة الى الهم المعيشي وكلها مواضيع تشكل ضغطاً كبيراً.
والابحاث التي اجراها خبراء في مجالات العلوم الاجتماعية والنفسية اظهرت ان القلق في لبنان مرده الى الخلاف بين الطوائف الذي يؤدي الى اهتزازات امنية والخوف من العودة الى الحرب الاهلية، فيما رأى بعضهم بنسبة (75%) ان الاوضاع الاقتصادية المتردية هي مصدر اساسي للقلق لعدم توفر فرص العمل وتدني الاحوال المعيشية، اما نسبة (32%) فردت القلق الى صراع بين الاجيال، اضافة الى (65%) ردت سبب القلق الى التدخلات الاجنبية والاغتيالات الارهابية الاخيرة.
والقلق الذي يظهر في لبنان على المستويات الاجتماعية، والاقتصادية والنفسية، والسياسية كلها احدث شللاً اقتصادياً في القطاعين العام والخاص لتأثيره على كل قطاعات الانتاج اللبنانية من زراعة وصناعة وتجارة وخدمات وغياب التوظيفات المنتجة مما يؤدي الى ارتفاع الدين العام وغلاء ومعيشة وبطالة وهجرة".
ويعتبر الدكتور عاصي في كتابه "قلق المواطن وقضاياه" "ان قلق اللبنانيين مرتبط الى حد بعيد بالتناقض ما بين المأمول والمرجو من جهة والواقع من جهة اخرى. فالجميع يطرح اهمية الحد من التدخلات الخارجية وبعض القوى اذا لم نقل كلها تتوسل الخارج للحد من هيمنة الفريق المناهض له. وتبقى عملية القلق مستمرة طالما ان اللبنانيين لم يحسموا امرهم في تقديم شأنهم العام على الشأن الخاص والانطلاق بنظام سياسي يحد من هيمنة الطوائف والمذاهب والافراد".
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستقام فعلا دولة المؤسسات والقانون والكفاءات، التي تتيح للمواطنين تأمين مستقبل لائق لابنائهم، وهل سيتم الغاء الطائفية السياسية، وتأمين فرص العمل، وفرض الامن الشرعي في لبنان فلا جزر امنية ولا سلاح خارج اطار الدولة، ولا اعتداءات اسرائيلية على وطننا، ولا تدخلات خارجية اقليمية ودولية؟ اذ عندها يتأمن للمواطن شبكة امان اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، وامنية، فلا داعي عندها للقلق بل انطلاقة نحو الاستقرار والعطاء.
صبحي منذر ياغي      

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا