شهر رمضان في صيدا قديماً وحديثاً:
التصنيف: المرأة
2011-08-05 02:34 م 1704
من كتب · مفتي صيدا والجنوب الشيخ محمد سليم جلال الدين وسام
الصوم فريضة قديمة على المؤمنين في كل دين، والغاية الأولى منه هي إعداد قلوب المؤمنين للتقوى والخشية من الله تعالى.
قال تعالى في كتابه العزيز: (( يـأيّها الّذين آمنوا كُتِب عليكم الصّيام كما كُتِب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون )).
والصوم لغة: الإمساك، وشرعاً: الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع اقتران النية وتمام الصوم وكماله يكون بالإمساك عن المفطرات، واجتناب المحظورات وعدم الوقوع في المحرمات، وكف الجوارح عن الآثام والمعاصي.
وفي الصوم الخاص لوجه الله تعالى، لا طلباً لثوابه، ولا تكفيراً لخطيئة ونحو ذلك بل امتثالاً لأمر ربه، والتلذذ بمناجاة الحق، يحوز صاحبه نعمة التقوى والحفظ من الوقوع في المعاصي.
وأما فوائد الصوم فكثيرة، منها إيمانية تعبّدية، ومنها ما يتعلق بالصحة، وما يتعلق بالأخلاق وما يتعلق بالمجتمع.
وأما فوائده الإيمانية، فتنبع من التقوى التي أشارت إليها الآية الكريمة المذكورة، والتي تمكن الخوف والخشية من الله تعالى في القلب، فيزداد طاعة وانقياداً لأمر الله، وإيثاراً لمرضاته التي تفسح المجال في تحرير الإرادة الحازمة، وفي اتصال العبد بربه اتصال طاعة وانقياد، يشعر الصائم فيها بحلاوة الإيمان، وشفاء القلب، وطمأنينة النفس.
وأما الفوائد الصحية، فتظهر لكثير من الأطباء الذين يرون أن الصيام يفيد صحياً في حالات مرضية كثيرة، ويصلح أن يكون علاجاً لبعض الأمراض. كما أن بعض الأطباء ذهب إلى القول بأن كل إنسان يحتاج إلى الصيام وإن لم يكن مريضاً، لأن سموم الأغذية والأدوية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض، فإذا صام تحللت هذه السموم من جسمه، وعاد إليه نشاطه، قال (ص): «صوموا تصحوا» لأن في الصيام تستعيد المعدة قوتها، وتتخلص من العفونات، وتجد الأمعاء راحتها وتنقى من الرواسب الضارة.
أما الفوائد الخلقية فتتمثل في تعويد الصائم على مواجهة المصاعب والشدايد بصبر ـ ورويّة، والثبات على تحمل الجوع والعطش، والرضى بما قدره الله، وتقوية مراقبة الله في كل عمل وتحرك يقوم به. قال (ص): «الصوم نصف الصبر، والصبر نصف الإيمان».
وأما الفوائد الاجتماعية فتتمثل في تنمية حب الخير والإحسان، وروح التعاطف والتوادد والشعور بالرابطة الإنسانية، وتقوية الروابط التي تشد الإنسان إلى أخيه الإنسان، وتحسين العلاقة بين مختلف الطبقات الاجتماعية، وإيجاد جو من المحبة والتعاون والبناء بينهم، ومن أجل ذلك كان فضل الصوم عظيماً، وثوابه عميماً، وقد خصه الله بالإضافة إليه، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال: «قال الله عزّ وجلّ: كل عمل ابن آدم له إلّا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، وإن الصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امروء صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وللصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه».
كما أن من آثار صوم شهر رمضان إيماناً واحتساباً مخافة الله ومراقبته في السر والعلانية، لأن الذي يمتنع من تناول الطعام والشراب والجماع، ويمسك نفسه عن الشهوات والملذات، ويضيق عليها في حركتها وسكناتها وحظوظها، ويكف يده عن الأذى ولسانه عن الغيبة والنميمة وقول الزور، وعينه عن النظر إلى ما حرمه الله في الجهر والخفاء وفي كل مكان غير خائف من إنسان أو عقاب دنيوي، ليعطي ذلك كله دليلاً واضحاً على أن هناك قوة غير مرئية يرهبها، ورقيباً غير منظور يخشاه، إلّا وهو الله.
ومن فضائل شهر رمضان أنه يجمع أفراد الأسرة حول مائدة الإفطار حيث يجلسون قبل الغروب بدقائق، يذكرون الله منتظرين مدفع الإفطار فيشعرون بفرحة قلما يجدونها في غير أيام رمضان، لأن المشاغل والواجبات المترتبة على كل واحد من أفراد الأسرة قد لا يسمح لهم بالاجتماع حول مائدة الطعام في أثناء السنة.
وفي هذا الاجتماع يشعر أفراد الأسرة جميعهم بالرابطة العائلية وما يترتب عليها من حب وحنان وحقوق، فيشعرون بدفء الأبوّة وحنانها، وبحب الأبناء والأخوة في ما بينهم، وتوادهم وتعاونهم، ويجدون لذة الروح وراحة الضمير وصفاء النفس وطهارة القلب.
أما اليوم، فقد أصبحت المآدب الرمضانية التي تقام طيلة شهر رمضان من العوائق التي تقف في اجتماع أفراد الأسرة حول مائدة الإفطار، وأخذت طابع السياسة أو الوجاهة، أو المصلحة الخاصة، يدعى إليها الزعماء والوجوه والأغنياء، وشكلت سبباً في حرمان أفراد الأسرة الواحدة لذة الشعور بالرابطة العائلية، وساعدت على إهمال حق الفقراء الذين يكرمون في شهر الإحسان بحضور مآدبهم التي هي حقهم، وبخاصة في هذا الشهر.
إذاً كان لشهر رمضان في ما سبق رهجة وبهجة وشوق وتأهب لاستقباله. وكان له أيضاً مميزات عن غيره من شهور السنة. فهو يمتاز بإنزال القرآن وفريضة الصيام وليلة القدر، وبالانتصار العظيم على المشركين الذي تم في السنة الثانية من الهجرة، والذي يعتبر الحجر الأساس في بناء الدولة الإسلامية، والعامل القوي في انتشار الإسلام في شبه الجزيرة العربية وجوارها، ويمتاز أيضاً بفتح مكة المكرمة وتحطيم الأصنام وتطهير الكعبة المشرفة منها وذلك في رمضان السنة الثامنة من الهجرة.
إنه رمز تقريب القلوب، وتآلف الجماعات والشعوب، وجامع المؤمنين على الامتثال لأمر الله وطاعته في الإمساك عن الطعام والشراب والمحرمات طيلة إقامته. وكان الصيداويون في الماضي القريب يقضون أيام رمضان ولياليه في الإكثار من ارتياد المساجد والزوايا وإقامة حلقات الذكر، والإقبال على الطاعة والعبادة وتلاوة القرآن، وحضور دروس الوعظ والإرشاد، والإكثار من الاستغفار.
وكانت تقام باسمه مآدب الإفطار للفقراء، وتكثر فيه أندية الخلصاء والخلطاء، ويتزاور الأهل والجيران، ما يؤدي إلى صفاء القلوب، وتزكية النفوس، وغسل الصدور من حفائظ الأحقاد.
في موسم الصيام تتحرك العواطف ويزداد الشعور بالفقراء والمحرومين والضعفاء والأيتام والأرامل، وتكثر الصدقات، ويشعر الجميع أنهم من أصل واحد، وأنهم عيال الله يتنافسون في أعمال الخير والبرّ والإحسان.
وكانت السهرات تقام في بيت كبير العائلة، وكانت مناسبة لحل الخلافات والمشاكل وتنمية أواصر المحبة والمودّة بين أفراد العائلة وجمع شملها.
إن لشهر رمضان حرمة عند المسلمين، فلا يجوز ولا يسمح لأحد أن يتخطّاها أو يستخف بها، كما أن للصائم في شهر رمضان كرامة فلا يسمح لأخيه المسلم بجرحها أو تجاوزها، فيقتضي على المسلمين جميعهم احترام شعائر هذا الشهر وحرمته، وذلك بعدم إظهار إفطار أحدهم علانية ولو بعذر شرعي، وعدم عرض الخمور في المحلات التجارية، ويمنع استقبال المفطرين من مسلمي هذه المدينة في المطاعم خلال النهار. وكان المفطر من المسلمين علناً يحبس حتى صباح عيد الفطر، وذلك عندما كان قانون العقوبات الصادر عن السلطة العثمانية ساري المفعول، وظل هذا الإجراء قائماً ونافذاً إلى أن صدر قانون الجزاء اللبناني وألغى المادة المتعلقة بحبس المفطر علناً من المسلمين في شهر رمضان.
كان كثير من الصيداوين يسهرون حتى وقت السحور، أي إلى ساعة ونصف أو ساعتين قبل الفجر، وعند دخول هذا الوقت يطلق مدفع السحور، فينهض النائمون منهم إلى تناول طعام السحور، ويبدأ الساهرون بتناول السحور.
وقبل حلول وقت السحور بساعة تقريباً، يخرج المسحراتي المرحوم أحمد السقا المشهور بسبتو (مصدر هذه الشهرة مأخوذ من إثبات رؤية هلال رمضان وهلال شهر شوال، باعتبار أن هذا المسحراتي كان عند ثبوت رؤية الهلال رسمياً، يبدأ بإعلان وإعلام الصيداويين بدخول الشهر قاطعاً شوارع المدينة القديمة وأزقتها وهو يضرب على الطبلة منشداً ومبلغاً دخول شهر الصيام أو شهر شوال وعيد الفطر) إلى الأزقة والشوارع لإيقاظ النيام. وكان هذا الرجل يعرف أسماء أكثر الصيداويين، ولذلك كان عندما يصل إلى مدخل بيتنا يقول بصوت عالٍ: الشيخ أحمد أفندي وحّد الله، جمال أفندي وحّد الله، علي أفندي وحّد الله، إلى أن يذكر أسماءنا جميعاً، ثم يضرب على الطبلة وينتقل إلى البيوت المجاورة وهو على هذا الحال.
حقوق النسخ © بواسطة جريدة صيدا نت جميع الحقوق محفوظة.
نشرت بتاريخ: 2006-11-01 (797 قراءة)
أخبار ذات صلة
لقاء حواري للهيئة النسائية الشعبية في التنظيم الشعبي الناصري حول " دور المرأة في زمن الحرب"
2024-08-18 09:01 م 248
شابة عمرها 35 عاماً تكسب نصف مليون دولار وهي في منزلها
2024-06-22 05:09 ص 351
الهيئة النسائية الشعبية في التنظيم الشعبي الناصري تعايد بشهر رمضان المبارك
2024-03-13 12:32 م 263
الهيئة الوطنية للمرأة في مدينة صيدا وبمناسبة يوم المرأة العالمي
2024-03-09 05:55 م 251
إعلانات
إعلانات متنوعة
صيدا نت على الفايسبوك
صيدا نت على التويتر
الوكالة الوطنية للاعلام
انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:
زيارة الموقع الإلكترونيتابعنا
برسم المعنيين ..بعض الدراجات النارية تبتز السائقين بتصنع الاصطدام
2025-01-19 04:03 م
ما سر انقسام نواب صيدا في انتخابات رئاسة الجمهورية والحكومة!!
2025-01-15 06:07 ص
بالصور.. كيف تبدو حرائق لوس أنجلوس من الفضاء؟
2025-01-12 10:22 م
إن انتخب د. سمير جعجع رئيساً للجمهورية ما هي علاقة صيدا ونوابها معه!
2025-01-02 10:12 م
أبرز بنود الاتفاق: بين لبنان و إسرائيل
2024-12-28 02:33 م
اطباء نصيحه عواقب صحية مقلقة للامتناع عن ممارسة الجنس
2024-12-19 09:37 م
الرواية الكاملة لهروب الأسد.. وسر اتصال مفاجئ بالمقداد
2024-12-19 09:21 م
تحركات شبابية في صيدا للمشاركة في الانتخابات البلدية المقبلة
2024-12-19 01:42 م
حبلي زار السعودي وتم التباحث في شؤون المدينة