×

سعد رفيق الحريري ... العرشُ احتاج الى فضائلك !

التصنيف: سياسة

2009-11-20  05:07 ص  1104

 

 

هادي الأمين ()
دولة الرئيس،
صباحُ الخير،
وبعد،
شبابهُ كان فيه ما يكفي من الدمع ليحكي آلامهُ وكل الوجع، هو.. هو نفسه كسر القيد وعاش ليتعلم، وتاق الى المعرفة ليحيا، وفتح شبابيك الوطن لكل الحمائم الملونة، تُرى، من يأتي بعده.. ؟ من تحرر عقله وقلبه من كل استعباد حتى اصبح شفافاً كما الفجر يرنو الى فضيلة النور، تُرى، من يأتي بعده ...؟ من كان على عتبة كل نهار، يخلع الإستعباد المتنكر بزيِّ آلهة، ويجهدُ كراهبٍ حزين لا يبيت، يجهدُ لردِّنا من مياتم الطوائف، تُرى، من يأتي بعده...؟ من فاضت نفسه وسها عن ذاته فاحتله الحب، وبالحب احتل قلوب الناس، وقلب الأرض وشجر الأرض، وورودها، وعصافيرها، وتلالها والصدى الذي يقطن بأوديتها، ومن ثمَّ، لكثرة حبِّه بها، سقاها دمه، تُرى، من يأتي بعده...؟ من لم يؤمن بسعادة مخترعة ولم يرد للوطن أن يبقى شبه وطن، ولا الشعب شبه انسان، ولا الحرية شبه ممارسة، وبعدها، لأجل كل هذا استشهد، تُرى، من يأتي بعده...؟
يأتي بعده أنت: سَعدْ رَفِيق الحَريري.
دولة الرئيس،
كان صيفا جميلا حين عرفتك، وكذلك كان وعدك جميلاً، كما الصلاة محمَّلة بالإبتهالات، كما العاطفة بلا رقيب، كما القوانين حازمة وكما الطفل مطمئن. يومها، فهمتُ كثيراً كم من القرابين قدَّمت، وكيف أن القرابين تلك، عبَرت بك حيثُ لا مكانَ لغرورٍ ولا ابتذالٍ ولا ادعاءٍ ولا تطرّف ... كيف أن القرابين تلك، عَلمَتكَ الصبر الجميل لا التسرع الأناني، التوقف للتأمل لا الوقوف على الأطلال، الشك المؤدي لليقين لا الشك المدمر اللاواثق، العيش ولو في صحراء مكتظة بالفرحِ والحياة لا التعايش في منتصف مدينة يغزوها الهم والحزن والتصنع... وكيف أنَّ القرابين تلك، علمتك ان لا منتصف لطريق، ولا منتصف لشعور، ولا منتصف لقرار، ولا بقاء حيث الجمود والتردد والخوف، ولا إلتفاف الى الوراء ولا ثأر، بل بعضُ عدالةٍ تطالُ من تركوا في الساحة حفراً عميقة. نعم، يومها، أنا فهمتُ كيف أنَّ القرابين تلك، علمتك أن الفقر والغنى، كلاهما يجلبنان الضنى، ومن يطمعُ بالحكم كمن يرضى بالخضوع، كلاهما يسقطان في عتمة السجن والعنى.
دولة الرئيس،
أيضاً وأيضاً، ورغم قساوته، كان صيفا جميلا حين عرفتك، وكذلك كان وعدك جميلاً، كما الصلاة محمَّلة بالإبتهالات، كما العاطفة بلا رقيب، كما القوانين حازمة وكما الطفل مطمئن. كانت حربهم لتوها انتهت، والناس مرمية على عتبات المساجد والكنائس، تتلو أناشيد النصر مغصوبة، تنتظر العودة الى مشاريع بيوت تصدعت، لا بل الى ركام بيوت كانت يوماً ملكها في الجنوب والبقاع والضاحية. يومها، كان الوطن فقيراً بلا نزهات ولا دردشات ولا رقص ولا تعايش ولا تحابب ولا سلام، فقط، إحتراق وموتٌ وأوهامٌ وغيابٌ وانهياراتٌ وافتراضاتٌ وسفر. نعم، أذكرُ يومها أن المشهد هالكَ وأبكاك... وبلا ضجة ولا تمنين، ورغم اتهامك، بجدية قائد وقفت، وبقلق ضحية وقفت، وتمرُّدِ معارضٍ واصالةِ حصانٍ وحفاوةِ شجرٍ ورّقةِ عُصفورٍ وغنج المُتَبّنى ورأفة المتَبّني، فتحت ابوابك وشرعت نوافذك وتبنيت الناس، لم تحطم العزم بمطرقة، بل فككت الاحجية واعدت تركيبها فكان الوطن من جديد، وقلت: ما دمنا على قيد الحياة فإننا نخطئ، ولكن، دعونا نساعد ونعيش ونفرح ونحاذر الفخ.
دولة الرئيس،
أي أخي وصديقي وحبيبي ... كانت حربهم لتوها بدأت على العاصمة بيروت - أي بيتكُ الذي ليسَ يسكنهُ إلا طهرُ أبيكَ وبياضُ أمِّك وصلاتها والأحاديث الجميلة، وبيتُ اللبنانيين وبيتي، بيتي الذي انسبت من لحمه، بيتي المليء بعوالم رصينة وبهية ومقدسة، إيمانُ أبي واجدادي فيه، وصلواتُ أمي وبياضُها فيه، وحضورٌ بهيٌّ وابديٌ لملائكةِ الرحمان، بيتي الذي طُرِدتُ منه، ففارقتني معه الذكرى والصور والقصائد وأراجيح الطفولة ورائحة الخبز وعبق الزيتون وسكينة الياسمين -، إذن، كانت حربهم لتوها بدأت على العاصمة بيروت، صراخٌ وتهديدٌ ووعيدٌ وكذا ضجيجُ مقاتلٍ جبانٍ يأمرُ بجلدِ الآمنين في البيوت ... الشوارع، فيها بعض أقواسِ نصرٍ واهم بدأت ترتفع، أقواسُ نصرٍ تحلمُ التأريخ لزمنٍ معهُ يُطردُ السكان الأصلييون، ومعه يُمحى نبل مرورهم وغزارة وجدهم، وحقيقة إيمانهم الذي يسري في الوريد. لمرة جديدة ثانية وقفت، ورغم اتهامك، بجدية قائد وقفت، وبقلق ضحية وقفت، ممتشقاً صوتك مضاداً للحقد، صريحاً لا تقبل بقاء اللغز سراً تُحِيكُهُ الأسئلة التي لا تنتهي، وأعطيت أجوبة لا تساورها إلا الحقيقة الصعبة التي لا تأبه لشك أو نقصان. حملتَ وردةً، غسلت عن الأحداث أسمائها والعناوين، نقعتها بمائك، ثم نشرتها أمام الناس، نظيفة من سوادها عابقة ببياضك، وقلت، بعد دعوتك المقاتلَ هجرانَ ضجيجه، قلت : هنا الضباب أزرقٌ أزرق، والوردُ زهريٌ وأبيض، لا نقطفه إلا طازجاً قبل أن يُسرقَ ويُعبأ جثثاً في الأكياس، هنا، قوس قزح نحمله سجادة نفرشها طريقاً نحو الأبيض المُرتجى ساعة ترسمون الليل بأَسْوَدِ الممكن.
دولة الرئيس،
هنا، لستُ أنا بعابثٍ بأبجدية الحقيقة، بلْ أصيغها على طريقتي وأقصها على الناس، دونما زيادة أقولها، بل مُحَاكةً على قياس معرفتي بك، حقيقة جديدة طازجة لم يفلفشها أحدٌ بعد .. حقيقة أقصها على الناس، الناس التي تكرهك وتحبك، للتي تكرهك، لعل رأسها المحشوَ خطباً وشعارات يَتَطهر، فتعرف حينها، أن الزمن ساعة يستحيلُ كوجهك يصير أحلى، ولتعرف أكثر: أنك طفلٌ بريء وُلِدَ لتوه، لا العرشُ يعطيكَ الجلال وحسن الطاعة، ولا الرئاسة تزيد على مقامك سخاء أو أكليل إعتزاز ... بل العرشُ هو من دعاك إلى مائدته محتاجاً فضائلك، قبلك كان مغروراً خالياً من صفات الرجولة، فجعلت له مكانة ومقاما فباتَ كإنسان يتمتع بصفات العاشقين .. وللناس التي تحبك، لتحبكَ بعدُ أكثر، فهي تعرف تماماً أنك لا تأبه للإعتلاء المرصع بالعقاقير، وتعرفُ تماماً انك ساعة تنظر للأعلى تطاله بلا مدّ ليد ولا ارهاق لقدم، وتعرف أنك كلما تصل بوابة الضوء ترشدهم للدخول معك .
دولة الرئيس،
أكتبك الآن ويدي ترتجف، وروحي يعتريها حنين ابدي، وانا الذي هنا بعيد بعيد جدا، بيني وبين أرضي أراضٍ وأوطان كثيرة، وسماوات ومطارات وحروب وتفاصيل حزينة وأخرى مبتسمة، وخطوات بطيئة واخرى سريعة، وصداقات عميقة واخرى بلا لون ... دمي يفيض، جناحي مهيض، وبي إشتياق الى وطني الذي بين ايديكم الآن، اليكم وانتم هو، اشتياق للهواء الذي تتنشقونه ولا يصلني، اشتياق للحظات الخوف، لصراخات الناس، وللأزقة التي يصلكم أنينها ولا يصلني. ولكنه اشتياق لا يسلب القلب بريقه، ولايأخذ منه فرحه المعشعش بالفطرة، بل يزيده تفاصيل رقيقة وطيبة، وبعدُ أكثر، يزينه بغيرة محببة وطمأنينة تسد معابر الخوف، غيرة محببة، هي عليكم لفرط محبتي وتقديري لكم وغيرتي لقربكم من قلب الوطن الدي أراده أبوك، وطمأنينة لعلمي أنك حاكمٌ عادلٌ فضائلهُ مباحة للجميع، لا فضيلة تكتمل عنده بلا مساواة ولا مساواة ترحم بلا عدل ...
هدا قليلٌ من كثير أعرفه عنك، وما تلذ به روحي وتصبو اليه يتعالى عن الإيضاح... والسلام
() كاتب سياسي

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا