×

مصارف لبنانيّة تُغلق أبوابها في وجه السوريّين

التصنيف: إقتصاد

2011-08-29  01:27 م  964

 

أجواء من البَلبلة والقلق تسود القطاع المصرفيّ في مواجهة العقوبات الدوليّة على سوريا، وكيفيّة التعاطي معها. وإذا كانت حماية القطاع وصونه، أولويّة مطلقة بالنسبة إلى إدارات المصارف كافّة، خصوصا بعد تجربة البنك اللبناني الكندي، الّا انّ وضعيّة البلد من حيث الموقع الجغرافي، والوضع السياسي، والتداخل القسري مع الوضع السوري، تجعل اولويّة حماية القطاع صعبة. فالتوجّه العام لدى حكومة الرئيس ميقاتي يميل من دون ايّ لبس الى دعم النظام السوريّ المحاصر دوليّا. هذا "الانحياز" الذي تحكمه الحسابات السياسيّة، تفرض على مصرف لبنان مراعاة هذا الواقع. وإذا كان لبنان الرسميّ قد نأى بنفسه عن الإجماع الدولي في مجلس الأمن يوم صدر البيان الرئاسي، فإنّ المصرف المركزي يحاول ان يستعير الموقف نفسه، وأن ينأى بالقطاع عن العاصفة التي بدأت تهبّ بقوّة.

في موازاة هذا الوضع، تدرك إدارات المصارف انّ عليها اتّخاذ إجراءات احتياطيّة تذهب فيها أبعد من توجيهات المركزي، خصوصا انّها كقطاع خاص، تملك هامشا أوسع من حرّية الحركة في مواجهة الوضع الضاغط. وتماما كما حصل مع الصيارفة وتجّار السيّارات، يحصل اليوم مع المودعين السوريّين الكبار بشكل عام. إذ عندما أوصت اميركا بتشديد الرقابة على قطاعي الصيرفة وتجارة السيارات في لبنان تفاوتت ردود فعل المصارف. بعضها التزم بالرقابة، وإقفال الحسابات المشبوهة فقط، في حين لجأت مصارف أخرى الى إغلاق حسابات كلّ الصيارفة وتجّار السيارات لديها، على طريقة "الباب الذي تأتيك منه الريح سدّو واستريح"، هذه الحالة تتكرّر اليوم، إذ تلجأ بعض المصارف الى إغلاق حسابات مودعين سوريّين كبار لديها من دون أن تكون اسماء هؤلاء مدرجة على لوائح العقوبات الاميركية والاوروبية. كما ترفض هذه المصارف إجراء عمليّات تحويل للأموال لعملاء سوريّين سواء بالدولار أو اليورو.

وفي هذا الإطار، تبدو المصارف قلقة من الوقوع في مطبّات غير محسوبة على اساس انّها لا تملك المعطيات الكافية لكي تتأكّد من هويّة الزبائن السوريّين، وإذا ما كان بعضهم يتمّ استخدامه كغطاء لعملاء سوريّين هم موضع شبهة بالنسبة الى أجهزة الرقابة الاميركية، كذلك فإنّ بعض الشركات تتداخل فيها الملكيّة بين مستثمرين لبنانيّين وسوريّين، هذه الشركات باتت معاملاتها الماليّة تخضع لتدقيق شديد من قِبل المصارف.

ومن الطبيعي أنّ المصارف الكبيرة التي لها وجود في سوريا هي الأكثر حذرا، على اعتبار انّها موضع شبهة في المفهوم الاميركي، خصوصا أنّ الشركاء السوريّين لهذه المصارف في السوق السوريّة، قسمٌ كبيرٌ منهم من المتموّلين المقرّبين من النظام السوري، وبعضهم مُصنَّف على أساس أنّه ينتمي الى ما يعرف بالجيش الاقتصادي للنظام السوري، وهذا "الجيش" مسؤول عن دعم النظام وتمويله.

وقد جاءت قضيّة شركة "أكويتي (Accuity) الاميركيّة لتزيد الطين بلّة، إذ نشرت الشركة المذكورة لائحة بالمؤسّسات والأشخاص الذين تشملهم العقوبات الاميركيّة، وأوردت أسماء ستّ مصارف لبنانيّة، هي المصارف الموجودة في السوق السوريّة. وبالرغم من أنّ جمعيّة المصارف اللبنانية سارعت الى نفي الأمر، وإلى التوضيح انّ "أكويتي" شركة خاصة ولا علاقة لها بمؤسّسة (OFAC) الرسميّة التابعة لوزارة الخزانة الاميركيّة، والمخوّلة نشر لوائح المؤسّسات والأشخاص المشمولين بالعقوبات، إلّا أنّ ذلك لم يكن كافيا لتهدئة المخاوف، لأنّ من كواه الحليب ينفخ على اللبن. ومن ثم فإنّ "اكويتي"، وإن كانت شركة خاصة، إلّا أنّها شركة استشارية مرموقة لديها مكاتب حول العالم، وهي متخصّصة في تقديم المشورة الى الزبائن الكبار من شركات وأشخاص بهدف حمايتهم من الوقوع في كمائن غسل الأموال، والتهرّب الضريبي ومخالفة قوانين الحظر. ولديها حوالى 17 ألف زبون حول العالم من كبار المتموّلين، ومن شركات عالميّة كبيرة.

وهؤلاء الزبائن يدفعون مبالغ طائلة الى هذه الشركة من اجل حمايتهم من الأفخاخ، ومن الطبيعي انّهم يلتزمون عادة بنصائحها التوجيهيّة. ويعتقد البعض انّ ما تصدره "اكويتي" شبيه بما تصدره مؤسّسات التصنيف العالميّة، إذ وبرغم اعتراضات الدول أو المؤسّسات التي يطاولها التصنيف، وبرغم أنّ هذه المؤسّسات قد تُخطىء في تصنيفاتها فعلاً، إلّا أنّ ذلك لا يمنع الأسواق من التفاعل مع التصنيفات التي تصدر عن هذه المؤسّسات، وهذا ما حصل مع الولايات المتّحدة نفسها.

ويرى مصدر مصرفيّ انّ المصارف اللبنانية الموجودة في سوريا تتعرّض لضغوطات بلا شك، برغم حرص إداراتها على التزام أعلى معايير الشفافيّة في التعاطي مع العقوبات، إلّا أنّ ذلك لا يمنع واقعة أنّ هذه المصارف هي عمليّاً مصارف سوريّة، لأنّ 15 في المئة من رساميلها يمتلكها سوريّون. وبالتالي، إذا كانت المصارف في لبنان تستطيع ان تتّخذ احتياطات صارمة لمنع تسرُّب ايّ حساب سوري مشبوه الى ودائعها، فإنّ المهمّة لن تكون بالسهولة نفسها في مصارف موجودة في سوريا، يمتلك غالبيّة أسهمها سوريّون ومودعوها هم من السوريّين أيضا.

ويطرح المصدر إشكاليّات تواجه المصارف اللبنانية في التعاطي مع الملفّ السوري الساخن، منها على سبيل المثال، كيفية التعرّف إلى جنسية بعض المودعين الكبار المقرّبين من النظام السوري. إذ، وبخلاف اللائحة الرسميّة الاميركية التي تورد مجموعة من الأسماء، هناك لائحة غير رسميّة لمشبوهين تفضّل المصارف عدم التعامل معهم، لكنها لا تستطيع معرفتهم. وبعض هؤلاء، وبعد الإجراءات التي اتّخذتها المصارف لجهة التدقيق في جنسيّة كلّ مودع أو عميل، باتوا يستخدمون جنسيّتهم الثانية التي يحملونها الى جانب جنسيّتهم السوريّة، وبالتالي، صارت عمليّة التدقيق شبه مستحيلة بالنسبة إلى المصارف.

ويؤكّد المصدر نفسه انّ القطاع المصرفي سليم ومحصّن، ولكن ذلك لا يمنع أنّ هناك حالة من الحذر حاليّا، وأنّ بعض المصارف، سيّما منها المصارف التي تعتبر نفسها غير محصّنة سياسيّا بما يكفي تجاه الاميركيين، باشرت عمليّة "تطهير عرقي" للحسابات لديها مع علمها انّها تأخذ بطريقها مجموعة كبيرة من العملاء السوريّين الأبرياء، إلّا انّها ارتأت سلوك هذا الطريق لحماية نفسها ممّا تعتبره الغدر الاميركي الذي قد يطاولها في ايّة لحظة. ومن غير المستبعد، وإذا ما شعرت هذه المصارف بأنّ بقاءها في سوريا بات يشكّل خطرا عليها، أن تعمد الى الانسحاب من هذه السوق، مهما كانت الخسائر موجعة، لأنّها تبقى أقلّ من الأضرار التي قد يخلفها أيّ قرار أميركي سلبيّ تجاهها.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا