×

الوسط التجاري لصيدا: دور حضاري كبير... ونقاط استفهام اقتصادية وأمنية

التصنيف: إقتصاد

2012-02-04  09:21 ص  1073

 

 

مارسيل عيراني - خاص النشرة:
إذا كان لبنان حقاً كما يصفه البعض، متحفاً كبيراً وكتاب تاريخ خطّه كل من الحجر والبشر، فإن صيدا بالطبع هي إحدى تحفه الأكثر تألقاً وإحدى صفحاته الأكثر عراقة...
فصيدون التي بنتها الأيدي الفينيقية، شهدت تاريخاً حافلاً منذ ذلك الحين، فعاش فيها الإنسان منذ ما قبل الفينيقيين أيضاً وحتى يومنا هذا، وهذه الحقبات التاريخية المتنوعة التي مرت بها، ساهمت بشكل كبير في تكوين هويتها ونسيجها الإجتماعي والحضاري والثقافي، حتى استحقت اليوم لقب عاصمة الجنوب اللبناني.
الوسط التجاري لصيدا: أزقة يجد فيها الزائر كل ما يريد
الوسط التجاري لصيدا أو ما يعرف بأسواق صيدا يشكل بدوره جزءاً من تعاقب الحضارات التي تركها الكنعانيون والفينيقيون واليونانيون والرومانيون والبيزنطيون والعرب والعثمانيون، والفرنسيون... ورغم التطور الكبير والسريع الذي يشهده زمننا الحاضر، فإن معالمه ما زالت مصانة بشكل كبير، حتى أنها توحي لزائرها بأنه دخل إلى مكان خارج الزمان.
ورغم قيام البعض حديثاً ببناء أسواق كبيرة في مدينة صيدا أو ما يعرف بالـ "Mall"، فإن هذه الأسواق الملاصقة بالمدينة القديمة والتي تشكل جزءاً منها، هي متنوعة جداً ومن بينها سوق "الحياكين، الصاغة، النجارين، العطارين، الكندرجية... وغيرها"، ولكن الأكثر قدماً هو سوق "البازركان" الذي يعتبر السوق الرئيسي ويعود تاريخ إنشائه إلى 500 عام.
وفي هذا الإطار أوضح رئيس جمعية تجار صيدا علي الشريف أن "السوق في المدينة ما زال يتمتع بأهلية وبتنوع بضائعه وبأسعاره وبثقة المواطنين ولم يتأثر بإفتتاح بعض المؤسسات التجارية الموجودة خارج الوسط التجاري للمدينة له من خصوصية كبيرة من جهة موقعه ومن جهة ملاصقته إلى المدينة القديمة والمؤسسات التراثية والسياحية".
فداخل أزقة هذا السوق تجد كل ما تريده من مأكولات وثياب وأقمشة وبياضات منزلية بالإضافة إلى اللحوم والخضار، إلى جانب القرطاسية والذهب والمواد المصنعة حرفياً ويدوياً، والصوف، ومعدات مستعملة وأخرى حديثة...إلخ. والمحلات متوزعة على جانبي الأزقّة دون تجانس كبير، فتشكل نوعا من "الفوضى" مما يدفع بعض الباعة إلى جذب الأنظار عبر النداء على بضائعهم: "البقلة بألف... أطيب سندويش فلافل... سولد سولد...". وهذه الفوضى تترافق أيضاً مع بعض المخالفات القانونية نظراً لوجود ما يعرف بالـ"بسطات". ولم ينف الشريف وجود هذه المخالفات، معتبراً أن السوق يعاني منها منذ سنوات "فهذه البسطات والعربات موجودة على أرصفة الوسط التجاري ونحن بصدد معالجة هذا الموضوع بعدما أمنت البلدية منطقة "خاصة" لها من أجل تأمين معيشة الذين يتكلون عليها"، واعداً بمتابعة "هذا الموضوع مع البلدية وكافة فاعليات المدينة والقوى الأمنية لإنهاء هذا الوضع الشاذ".
سوق "فريد من نوعه" يجمع بين التجارة والحضارة
إنه سوق فريد حقاً، فإلى جانب كل هذه المحال تتألق بعض القناطر التي تظهر جمال الأحجار الرملية، وتقود الزائر بعض اللافتات التي تشير إلى تاريخ هذه المدينة، ومنها متحف قصر دبانه الذي تم تشييده في القرن الثامن عشر على يد علي آغا حمّود، وانتقلت ملكيته عام 1800 لعائلة جوزيف دبانة التي اتخذته مكاناً لإقامتها حتى عام 1978. وهذا المتحف يحتوي على جميع خصائص الدار العربية العثمانية الخاصة بتلك الحقبة. فالدار العربية التقليدية كانت مؤلفة من فناء داخلية مؤدية إلى القاعات المحيطة بها. ويشهد هذا القصر على مهارة الهندسة المعمارية الدمشقية التي تطورت بفعل التقاليد الملوكية وبتأثير من الفن العثماني.
وليس بعيداً عنه، يقع معمل الصابون القديم الذي تم تحويله اليوم إلى "متحف للصابون" وذلك "لإلقاء الضوء على القيم الهندسية التي يتحلى بها المبنى الموجود فيه ولحماية التراث الثقافي للمدينة. وهو على مدخل المدينة القديمة يؤمن الوصول إلى أروقة السوق القديم ودهاليزه، حيث يجد الزائر مزار القديسين بطرس وبولس داخل كاتدرائية القديس نيقولاوس. وأشيدت هذه الكاتدرائية في القرن الثامن للميلاد، ويخبر التقليد الكنيس انه في مدينة صيدا، وتحديداً في الغرفة التي أشيد فيها المزار، قد اجتمع القديسان بطرس وبولس حيث جاء في سفر أعمال الرسل ما يلي: "وفي اليوم الآخر، أقبلنا إلى صيدا فعامل يوليوس بولس بالرفق وأذن أن يذهب إلى أصدقائه ليحصل على عناية منها" (أع 3:27). في سطح الغرفة منفذان كانا يستعملان للتهوية وتحتها يقال بأنه يوجد سرداب يوصل القلعة البحرية بالبرية وكان يستعمل للهروب أثناء الحرب. أما كاتدرائية القديس نيقولاوس، فهي تجمع الطائفتين المسيحيتين، الكاثوليكية والأرثوذكسية، تحت سقف واحد، إذ تم تقسيمها عام 1819 إلى قسمين: ثلثان للروم الكاثوليك وثلث للروم الأرثوذكس بموجب مرسوم صادر عن سليمان باشا مؤرخ في 5 تشرين الثاني. وهذه الكنيسة تخضع اليوم إلى أعمال ترميم مما أدى إلى إقفال القسم الكاثوليكي مؤقتاً فيما تقام الصلوات في الكنيسة بشكل منتظم أيام الأحاد والأعياد في القسم الأرثوذكسي حيث المزار.
هنا، الجميع يستقبلك بابتسامة وبتحية السلام، ولكن ملامح الوجه تتغير عندما تسألهم عن الحالة الإقتصادية.... فالعصر الذهبي الذي عاشته المدينة أيام الأمير فخر الدين، يبدو أنه لم يعد يميزها اليوم.
الشريف لـ"النشرة": سوق صيدا لا يعاني مطلقا من ارتفاع الأسعار
ففي جولة ميدانية قمنا بها في السوق، تحدثنا إلى أحد أصحاب محلات بيع الألعاب وسألناه عن سعر أحد البضائع، وما لبث أن بدأ يحدثنا عن الأسعار، فقال: "صارت غالية صيدا، صارت متل بيروت"، ورداً على سؤالنا حول سبب ارتفاع الأسعار، اكتفى بتغيير سمات وجهه وكأنه يريد القول: لا دخل لي أنا بالموضوع... فالأسعار مرتفعة في كل مكان. أما أحد الموظفين في مطعم أبو علي، والذي كان التلفزيون وينتظر علّ النهار يأتي إليه ببعض الزبائن، فقد لاحظ أن "المعيشة بدأت تصبح أكثر قساوة منذ اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري". ولم يبدومتفائلا بمسألة رفع الأجور، بل اعتبر أن هذا سيزيد الأمر سوءا "فالأسعار ترتفع ونحنا ما فينا نزيدا عالزبونات... البلد فقيرة".
إلا أن رئيس جمعية تجار صيدا فلا يوافق على هذا الموضوع، إذ اعتبر أن "سوق الوسط التجاري للمدينة الذي يشكل 70 إلى 75 بالمئة من المؤسسات التجارية الموجودة في صيدا لا يعاني مطلقا من إرتفاع في الأسعار" حيث أن "الجمود الإقتصادي المسيطر على لبنان والتجاذبات السياسية التي يؤثران سلباً على الوضع الإقتصادي ولا يجعلان التجار في وضع يسمح لهم برفع الأسعار بل على العكس يجرون تخفيضات كبيرة من أجل تيسير أوضاعهم المالية وجلب المتسوقين إلى السوق".
وخلال الجولة التي قمنا بها، لم نجد أسعاراً مرتفعة بطريقة خيالية، فسألنا إحدى البائعات التي تعمل في السوق منذ أكثر من 6 سنوات عن صحة ما يقال عن ارتفاع الأسعار في صيدا رغم أن الواقع لا يعكس ذلك، فأوضحت لنا، "أن التجار يحاولون تخفيض الأسعار للناس. فيمكن أن يجد الزبون في صيدا أسعاراً جيدة ولكن هذا لا يعني أن الغلاء ليس موجوداً بل يتحمله البائع في أغلب الأحيان، خصوصاً في فترة التخفيضات". وفي الإطار عينه قالت لنا أخرى "كلمة واحدة: أكيد، طبعاً، الغلاء موجود"، مشيرة إلى أن "المشكلة تكمن في مسألة انخفاض القدرة الشرائية لدى الناس فأصبحنا ملزمين بتخفيض مستوى الأرباح ورغم ذلك فإنه وكأن باب مقفل يمنع الزبائن من الوصول إلينا... فالسوق الشعبي الذي كان معروفاً بحركته وتدفق الناس إليه من كل المناطق، بدأ يفقد شيئاً فشيئاً هذه الحياة"...
سعد لـ"النشرة": الشلل التي تعيث فسادا في مدينة صيدا محمية سياسيا
ولإستيضاح هذا الموضوع، تحدثنا إلى رئيس التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد، الذي أكد أن صيدا تشهد حقاً إرتفاعا في الأسعار، معتبراً ان "هذا الأمر مرتبط بارتفاع الأسعار في لبنان عموماً، وهو ناجم عن عدة عوامل، من أهمها: أولا، إحتكار كبار المستوردين لغالبية السلع الأساسية، وفرض أسعار تؤمن لهم هامشاً واسعاً من الربح، علماً بأن لبنان يستورد معظم السلع من الخارج، ولا ينتج إلا قسماً محدوداً من احتياجاته. ثانياً، غياب الدولة عن مراقبة الأسعار، وسكوتها عن الاحتكارات والمحتكرين الذين يمارسون نفوذاً حاسماً على السلطة. ثالثاً، استغلال كبار التجار مسألة زيادة الأجور لكي يفرضوا رفعاً جديداً للأسعار حتى قبل أن تقرّ زيادة في الأجور.
ورداً على سؤال لـ"النشرة" حول مدى تأثير المشاكل الأمنية التي تعاني منها المدينة بين الحين والآخر على الوضع الإقتصادي، اعتبر أن "هذه المشاكل التي تشهدها أحياناً صيدا، أو البلدة القديمة، أو مخيم عين الحلوة، لها انعكاساتها السلبية على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والتجارية"، معبراً عن استهجانه "لسكوت القوى الأمنية عن هذه المشكلات، وعدم مبادرتها إلى اعتقال المسببين، من مروجي الحبوب المخدرة وسواهم، على الرغم من كون هؤلاء معروفين جيداً لدى الأجهزة الامنية الرسمية". وأكد أن "هناك تقصير من القوى الأمنية والقضاء، وهناك حماية سياسية للشلل التي تعيث فساداً في المدينة".
وقال: " لقد دعونا الدولة، ولا زلنا ندعوها، إلى القيام بواجباتها والحفاظ على أمن المدينة وسكانها، لكننا لم نجد التجاوب المطلوب لأسباب مجهولة".
بالمقابل اعتبر رئيس جمعية تجار صيدا أن هذه المخالفات الأمنية هي بسيطة ، مشيراً إلى أن "المؤسسات الخاصة والرسمية على حد سواء تقوم بمعالجة ذلك عبر توعية الشباب على عدم التعاطي في آفة تناول الحبوب المخدرة". ورداً على سؤال لـ"النشرة" عن وجود مقنعين، أوضح أن "هذا لا يدل على أنهم خارجون عن القانون ، بل هم من سكان المدينة القديمة وربما يقومون ببعض التصرفات الغير لائقة لحاجتهم إلى بعض النقود ويتقنعون حتى لايعرفوا من بقية السكان داخل مدينة صيدا القديمة". ورفض اعتبار المدينة القديمة "كجزيرة منفصلة عن مدينة صيدا"، مؤكداً ان "معالجة موضوع بعض الشواذات بدأ من أجل إنهاء هذه الأوضاع".
أما سعد فحذر من جهته "من النتائج السلبية للطروحات المذهبية، ودعوات التقوقع والانغلاق، على دور المدينة، بما في ذلك دورها التجاري". إلا أنه عبر عن ثقته "بأن أبناء صيدا وقواها الوطنية لن يسمحوا لهذه الطروحات بأن تنتقص من دور المدينة، أو أن تسيء إلى موقعها وتاريخها".
وبين صوت يؤكد وجود الغلاء وآخر ينفيه، يبقى الأهم هو حماية المدينة القديمة. وهذا الأمر لا بد منه لأن قلاعها ومساجدها وكنائسها وخاناتها تضفي قيمة كبيرة على الدور الحضاري الذي يلعبه لبنان في المنطقة والعالم. وهذه الحماية لا تتم فقط عبر إعادة ترميم الشوارع التي تمت منذ بعض السنوات والتي حافظت على الوجه التقليدي للمدينة، إنما أيضاً عبر حماية أسواقها، أمنيا وإقتصاديا، لكي لا تدخل "سوسة" الغلاء والإحتكار إليها أيضاً من جهة، ولكي لا يقع وضع السوق التجاري ضحية للتجاذبات السياسية.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا