×

حلم بتحقق أمنية الراحل مصطفى سعد بإنشاء مستشفى تخصصي لطب العيون في صيدا

التصنيف: سياسة

2009-11-11  01:58 م  2926

 

ثريا حسن زعيتر

صيدا ? مكتب <اللـواء>: <هبني قرنية لأرى بدائع الخالق>·· شعار يختصر حياة الإنسان بين النور والظلام، بين من يتمتع بنعمة البصر ليعيش فرح الألوان وجمال الدنيا، وبين من حرم من النور ويعيش في ظلام دامس على أمل أن يستعيد بصره ذات يوم··
 

و<المركز الوطني للعيون> يمضي في تأدية رسالته الإنسانية ليعيد لهؤلاء المحرومين نعمة البصر دون تمييز بين مذهب وطائفة أو منطقة، حتى بات علي يرى بعيون طوني وانطوانيت بعيون فاطمة، والمسيرة تستمر··

و<المركز الوطني للعيون> الذي ترأسه عقيلة النائب الراحل مصطفى سعد السيدة نجلاء، ما زال صامداً في وجه الصعوبات، تكبر أحلامه على قدر عطاء وتضحيات ملهم الفكرة <أبو معروف>، الذي فقد بصره وإبنته ناتاشا في محاولة الإغتيال التي نجا منها في صيدا في 21 كانون الثانث 1985، يكبر الحلم لإنشاء مستشفى تخصصي في صيدا يكون نواة لتطوير طب العيون وأبحاثه العلمية في كل لبنان··

<لـواء صيدا والجنوب> يتوقف في الذكرى السابعة عشرة لتأسيس المركز مع رئيسته نجلاء مصطفى سعد، التي أكدت <أن عمل المركز إنساني، ويجب أن يلتقي على دعمه الجميع، لأنه ليس لدينا خصوم مع أحد>··

بداية الأمل وتقول سعد: إن افتتاح <المركز الوطني لبنك العيون> في صيدا أواخر العام 1992 لم يكن صدفة، فقناعتي في الحياة أن لا شيء يحصل صدفة، فمعاناة زوجي المرحوم مصطفى معروف سعد وفقدان بصره في العام 1985 كانت البوصلة، فأحببنا أن نترجمها بسعادة وفرح، فكان <بنك العيون> عنواناً للفرح مع إعادة البصر للمحرومين منه، ولولا هذا الحافز الإنساني الكبير لما استطعنا إكمال المشوار والإستمرار حتى الآن·

وأضافت: لقد عشت 14 عاماً خارج لبنان، وذات مرة شاهدت متطوعين ومتطوعات في <الصليب الأحمر السويسري> قرب منزلي يقومون بجمع الأغراض من ثياب مستعملة وسواها، من أجل إرسالها إلى بلدي لبنان خلال الحرب الأهلية، توقفت كثيراً أمام هذا العمل الإنساني، وتساءلت في قرارة نفسي ما الذي يدفع هؤلاء إلى خدمة أبناء شعبي وهم لا يعرفون عنهم الكثير، إنها رسالة إنسانية آمنوا بها، وحتى اليوم كلما تذكرت الحادثة أشعر بالدمعة في عيني، واتخذت قراراً أنني إذا عدت إلى لبنان - ولم أكن قد حسمت خياري بعد، لا بد أن أنخرط في العمل الإنساني لخدمة المجتمع مهما كان بسيطاً، فالحياة قصيرة ويجب أن لا نمر بها مرور الكرام، يجب أن نترك بصماتنا عليها، وقد شاء القدر وتزوجت من المناضل المرحوم مصطفى سعد، وهو رجل يعطي فوق طاقته، فقد بصره وبقي صامداً حتى لحظاته الأخيرة وكأنه يرى أكثر، فقد كانت لديه بصيرة قوية، جاءت الفكرة من هنا، والهدف خدمة الإنسان بنظره·

وتعود سعد بالذاكرة لتقول: لقد كان مصطفى دوماً يفكر بمشروع كبير، وهو إنشاء مستشفى تخصصي بالعيون، ومؤسسة كبيرة فيها أبحاث علمية، كي يستعيد الناس بصرهم دون الإضطرار للسفر إلى أميركا أو فرنسا، قررنا أن نخطو أولى الخطوات، وبدأ الحلم يكبر على قدر أماني مصطفى، إلى أن جاء أطباء من صيدا وأرادوا تنظيم ندوة عن زراعة القرنية في <مركز معروف سعد الثقافي>، سألت ماذا يعني الأمر، فشرحوا أنها عملية إعادة البصر إلى محروم وتنقل من متوفي منذ 7 ساعات فقط، وقد أبلغني أحدهم أنه من خريجي لندن وله 5 سنوات في صيدا، ولم يجرِ أي عملية زرع قرنية لأن تكلفتها باهظة، إذ يتم إستيرادها من الخارج ولا يوجد الوعي الكافي لوهب العيون·

وتابعت: لقد استفدت من عنوانين: زراعة القرنية، وتشجيع وهبها عبر حملة توعية، وقد دعمنا مصطفى في السير قدماً، وأعطاني كل ما يلزم من حماسة على قاعدة تحمل المسؤولية في خدمة المجتمع وتجاه الناس، وعلى الفور توجهت نحو المراجع الروحية الإسلامية والمسيحية كي نعرف الموقف الشرعي من هذا الأمر، وما إذا كان حراماً، فنحن نعيش في بلد روحاني ونؤمن بالأديان، وهذه الفتوى مهمة لنجاح العمل، وقد لعبوا دوراً بارزاً، دعموا الفكرة ووصفوها بأنها مهمة لخدمة الإنسان، فأطلقنا عليهم إسم <الهيئة الإستشارية العليا للمركز> لينطلق العمل بعد ذلك·

تفاوت التجاوب وأشارت الى <أن تجاوب الناس في البداية لم يكن وفق المطلوب، بعضهم اتخذ موقفاً ضد الوهب، وتساءل كيف نقابل ربنا بدون عيون، والبعض الآخر شجعها ووصفها كأنها <صدقة جارية>، واجهنا بعض الصعاب وبقينا على مدى 3 سنوات نستورد القرنيات من الخارج، وكانت تكلفة الواحدة ما بين 1000 إلى 1500 دولار أميركي· أما الآن فقد باتت مجاناً بسبب التبرع اللبناني، كان دورنا توعية الناس لوهب الأعضاء، وإذا كان هناك موتاً دماغياً يُمكن التبرع بأعضاء أخرى غير القرنيات لمؤسسات أخرى مثل <مركز وهب الأعضاء> التي يرأسها وزير الصحة الدكتور محمد جواد خليفة، فإذا غادر الإنسان من الدنيا ولم يعمل شيئاً يُمكن أن يتبرع، كي يرى غيره بعيونه نعمة الدنيا ونور الخالق>·

وأكدت سعد <أن المركز يعتمد على التبرعات، أجرينا في السابق مشروع يانصيب كان شفافاً، حيث ربح الجائزة يومها الرئيس فؤاد السنيورة (وكان وزير دولة للشؤون المالية) وتبرع بها للمركز· وبعد رحيل مصطفى سعد لم يكن لدينا مركزاً خاصاً، كنا ننظم النشاطات في <مركز معروف سعد> أو في المنازل، قررنا إنشاء عيادتنا الخاصة كي يحضر المريض إليها قبل الذهاب إلى المستشفى، لنوفر عن كاهله أعباءً مالية إضافية>·

وأردفت تقول: بعد رحيل <أبو معروف> كانت الأمور صعبة، ولكن دورة الحياة تستمر، وبالعكس أعطانا رحيله المؤلم قوة الإستمرار، تماماً مثلما أعطانا فقدان بصره فكرة تأسيس <بنك العيون>، فقررنا تأسيس المركز، إستئجرنا المكان ودعمتنا وزارة الشؤون الإجتماعية، لقد ساعدتنا مديرة عام الشؤون الإجتماعية آنذاك نعمة كنعان كثيراً، لأن هناك أناس يؤمنون بما نقوم به· أما المادة فتعود وتأتي رغم الظروف الصعبة، ثم جاءت مبادرة <مؤسسة الأمير الوليد بن طلال الإنسانية> والوزيرة ليلى الصلح حمادة التي تبرعت بتأهيل المركز، وتأمين ما ينقص من معدات طبية وتجهيزات، وكانت دفعة قوية لنا، نشعر اليوم أننا نقف على قدمينا بثبات، فهي تؤمن بالمركز ودوره، وهذه القناعة أسعدتنا أكثر من المادة رغم حاجتنا إليها، لأن هناك من يؤمن بالرسالة التي نؤديها وبالمصداقية والدعم مستمر·

وأوضحت <أن المرضى لا يدفعون أي تكاليف مادية باهظة، فقط رسوم المعاينة، وهناك فحوصات مجانية، وكثيراً لا نتقاضى من الفقراء، أما تكاليف العملية فهناك تعاقد مع وزارة الصحة في مستشفيات في صيدا وبيروت ومرجعيون، علماً أن كلفة العملية لا تزيد عن 300 دولار أميركي، والقرنية تقدم مجاناً، فيما الدواء لحماية القرنية يزيد سعره عن 100 دولار أميركي بقليل، ونحن عادة ننظم النشاطات الخيرية لدعم شراء الدواء على مدى العام أو لتحمل تكاليف نفقات المركز، فيما الأطباء لا يتقاضون أي أجر، بالإجمال الكلفة ليست باهظة قياساً على شراء القرنيات من الخارج، وإجرائها في المستشفيات الخاصة مع دفع تكاليفها، والذي لا يملك المبلغ، لا نقول له لا نريد إجراء العملية، بل أن المركز يتكفل بذلك>·

3000 عملية زرع قرنية وأكدت <أن المركز أجرى أكثر من 3000 عملية زرع قرنية حتى الآن، وساعد في الكثير من عمليات <الماء الزرقاء> وفحوصات العيون المجانية، لقد قمنا هذا العام بمشروع كبير بدعم من الجمعيات الأهلية وبتمويل من إسبانيا، وهو فحص العيون لطلاب المدارس الرسمية، بقينا ما بين 4 و5 أشهر نفحص العيون مجاناً في المركز، حيث كان يأتي إليه يومياً ما بين 100-150 طالباً وطالبة، ولم يكن الأمر يقتصر على فحص العيون، فإذا تبين أنه يعاني من ضعف كنا نعرضه على طبيب متخصص، كان يقدم خدماته مجاناً لوصف الدواء أو تحديد عملية، حتى النظارات تم إيصالها إلى الطلاب في مدارسهم، وإن شاء الله يعمم هذا المشروع وينفذ كل عام>·

وأشارت إلى <النشاطات التي ينظمها المركز جميعها تهدف إلى دعمه، وهذا العام كانت لدينا فكرة مميزة تمثلت بإستضافة 20 فناناً تشكيلياً قدموا لنا اللوحات لبيعها ودعم أعمال المركز، وإذا تكرر الأمر سنوياً فإنه يُساهم في تطوير المركز ويؤمن كافة المصاريف>·

وتطرقت سعد إلى أهم الإنجازات، فقالت: إن أهم إنجاز أننا ما زلنا صامدين في وجه الإقفال، موجودين بفعالية على الأرض، كثير من الجمعيات أقفلت أبوابها بسبب الظروف المالية، وإعادة النظر إلى المحرومين أكبر سعادة، نشر التوعية بين الناس لوهب الأعضاء ونحن نمضي قدماً في العمل داخل الجامعات الآن، فالطالب الجامعي يستطيع إتخاذ القرار المناسب·

وإعترفت <أننا حوربنا في بداية إنطلاق عملنا، ولكن ليس من رجال الدين، وقد أدركنا كم أن عملنا مهم، وأعطانا بالمقابل دفعاً جديداً للإستمرار والنجاح، نحن نقول أنه ليس لدينا خصوم، وإذا كانت هناك خصومات سياسية أو اختلاف في المواقف السياسية، قد نختلف ونلتقي ونتحاور، ولكن العمل الإنساني الخيري يجب أن يلتقي عليه الجميع، وعملنا إنساني يجب أن نجتمع على دعمه جميعاً، وخصوصاً أنه مشروع يتعالى عن الخلافات السياسية والحسابات الطائفية والمذهبية والمناطقية>·

إنشاء مستشفى تخصصي وأشارت الى <أننا نفكر بتطوير المركز وإنشاء مستشفى تخصصي كما أراد مصطفى سعد، لكن نحتاج إلى تبرعات أكثر، ونحن كمركز تأتينا المساعدات وهي تسد حاجتنا بصعوبة، ولكن إذا أردنا إنشاء المستشفى التخصصي بطب العيون نحتاج إلى تبرعات مالية أكبر، حلمنا أن يكون في صيدا مستشفى للعيون، وحلمنا قابل للتنفيذ وليس مستحيلاً>·

وأملت سعد <تطوير مركز جزين كي يصبح مثل مركز صيدا، وقد اخترنا جزين كي نخدم كل المنطقة وصولاً إلى الشوف، كما في صيدا نخدم كل الجنوب، على أمل أن نخطو الخطوة التالية نحو الجبل لافتتاح مركز فيه، ثم في كافة المناطق اللبنانية>·· مشيرة إلى <أننا استفدنا من خبرة إحدى المؤسسات التي سبق وأن فتحت أبوابها في زرع القرنيات قبلنا بـ 15 عاماً، وتحديداً أندريه فرج الله، المسؤولة عن بنك العيون>·

وقالت: مهما عملنا فإننا لا نستطيع إيفاء مصطفى ما يستحق·· ولكن يكفي فخراً أن غالبية الناس من أبناء الجنوب إختاروه في الإنتخابات النيابية في العام 2000 ليحصل على أعلى نسبة أصوات في الجنوب ولبنان، وهذا بحد ذاته تكريم له قبل رحيله، وإعتراف بأنه ضحى ونحن نقدر ذلك، ما زلت أشعر أنه معنا في كل تحركاتنا ونشاطاتنا، يراقبنا ويحثنا على المزيد من العطاء والتضحية والعمل معاً، وما زلت أحتفظ بالورقة التي وقع عليها عند تأسيس المركز، كان أول إسم بالموقعين يليه والدي وكلاهما أحب الناس على قلبي، وهذه الورقة أعتبرها كالوصية المهمة، بل أهم من كل الأموال والورثة وسواها·

وروت سعد كيف أنها كانت تراعي أوضاع ذوي المتوفين، وتحاول إقناعهم بوهب الأعضاء وخاصة منها القرنيات، فقالت: ذات مرة إتصل بي <الصليب الأحمر اللبناني> وتوجهنا ليلاً إلى بلدة في البقاع الغربي، توفى شاب عمره 30 عاماً، ورفض الأهل التبرع وطلبوا عدم لمس جثة المتوفي، شعرت ببعض الخجل، ولكنني كنت أقوم بواجبي، شرحت لهم أهمية التبرع، وقلت ليست الإفادة لي، بل إلى محروم من نعمة البصر، وبهذا العمل الخيري نكون قد عززنا إعادة البصر، لكنهم رفضوا، شكرتهم وقدمت التعازي ثم غادرت، وأبلغتهم إذا غيرتم الرأي يُمكنكم الإتصال· وفي اليوم الثاني إتصلوا يريدون التبرع، وما كان جثمان الشاب يدفن حتى كانت نعمة البصر تعود إلى شاب وشابة الآن يريان بعينيه، فيما وهبوا القلب إلى مريض من طرابلس إنتقل إلى زحلة وأجرت له العملية هناك، الآن يخفق قلبه في جسده ليعيش نعمة الحياة·

ثريا حسن زعيتر Th@janobiyat.com

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا