مارلين خليفة

يكثر الحديث في مجالس الموالاة والمعارضة حول أفق العلاقة بين «التيار الوطني الحر» ورئيس الحكومة سعد الحريري، في ضوء تجربة التفاوض الأخيرة وما فتحته من آفاق بين الجانبين، بلغت حد القول ان هناك مسعى لصياغة تفاهم يتضمن عناصر التوافق وطنيا واقتصاديا واجتماعيا.
وإذا كانت مظلة التفاهم السوري السعودي قد طرحت أسئلة لبنانية في اتجاهات متعددة، فإنها طالت وجهة التعامل السعودي مع الساحة المسيحية، في ظل وضوح الوجهة السورية بدعم مسيحيي المعارضة وموقع رئاسة الجمهورية والمؤسسة العسكرية.
ويمكن القول ان الحواجز النفسية بدأت بالتداعي تدريجا بين «تيار المستقبل» و«التيار الحرّ» بعد اللقاءات الخمسة التي جمعت زعيميهما، وسريان «الكيمياء» الإيجابية بينهما، إلى درجة أن رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون كان يتحدث في احد لقاءاته مع الرئيس المكلف آنذاك سعد الحريري عن أهمية «الإصلاح والتغيير»، فأجابه الحريري بأن الأمرين يصبّان في «المستقبل»!
وعلى هذه النغمة الإيجابية تدرّجت لقاءات الرجلين «فالتقيا في موضوع الإصلاح المالي والاقتصادي وضرورة اعتماد الشفافية»، متفقين على «أن الوجود السوري وتراكمات الحروب الأهلية وسيطرة الميليشيات عوامل أسهمت في زعزعة الدولة»، على ما يروي مصدر مطلع في «تيار المستقبل».
عملية «غسل القلوب» ـ معطوفة على إعجاب متبادل ـ استمرت أقله ساعتين أو ثلاث ساعات في كلّ اجتماع، تكلّم فيها الطرفان عن هواجسهما ومشاكلهما الماضية، وعزيا «سوء التفاهم» بينهما إلى عدم «الالتقاء المباشر وإلا لكانا اتفقا على أمور جمّة» كما يروي المصدر المذكور.
بدأت معالم هذا الالتقاء تنعكس على صعيد كوادر التيارين ممن نسجوا سابقا علاقات عبر منظمات المجتمع المدني أو النقابات، وهم يلتقون بشكل مكثف بعيدا من الأضواء بغية كسر الحواجز والتفكير بصوت عال والبحث في تفاصيل المشكلات اللبنانية المختلفة. كذلك ظهرت معالمه السياسية في إطار الإعداد للبيان الوزاري «حيث الجميع يفصحون عن آرائهم على الطاولة»، ومن نماذجه أيضا ما حصل في نقابة المحامين حيث تم التوافق بين المعارضة و«تيار المستقبل» على انتخاب أمل حداد، بعد أن حاول «المستقبل» إقناع الكتائب بأهمية اقتناص الفرصة لانتخاب امرأة، بحسب المصدر المطلع في «تيار المستقبل».
شكل اللقاء الأول صدمة إيجابية للرجلين «فالحريري وجد عون أكثر ليونة وتقبلا لفكر الآخر، وهذا جانب في شخصيته لم يعهده في خضمّ الحوارات الساخنة التي كانت تنشأ على طاولة الحوار، ولاحظ أيضا أن عون شخص لطيف وهادئ يصغي لمحدثه بتمعن وهو ليّن أكثر من المتخيل».
من جهته، رأى عون أن الحريري شخص يتمتع «برحابة صدر، واضح، لا يحبّ اللفّ ولا الدوران، يسعى إلى الحلول، يرغب في النجاح ولا يتوقف عند العقد الصغيرة والتفاصيل الضيقة ليبني عليها أساطير»، كما يروي أمين السر لـ«تكتّل التغيير والإصلاح» النائب إبراهيم كنعان.
بعد الصدمة الإيجابية للقاء الأول استكملت «الأجواء الطيبة» في اللقاء الثاني وأبدى عون سروره لوصوله إلى هذه الدرجة من التفاهم مع الحريري، فيما عبّر رئيس الحكومة الذي كان وقتها رئيسا مكلفا عن سعادته في البدء بمرحلة تأسيسية جديدة، مؤكدا ضرورة توسيع لقاءات التفاهم لإنقاذ البلد «لأنه لا يريد حكومة صراع ديوك أو حكومة «حربجية» بل حكومة إنجازات، أما الخلافات فلتتظهر داخل البرلمان وعلى طاولة الحوار وحتى في الإعلام وليكن مجلس الوزراء سلطة تنفيذية للعمل والإنجاز القائم على الإصلاح والشفافية» كما ينقل المصدر المطلع في «تيار المستقبل» عن أجواء لقاءات الحريري عون، مضيفا ان الطرفين اتفقا على «تشكيل فريق عمل موحد في مجلس الوزراء».
تركز الكلام بين الطرفين في الاجتماعات الخمسة على أهمية إنهاء الانقسام في البلد مع احتفاظ كل طرف بوجهة نظره السياسية والاتفاق على خطة الإصلاح المالي وضرورة منع التوتر لدى القواعد واعتماد خطاب سياسي معتدل. وقد فوجئ الحريري بعون يخاطبه قائلا: «لدينا المشروع ذاته لكن بعناوين مختلفة». وعلى أساس النظرة الموحدة تم الاتفاق على «متابعة هذه الملفات والعناوين المشتركة وعدم تركها للصدف بغية خلق شبكة أمان تمنع العودة إلى الماضي أو تفجير الوضع بأي طريقة من الطرائق».
«الفكرة الرئيسية التي تم التوافق عليها هي بناء الدولة على أساس الشراكة والإنماء المتوازن والإصلاح، هذه المصارحة الفكرية ستختبر مدى انعكاسها في التطبيق العملي بعد البيان الوزاري ونيل الحكومة الثقة وخصوصا في عمل الوزارات التي كانت من حصة التيار الحر وأيضا في لجنة المال والموازنة»، بحسب تعبير النائب كنعان.
بدأ بناء العلاقة بحسب كنعان في الاجتماعين اللذين رافق فيهما نواب «تكتل التغيير» العماد عون إلى الاستشارات النيابية، وترسخت العلاقة في الاجتماعات الثنائية الخمسة التي بينت «أن ثمة تفسيرا موحدا لمفاهيم من الممكن الالتقاء حول بعضها». وأبرزها بحسب تعداد كنعان، الإقرار بوجود خلل إما في تطبيق الدستور أو في النصوص وضرورة معالجة الخلل أينما وجد، وتبين أن الباب غير مغلق من قبل الحريري وخصوصا لجهة تحديد آليات لحسم الخلافات داخل لبنان.
النقطة الثانية، تفعيل دور الحكم لرئاسة الجمهورية، وقد تم الاتفاق على البحث تفصيليا في هذه المسألة على الرغم من أنها لا تزال بعيدة من قناعة «تيار المستقبل» لكنه مستعد للتفكير فيها.
ماليا، تحدث العماد عون بصراحة عن نتائج غير مُرضية في السياسات المالية وبالتالي ثمة ضرورة لسياسات إصلاحية جذرية تعالج الدين العام، وإلغاء الصناديق بإعادة صلاحيات الوزارات انسجاما مع اتفاق الطائف الذي منح الوزير صلاحيات مركزية قوية، وتفعيل الدوائر الرقابية. وتطرق الطرفان إلى ضرورة اعتماد الخصخصة بما يحفظ حق المواطن والدولة، إلى مواضيع مثل اللامركزية الإدارية الموسعة».
لم تصل هذه اللقاءات إلى حدود التفاهم الذي حصل بين «التيار» و«حزب الله»، هذا ما يجمع عليه الطرفان، و«تنحصر غايات اللقاءات الآنية بحماية المنجزات والمكتسبات بغية التأسيس لمشروع تفاهم يأبى الرئيس الحريري إلا أن يكون شاملا للأطراف جميعها، بعيدا من الثنائية، كي لا تشعر فئة بأنها خارج دائرة التفاهم، الذي يريده الحريري شبيها بمروحة جامعة بشبكاتها للوطن كله»، بحسب المصدر في «تيار المستقبل