×

جدول الأعمال: زيارة دمشق، صفحة جديدة من العلاقات الداخلية /كتب المحرر السياسي

التصنيف: سياسة

2009-11-10  05:19 ص  1386

 

 

كتب المحرر السياسي:
...لأنها ولدت بعد خمسة أشهر ويوم من الانتخابات النيابية، وبعد معركة سياسية دامت مئة وخمسة وثلاثين يوما، شارك فيها لاعبون داخليون وخارجيون كثر،
ولأنها حكومة استوجبت قمماً ومشاورات مفتوحة بين الرؤساء والملوك وبيانات دولية تبشر بقرب الإفراج عنها وترحب بها قبل أن تأتي، استبشر اللبنانيون خيراً بـ«الحكومة» بديلاً للفراغ وبرئيسها الشاب ولو أن الشيب كاد يضرب «الوحدة الوطنية» وحكومتها من قبل أن تستولدها مقايضات الأيام والساعات الأخيرة.
وإذا كان «صاحب الدولة» سعد الحريري، يفترض، أنه باندفاعه وبالدعم والإجماع اللبناني والعربي والدولي حوله، سيجد سجادة حمراء تنتظر طريقه إلى السرايا الكبيرة، فان ما رافق «التكليفين» و«التأليفين» من مفاوضات ومقايضات، جعله يخوض اختبارا سياسيا صعبا ومكلفا، ربما كان فقط يمكن اختصاره زمنيا، لولا «معارك مجانية» خيضت وتحولت إلى انتصارات مجانية للخصوم، بدليل أن الحكومة نفسها أعلنت، من الرابية أولاً، في سابقة سياسية ودستورية لم يشهد لبنان مثيلاً لها منذ العام 1943 حتى الآن.
وحسنا فعل الرئيس سعد الحريري بالبيان الوزاري الموجز الذي أدلى به من القصر الجمهوري، ليل أمس، عندما وضع الحكومة في خانة ليس ما يشتهيه هو أو جمهوره المتحفظ، بل في خانة مقتضيات التوافق الوطني، أي أن تشكيلته تعبر عن صورة البلد وتناقضاته الكبيرة المفتوحة على تناقضات أكبر، في «الإقليم» كما في باقي أرجاء المعمورة، ولذلك تمثل فيها الجميع مع استثناءات لافتة للانتباه لحزبي «البعث» و«القومي»، من دون أن يمنع ذلك أحد المشاركين في صياغتها من القول «إنها حكومة المتناقضات التي تحمل في طياتها إما بذور تفجيرها مع أول اشتباك أو استمرارها حتى آخر لحظة من عمر المجلس النيابي الحالي».
ويبدو أن هذا الاحتمال العمري أو ذاك، سيكون رهن عوامل خارجية أولا وداخلية ثانيا، بمعنى أن انجلاء صورة المصالحات أو الخلافات العربية والدولية كفيل بتحديد عمر الحكومة ومسارها، مثلما يفترض بأن يكون أداء رئيسها أولا وباقي مكوناتها السياسية ثانيا، من العوامل التي ستساعد في رسم خارطة طريق سعد الحريري وتياره وجمهوره في المرحلة المقبلة.
ولعل فاتحة هذه الحكومة، بعد بيانها الوزاري وثقة المجلس النيابي المضمونة بها، زيارة رئيسها إلى دمشق ومصافحته الرئيس السوري بشار الأسد، مدشناً بتلك المصالحة، ولو المتأخرة، مرحلة سياسية جديدة في العلاقات بين البلدين، جعلت أحد أقطاب المعارضة يردد في مجلسه الخاص «قد نلجأ للحريري حتى يتوسط لنا مع السوريين في المستقبل القريب»!
بالتأكيد، سيكون هناك فارق بين علاقة الحريري الابن والحريري الأب مع سوريا. لم تعد سوريا وصية على لبنان بتفويض عربي وأميركي. لم تعد حماية الطائف مهمة سورية قبل أن تكون لبنانية. مهمة الحريري الابن صارت أصعب من مهمة والده، في غياب «الحصانة والحضانة» الخارجية، خاصة أن شريكه في الحكم، رئيس الجمهورية ينادي من قبل أن تولد الحكومة بتعديل الدستور فكيف الحال مع الحلفاء مسيحيي 14 آذار ومع الخصوم وأبرزهم ميشال عون؟
لعل فاتحة هذه الحكومة أيضا الصياغة التي سيقوم بها الحريري للعلاقة مع حلفائه وخصومه، وخاصة مع الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، بما يمهد لبناء علاقة ثقة متبادلة تطوي الصفحات المؤلمة، وتفتح صفحة جديدة من التعاون، بما يجعل هذه الحكومة منتجة بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي والإنمائي، وقادرة على استيعاب الشارع وضبط الأمن وطي مرحلة «الساحات المتبادلة» وتفويض رئيس الجمهورية بالدرجة الأولى بإدارة الملفات السياسية الساخنة، من خلال إبقاء طاولة الحوار معقودة برئاسته ومن حوله كل أقطاب الحوار، وهو أمر ألمح إليه ميشال سليمان صراحة.
نعم هي حكومة سعد الحريري من دون باقي حلفائه كما حكومة المعارضة و«الوسطي» وليد جنبلاط، من خلال «تفاهم السطور الستة» المتوافق عليه بعد التكليف الأول، والتي ما زالت سارية المفعول حتى الآن: لا اقحام أو استخدام للسلاح في الداخل اللبناني. وفي المقابل، فان كل «المواضيع الأساسية» التي نصت عليها المادة 65 من الدستور الجديد (تحتاج إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها)، يجري التوافق عليها مســبقا بين رئيس الحكومة والمعارضة، وهي تشمل 14 عنوانا أبرزها «تعيين موظفي الفئة الأولى وما يعادلها».
وإذا كان مسار تأليف الحكومة، قد أعطى انطباعا بأن الرئيس الحريري، قد جعل التفاهم مع ميشال عون، ركيزة كل التفاهم مع المعارضة والموالاة على حد سواء، فان مقاربة «صاحب الدولة» لهذه العلاقة في المستقبل، من شأنها أن تؤدي إلى نجاح مهمته، خاصة أن ميشال عون، قد نجح في معظم الخيارات الوزارية، ولو أنها أغضبت قواعده الحزبية، وهي مسألة ستبدو جلية بعد أول جلسة عمل حقيقية يعقدها مجلس الوزراء، فيما كان المشهد مختلفا على صعيد اختيارات الرئيس بري السياسية التي لم تكن في مستوى ما كان يأمله جمهوره من دون الانتقاص من كفاءة وزرائه خاصة الوزير القديم الجديد الطبيب محمد جواد خليفة.
أما «حزب الله»، وبمعزل عن الملاحظات التي يمكن أن تساق حول «تواضعه» على صعيد الحقائب، وربما كان مستعدا أن يضحي بأكثر مما ضحى منها، فانه يسجل له أنه وللمرة الأولى في تاريخ مشاركته في الحكومات قد تمثل بوزيرين ونائبين حزبيين، من «الرعيل الأول»، على عكس الصورة التي كان يشتهيها الأميركيون لحكومة تولد من دون «حزب الله» نهائياً.
أما في البعد الخارجي، وبعد نحو خمس سنوات، كان اللبنانيون يستفيقون خلالها، كما ينامون، على نغمة «الوصاية الزائلة»، جاءت أول حكومة بعد أول انتخابات أريد لها أن تكون لبنانية وطائفية ومذهبية، وفق «قانون الستين»، وليس «قانون غازي كنعان»، لتولد بفعل قوة دفع سورية أولاً وسورية ـ سعودية ثانياً، لمسها القاصي والداني، وفسرتها «الأغلبية» اللبنانية، تبعاً لقاموسها السياسي المتجدد، بأنها «تعبير عن دور سوري ايجابي كنا دائما نرتضيه لنا كلبنانيين»!
وإذا فتح أرشيف هذه الحكومة وأصبح بمتناول اللبنانيين في يوم من الأيام، فان بعض الوقائع ستبين كيف يستنجد وزير أُقصي بـ«صديق لبناني» يستعين بدوره، بـ«صديق عربي»، فيحصل ما يشبه «التمني» بالتوزير... وهكذا يكون!
لكن من الأفضل سياسياً القول إن الحكومة «ثمرة اللقاء السوري السعودي» وهو أمر أجمع عليه مجددا الرئيس نبيه بري ورفيقه في «رهان السين سين» رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي قال ليل امس إن اللقاء السوري السعودي الذي راهنت عليه مع الرئيس بري والمساعدة التركية والإيرانية لحصول اللقاء، «هو ما أنتج حكومة وفاق وطني يحصن لبنان ويحميه اتقاء للحرب الإسرائيلية المحتملة ضد لبنان».
ومن يدقق، يستطيع أن يلمس أن دمشق كانت ليل أمس اسعد عاصمة عربية وأجنبية بالنهاية السعيدة للحكومة، والتي أتاحت وصول الحريري وتسعة وعشرين وزيرا ليس بينهم، لا في حصة «المستقبل» ولا «الحلفاء»، أي وزير من رموز مرحلة الاشتباك السياسي المفتوح مع دمشق، باستثناء وزير وحيد يصنف في خانة «صقور الأكثرية» هو بطرس حرب، الذي حرص دائماً على عدم مغادرة قاموس الاختلاف السياسي الطبيعي من دون حدة سياسية لا موجب لها... فضلا عن وزراء «اللقاء الديموقراطي» الثلاثة الذين صاروا بعد الانعطافة الجنبلاطية، لا يمتون بصلة الى ما قبلها من خطاب سياسي.
ولدت الحكومة قرابة الثامنة من ليل التاسع من تشرين الثاني، ولم تكن مكوناتها قد حسمت نهائيا، أنها أصبحت داخلها، فالكتائب التي كانت تنتظر «اتصالا ما»، يبرر احتفاظ «المستقبل» بـ«وزارة الوزارات»، أي التربية، فاجأها أمر صدور المراسيم وبدت أنها محكومة بخيار وحيد هو المشاركة تبعا لشروط «مؤذن» الحكومة، فيما كان ميشال فرعون يرغد ويزبد بأنه يستحق أكثر من وزارة دولة ولذلك سيغيب عن الصورة التذكارية اليوم.
واللافت للانتباه، أن الحريري حجب عن حلفائه، الحقائب الاقتصادية الحيوية، ولم يتجاوز حدود تجيير وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية لبطرس حرب والكتائب، فيما أعطى عون حصة في الهاتف والمياه والطاقة والصناعة والسياحة، أي في صلب «القرار الاقتصادي»، ليصبح شريكاً فعلياً مع الحريري نفسه، الذي احتفظ بالاقتصاد والمال والتربية، من دون اغفال ما ذهب من حقائب لوليد جنبلاط وأهمها الأشغال العامة والمهجرين وهما حقيبتان لم يكن يعوّل رئيس «اللقاء الديموقراطي» على أكثر منهما.
 قد يقال الكثير في الشكل عن الحكومة: ثلاثينية فضفاضة نصفها من الوزراء الجدد. أقل من ثلثها من الوزراء الشباب على رأسهم رئيسها سعد الحريري. ثلثها من النواب. ثلثها من رجال الأعمال. ثلثها من «الحزبيين». أكثر من ثلثها من المحامين والأطباء والأساتذة الجامعيين، أكثر من ثلثها من «الموظفين» من «الفئة الثانية وما فوق». فيها تمثيل مناطقي أو طائفي أو سياسي يعتقد البعض أنه عادل ويقول البعض الآخر إنه غير عادل. على سبيل المثال لا الحصر، ثمة شعور شمالي بالغبن، وهو أمر سيعبر عنه الرئيس نجيب ميقاتي في جلسة الثقة. البعض ردد أن بيروت «تمثلت على غير الصورة التي تطمح إليها ولو أنها عوّضت بوجود الحريري نفسه على رأس الحكومة». الأمر نفسه يسري على آخرين ومناطق وطوائف وقوى أخرى.
غير أن كل ما قيل أو سيقال لا يغير من حقيقة أن مرحلة سياسية جديدة قد دشنتها الولادة نفسها، وهذا المسار سيسحب نفسه على الصورة التذكارية التي ستلتقط اليوم، تليها جلسة رسمية أولى تؤلف خلالها لجنة البيان الوزاري، ومن بعدها تجتمع اللجنة برئاسة رئيس الحكومة في السرايا الكبيرة، بعد أن يكون الرئيس فؤاد السنيورة قد غادرها، فعليا، مفسحا المجال أمام حكومة جديدة ولو أنها بدت للبعض «موضة قديمة».
دوليا، رحبت واشنطن وباريس وعواصم أخرى بتشكيل الحكومة، وقال مصدر في وزارة الخارجية الاميركية لـ«السفير» إن ادارة الرئيس باراك اوباما «تتطلع الى العمل مع حكومة رئيس الوزراء سعد الحريري الجديدة ونأمل ان برنامجها الحكومي سيعكس التزاماً بتنفيذ كامل لقرارات مجلس الامن 1559 و1680 و1701»، وتابع المصدر «نتوقع ان الحكومة الجديدة ستبقى على الطريق نحو بناء لبنان سيد ومستقر وملتزم بالسلام».
ورحبت فرنسا بتشكيل الحكومة ووجه الرئيس الفرنسي نيكولا ساكوزي «تهانيه الحارة والودية» للحريري «على تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة».
وفي رسالة نشرها قصر الاليزيه، قال الرئيس الفرنسي ان «حكومة الوحدة الوطنية هذه تتجاوب مع تطلعات الشعب اللبناني بكل تكاوينه وتندرج في اطار الانتخابات التي جرت في السابع من حزيران الماضي»، مضيفا ان «اصدقاء لبنان وفي طليعتهم فرنسا، يعربون عن ارتياحهم لهذا النبأ الممتاز لبلدكم وكما لمجمل المنطقة». واضاف ساركوزي «مهمة حكومتكم ستكون القيام باصلاحات ينتظرها اللبنانيون طويلا وكذلك الاسرة الدولية». واوضح «سأكون سعيدا جدا لاستقبالكم في باريس في اي وقت يناسبكم».
ورحب وزيرالخارجية الفرنسي برنار كوشنير، باعلان الحكومة وقال ان «سعد الحريري وحكومته يمكنهما الاتكال على الدعم الكامل لفرنسا التي ستواصل تحركها من اجل وحدة واستقرار وسيادة واستقلال لبنان».
واعتبر كوشنير ان «تشكيل حكومة جديدة كان امراً ضرورياً لخوض التحديات الكبيرة التي يواجهها لبنان». وشدد على ان فرنسا «ستواصل التزامها» في إطار قوة «اليونيفيل» و«تجدد دعمها للمحكمة الخاصة بلبنان».
واشادت ايطاليا بتشكيل الحكومة ووصفتها بانها «خبر ايجابي جدا ومشجع لمستقبل لبنان ولكل الشرق الاوسط»، وذلك في تصريح لوزير الخارجية فرانكو فراتيني. وقال فراتيني ان «ايطاليا تضع ثقتها الكاملة بقدرة وحسن نية» رئيس الوزراء سعد الحريري الذي «سيتولى مسؤولية كتابة صفحة جديدة من تاريخ البلد تتميز بالسلمية والاستقرار والازدهار».
واضاف ان «الالتزام بتنمية لبنان في اطار سيادته الكاملة واستقلاله ووحدة اراضيه يشكل اولوية اساسية للسياسة الخارجية التي تنتهجها ايطاليا»، موضحا ان ايطاليا «ستواصل التزامها مع لبنان ومؤسساته وشعبه».
ورحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في لبنان، وأعرب عن رضاه أن القادة السياسيين اللبنانيين تمكنوا بعد خمسة أشهر من الانتخابات من التوصل لاتفاق بشأن تركيبة الحكومة.
كما أعرب بان كي مون في بيان أصدرته المتحدثة باسمه عن أمله في أن يتمكن القادة اللبنانيون من مواصلة العمل سوياً بروح من الوحدة والحوار والتعاون. كما دعا الأمين العام الحكومة الجديدة إلى اعادة تأكيد التزامها بالتنفيد الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 1701.  كما حث الحكومة الجديدة أن تتناول على وجه السرعة التحديات المتبقية من أجل تعزيز سيادة لبنان والقدرات المؤسساتية للدولة اللبنانية كما تدعو لذلك اتفاقية الطائف وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا