×

جميلة المقاومين ...جميلة بو حيرد !..

التصنيف: أمن

2011-09-26  09:37 ص  1376

 

خليل إبراهيم المتبولي

..."وراء كل رجل عظيم إمرأة" قولٌ ألفناه ، وكثيراً ما نردّده عندما نأتي على ذكر أحد العظماء منذ القديم إلى عصرنا اليوم . ولكن قليلاً ما نقول "وراء كل إمرأة عظيمة ..." أمّا وإذا قلنا إمرأة عظيمة نكون أمام ظاهرة ، وما أكثر الظواهر في عصرنا ...

إذا كان الرجل العظيم يتمتّع بقدرات خاصّة غير عاديّة تمكنّه من أن يتحدّى المألوف ليحقّق إنجازاً هاماً في نسيج الحضارة الإنسانية ، في أي مجال من مجالات الحياة المختلفة . فإنّ المرأة حين تحقّق العظمة فهذا معناه أننا أمام كائن خارق يتخطى عوائق مضاعفة تبدأ من كونها إمرأة عليها أن تتخطى حدود منزلها أولاً ثم ترتطم بالحواجز الإجتماعية والثقافية الشائكة قبل أن تبدأ في تحقيق رسالتها ، أي أن تبذل جهداّ ضعف ما يبذله الرجل شخصيّاً ومهنياً قبل أن نصفها بالعظمة التي تؤهلها لدخول التاريخ والمجد . ورغم صراع المرأة الأزلي بين عالم تعيش فيه وعالم تتمناه ، فقد استطاعت بعض النساء أن يحطّمن هذا الحاجز المنيع بين الواقع والحلم ، وأن تكتسب صفة العظمة ...

جميلة بو حيرد فتاة جزائرية ولدت في حي القصبة في الجزائر عام 1935 من أب جزائري وأم تونسية من مدينة صفاقس زرعت حب الوطن والتضحية لأجله في قلوب أولادها ، تحدّت جميلة كلّ الصعاب وتخطّت كلّ الحواجز وأحاطت نفسها بهالة العظمة من خلال عملها المقاوم ودورها في دحض الأستعمار الفرنسي . كانت جميلة بو حيرد واحدة من بنات الجزائر اللائي كنّ يعملن في المقاومة السريّة أيام الإستعمار الفرنسي للجزائر ، وكانت ككل جزائرية عربية تقوم بنصيبها في الحرب ضد الفرنسيين . فقد تقدّم طبيب جزائري لخطبتها إلاّ أنّها إشترطت عليه أن يعمل مع المقاومين قبل أن توافق على الزواج منه ... وافق وذهب ولكنّه لم يعد ... إذ أنّه استشهد في إحدى المعارك وهو يقوم بواجبه كطبيب في الخطوط الأمامية مع الثوار ...

ردّاً على استشهاد الطبيب الخطيب قرّرت جميلة بو حيرد أن تتوسّع في نشاطها إنتقاماً لخطيبها الذي قتله الفرنسيون ، فراحت تحمل القنابل تحت ملابسها وتلقي بها في الأماكن العامّة التي يحتشد فيها الفرنسيون ، وأثبتت بذلك شجاعة لا حدّ لها . مما أوكل إليها من قيادة جيش التحرير بمهمة في غاية الأهمية والسرّية وهي توزيع البريد ونقل تعليمات القيادة إلى الفدائيين ...

وفي ليلة ، وبينما كانت تقوم بتنفيذ مهمّة تمّ إعتقالها وهي تحمل تقريراً على جانب كبير من الأهمية ، كُلّفت بنقله إلى بيت معين في مدينة الجزائر حيث كان سيتم نقله إلى قيادة جيش التحرير الجزائري ، وفوجئت جميلة بقوات الفرنسيين تسدّ عليها الطريق فألقت بحقيبة الرسائل إلى شخص من الفدائيين كان يسير إلى جوارها ، مما أدى إلى هروبه واختفائه واختفاء الحقيبة ، أمّا هي فأخذت تجري وتجري إلاّ أنّ جنود الفرنسيين أطلقوا النار عليها ، فأصابتها رصاصة في كتفها . وتمّ إعتقالها في نيسان عام 1957 حيث بدأت رحلتها القاسية مع التعذيب ، وقد تحمّلت شتّى وسائل التعذيب ولم تعترف على زملائها ...

هذا وقد تطوّع المحامي الفرنسي جاك فيرج للدفاع عنها لتعاطفه مع قضيتها ، إلاّ أنّ السلطات الفرنسية منعته بحجة أنّ أمه آسيوية ، وأنه ليس فرنسيّاً خالصاً . وتعاطفاً معها أيضاً ومع مأساتها راح الأديب الفرنسي جورج آرنو والمحامي جاك فيرج يؤلّبان الضمير الدولي ضد السلطات الفرنسية،واشتركا في تأليف كتاب يروي مأساتها وناشدا شعوب العالم وحكّامه ليتدخّلوا لإنقاذ جميلة.

...وفي 15 تموز من العام 1957 تمّ الحكم على جميلة بالإعدام ، لكنّها لم تهتز لهذا الحُكم ووقفت بشجاعة وقالت : "إنكم باغتيالنا لا تقبضون أرواحنا، وإنما تغتالون الشرف والحرية في بلادكم وتضعون مستقبلها على حافة الهاوية ..."

وثار الرأي العام العالمي وثارت جامعة الدول العربية ، والأزهر ، ومؤتمر التضامن الأفريقي الآسيوي ، وحتى الأحرار في فرنسا ذاتها ، والأدباء والعلماء وقادة الفكر الفرنسي من أجل جميلة بوحيرد وقادهم في هذا التحرّك الفيلسوف جان بول سارتر .

كما أضربوا في ألمانيا ، وفي الأتحاد السوفياتي ، وفي كل مكان جعلوا من قصة جميلة محنة للإنسانية مما اضطر وقتها رئيس الجمهورية في فرنسا ( رينيه كوتي ) أن يخفّف حكم الأعدام إلى الأشغال الشاقّة المؤبّدة ...على أن الحرية انتصرت في النهاية ، وخرجت جميلة بو حيرد من السجن وعادت إلى الجزائر المستقلّة .

بعدالاستقلال، تولّت جميلة بوحيرد رئاسة اتحاد المرأة الجزائري، لكنها اضطرت للنضال في سبيل كل قرار وإجراء تتخذه بسبب خلافها مع الرئيس آنذاك، أحمد بن بلة. وقبل مرور عامين،قررت أنها لم تعد قادرة على احتمال المزيد، فاستقالت وأخلت الساحة السياسية. وهي ماتزال تعيش حتى الآن...
 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا