×

تحولات صيدا: من ألوان الطيف السياسي إلى حضن زعيم الطائفة المشتهى

التصنيف: مناسبات إجتماعية

2010-05-22  10:50 ص  1508

 

 

محمد صالح
صيدا:
تحظى معركة بلدية صيدا باهتمام كبير نظرا لتداخل العوامل السياسية والجغرافية والديموغرافية والامنية مع بعضها البعض في هذه المعركة.. ونظرا لتموضع موقعها ضمن «المربع الإشكالي» بكل مكوناته المناطقية والمذهبية، فهي جارة اكبر مخيم فلسطيني في لبنان في عين الحلوة من جهة، وعاصمة الجنوب الشيعي وعلى تماس يومي اقتصادي وتربوي وصحي مع اهله ومقاومته من جهة ثانية، وعلى تخوم شرق صيدا المسيحي حتى جزين من جهة ثالثة، وجارة اقليم الخروب السني من جهة رابعة.
تاريخيا شكلت صيدا (نحو 150 الف مواطن غالبيتهم من السنة اضافة الى الشيعة والمسيحيين) عاصمة وطنية بامتياز لكل الاحزب والقوى الوطنية والقومية وللعمل الفدائي الفلسطيني منذ ما قبل النكبة في العام 1948، وشكلت رافعة اساسية لكل المقاومين ولم تعرف يوما النعرات الطائفية والمذهبية وهذا يعود الى طبيعة تسامح اهلها وموقع مدينتهم المتداخل مع كل المكونات اضافة الى تعايش كافة الطوائف والمذاهب فيها بحكم الولادة واخراج القيد وسجل النفوس والتزاوج والمصاهرة.
بعد دخول «رجل الاعمال» الصيداوي رفيق الحريري عالم السياسة في لبنان من بوابة الانماء والاعمار والعمل التربوي، وترؤسه للحكومات اللبنانية المتعاقبة وتنفيذه لمشاريع اعمارية وتعليمية، قدم لجمهوره نمودجا لرجل وجدوا فيه ضالتهم وصورة الزعيم التي كانوا يفتقدونها وهي موجودة لدى بقية الطوائف.. فتجمعوا حوله وتمددت الظاهرة الحريرية انطلاقا من بيروت وصولا الى تأسيس «المستقبل» كتيار سياسي في لبنان.
بعد زلزال اغتيال رفيق الحريري في العام 2004، تأثرت صيدا، كما كل لبنان، وربما أكثر من لبنان، بهذا الحدث الكبير وزاد تحلق عدد كبير من العائلات الصيداوية حول آل الحريري في المدينة، وتحديدا حول النائبة بهية الحريري، وصولاً الى الانتخابات النيابية الاخيرة العام 2009، والتي افرزت فوز النائبة الحريري وشريكها فؤاد السنيورة، وخسارة أسامة سعد لهذا الموقع بفارق كبير من الاصوات. مما أفقد صيدا حالة من التوازن السياسي التي كانت تنعم بها من خلال ثنائية الموالاة والمعارضة المتجسدة ببهية الحريري ومصطفى سعد ثم مع اسامة سعد، والتي كان رفيق الحريري جزءاً من محاولات تثبيتها قبل دخوله عالم السياسة وبعدما أصبح رئيسا للحكومة، ولو أن علاقة مد وجزر كانت تشوب علاقته بآل سعد التاريخيين في مدينة صيدا.
انطلاقا من واقعة الانتخابات النيابية الاخيرة، بدأ التحول السياسي في صيدا. تحولت من مدينة يعيش فيها كل ألوان الطيف السياسي والحزبي، الى مدينة تتسم بأحادية سياسية وبلون واحد هو «المستقبل» (رغم وجود تيارات وقوى سياسية وشخصيات وطنية واسلامية عريقة)، ما افقد المدينة وسطية مطلوبة وقوى مستقلة كانت دائما أحوج ما تكون اليها بفعل الجغرافيا والديموغرافيا والاقتصاد والاجتماع.
ادرك التنظيم الشعبي الناصري، ومن يدورون في فلكه صيداوياً وسياسياً، وكذلك على صعيد بعض هيئات المجتمع المدني، اهمية ما خسروه على كافة الصعد. وها هم يحاولون اليوم تعويض تلك الخسارة، خشية منهم على «دور صيدا»، ولذلك باتت معركة بلدية صيدا تكتسب كل هذه الاهمية وكل هذه الابعاد.
تؤكد مصادر صيداوية ان معركة البلدية، بالنسبة إلى أسامة سعد، هي معركة «وجود» واثبات لهذا الوجود، ومحاولة لـ«فرملة» تحول المدينة.. وعلى هذه القاعدة، رفض سعد الاملاءات والشروط (كما يصفها هو) والتي فرضت عليه من خلال المواصفات والمعايير التي وضعت كي يتم اختيار اربعة مرشحين له للائحة التوافق برئاسة محمد السعودي.. وانطلاقا من هذا الرفض وما رافقه من ممانعة وثبات في الموقف نجح سعد وفريقه في ثبيت «حالة الوضع الوطني» في صيدا وابلغ الجميع بانه ليس من السهل احتواء هذه الحالة او ابتلاعها او جعلها هامشية او ملحقة.
وتضيف المصادر ان سعد، ورغم تبلغه قرار «حزب الله» بعدم امكان دعمه في هذه المعركة كونها صيداوية بامتياز، «وبالتالي فان حزب الله غير معني بها»، قرر خوض معركته حتى النهاية بكل مستلزماتها ومؤثراتها في الشارع والاعلام والاحياء والمنشورات وصناديق الاقتراع، وفرض على الجميع معركة يعرف تمام المعرفة بانها قد لا توصل عضوا واحدا الى المجلس البلدي من فريقه، نظرا لعدم تكافؤ المعركة. ومع ذلك خاضها سعد، وتياره، ومن معهم من قوى وشخصيات صيداوية وهيئات مجتمع مدني، بكل اصرار وعناد، وكأنه سيربحها تمام الربح، سياسياً وليس انتخابيا.
وترى المصادر ان هذه المعركة وبمعزل عن نتائجها كرست آل سعد جزءا ومكونا أساسيا في صيدا، بمعزل عن النتائج، وثبتت حضورهم كحالة سياسية لا يمكن محوها او تجاوزها. ذلك أن وظيفة المعركة ليست الحصول على مقاعد بعدد أصابع اليد الواحدة، وكان يمكنه الحصول عليها من دون معركة، بل العمل على شد عصب تياره وجمهوره ومعهما قوى الاعتراض الصيداوية وجعلها حالة صعبة الاحتواء.
يعني ذلك، بحسب المصادر، أن سعد لم يكن في وارد القبول بكل الشروط والمحاصصة للدخول الى جنة المجلس البلدي، لأنه لو قبل بذلك، لكان اصبح في «خبر كان» هو وتياره. بينما استطاع من خلال خيار المعركة كسب جمهوره والتعويض عما فاته عندما خسر المقعد النيابي.
وتؤكد المصادر ان المعركة البلدية بالنسبة لتيار الحريري - وان خاضها بشعارات تنموية انمائية تعود بالفائدة على صيدا واهمها ازالة جبل النفايات - الا ان دلالاتها ودوافعها السياسية اهم بكثير من الانمائية لأن تيار المستقبل يسعى لتكريس زعامته المطلقة على عاصمة الجنوب كتيار سياسي، انطلاقا من حصرية التمثيل النيابي به، من خلال بهية الحريري وفؤاد السنيورة، واليوم جاء دور البلدية التي يريد ان يظفر بها ايضا.. وان تأخرت معركتها ست سنوات.
هذه المعركة لدى انصار المستقبل تساوي «رد الاعتبار» على خسارته في 2004، عندما خاض الرئيس الشهيد رفيق الحريري المعركة البلدية بوجه كل من أسامة سعد وعبد الرحمن البزري وخسرها.. من هنا، سيحاول «المستقبل» بكل ما يملك من امكانات ليس فقط ربح المعركة وهذا مؤكد.. انما الحصول على رقم انتخابي شبيه بالرقم الذي حصلت عليه النائبة بهية الحريري في الانتخابات النيابية الاخيرة في العام 2009 والذي بلغ أكثر من 25 ألف صوت.
على هذا الأساس، جاء ترشيح مقرر اللجنة الخماسية في «تيار المستقبل»، احمد الحريري، لعضوية المجلس البلدي في صيدا لشد عصب تيار المستقبل وتحفيزه على النزول الى صناديق الاقتراع بكثافة في محاولة لايصال الرقم الذي سيناله بنتيجة الفرز في البلدية، شبيها قدر الامكان بالرقم الذي نالته النائبة الحريري في الانتخابات النيابية الاخيرة.
وتؤكد المصادر بان ترشيح احمد الحريري لمقعد عضوية المجلس البلدي في هذه الدورة انما يأتي انطلاقا من الدور السياسي الذي سيلعبه هذا الشاب مستقبلاً في الحياة العامة في صيدا وغيرها، ونظرا لما يمثله من «عصب» في التيار السياسي للحريري ولما يحظى به من رعاية من قبل الرئيس سعد الحريري.
واذا كانت الجماعة الاسلامية في صيدا قد تصرفت على أساس اضفاء الطابع الانمائي وليس السياسي على المعركة البلدية، فان رئيس البلدية الحالي الدكتور عبد الرحمن البزري قرر الانكفاء بما في ذلك اعلاميا، وبالتالي الوقوف على الحياد رغم قساوة المعركة البلدية من جهة، وعدم الوفاء لمن تحالف معه في المعركة البلدية في العام 2004 إذ اوصلته الى سدة رئاسة المجلس معركة سياسية كان رأس حربتها حليفه السياسي الدكتور أسامة سعد..

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

تابعنا