×

هل تنسحب إسرائيل من الغجر لتوهم الأسرة الدولية برغبتها في السلام

التصنيف: سياسة

2009-11-29  05:31 ص  1260

 

يدور البحث حاليا على تجميد العمليات الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية، وهدف الجولات المكوكية للموفد الأميركي الى الشرق جورج ميتشل تجميد بناء المستوطنات لإطلاق تفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي هذا السياق تضطلع بلدان اوروبية كفرنسا وبريطانيا بدور لإنعاش عملية السلام ليس على المسار الفلسطيني وحده بل أيضا على المسارين اللبناني والسوري.
وهناك احتلال إسرائيلي آخر لهضبة الجولان ومزارع شبعا وكفرشوبا وقرية الغجر التي يمكن بت مصيرها بمفاوضات بين لبنان وإسرائيل، غير انها تحتاج الى إعادة ترسيم حدود 1949 بين لبنان وسوريا وإسرائيل. وفي هذا السياق يجب إحياء لجنة ترسيم الحدود التي عقدت اجتماعات بين 1949 و1967. وما هو مطروح حالياً من "اليونيفيل" لا يشكل سوى مرحلة انتقالية.
وكانت هذه اللجنة المؤلفة من عضوين عن كل بلد تجتمع دوريا لتحديد الحدود بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، والحدود تختلف عن الخط الأزرق التي رسمته الأمم المتحدة بعد القرار 442 الذي دعا إسرائيل الى الانسحاب من الأراضي اللبنانية بعد حرب 1982. كما انه مرتبط بتنفيذ القرارين 242 و338 المتعلقين بالانسحاب من مرتفعات الجولان السورية.
والحدود التي كانت تفصل بين لبنان وإسرائيل تعود الى نهاية الحرب العالمية الأولى وكانت الفاصل بين مناطق الانتداب الفرنسي والبريطاني في الشرق الأدنى. وقد أدت حرب الأيام الستة بين إسرائيل والعرب الى توقف اجتماعات اللجنة ووقف الترسيم مما أدى الى خلافات على بعض النقاط والقرى مثل كفرشوبا وشبعا والغجر التي ترفض دمشق الاعتراف بلبنانيتها قبل احلال السلام بينها وبين إسرائيل.

 

تاريخ قرية الغجر

الغجر قرية عدد سكانها نحو 1800 نسمة تقع في أقصى شمال هضبة الجولان على كيلومترات غرب مزارع شبعا في وادي العسل على ضفاف نهر الحصباني. وسكانها العلويون يعيشون في محيط شيعي يمثل الأكثرية في جنوب لبنان وسني في شبعا ودرزي في مجدل شمس في الجولان. والقرية شطران الشمال لبناني يحتله الجيش الإسرائيلي والجنوب سوري وهو جزء من هضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل بعد حرب 1967. والشطران متداخلان فيما الخط الأزرق يمر عند الطرف الجنوبي لساحة البلدة. ويقيم 60 في المئة من السكان في الشطر اللبناني، فيما يقيم 40 في المئة منهم في الشطر السوري. وهناك وضع فريد فالخط الأزرق الذي رسمه المبعوث الخاص للامين العام للأمم المتحدة تيري رود - لارسن قسّم البلدة جزءين شمالها لبناني وجنوبها للجولان. والمشكلة التي يواجهها لبنان الذي يطالب بانسحاب إسرائيل من القرية ان هناك عاملاً إنسانياً يتعلق بحقوق السكان، فسكانها يعتبرون أنهم سوريون ويرفضون ضمهم للبنان ويريدون البقاء تحت الاحتلال الإسرائيلي حتى تحرير الجولان ويريدون الاستفادة من الخدمات المدنية التي تقدمها إليهم إسرائيل بالإضافة الى الهوية الإسرائيلية التي هي في حوزتهم حاليا. وإسرائيل ملزمة الانسحاب من كل الأراضي اللبنانية وفقاً للقرار 1701، الاّ أنها ما زالت تحتل القسم اللبناني من البلدة.
في القرن التاسع عشر كانت الإمبراطورية العثمانية تعتبر الشرق الأوسط بأجمعه تابعاً لها وكانت الحدود إدارية بين منطقة وأخرى. وبين عامي 1920 و1923 خلال الانتداب الفرنسي والبريطاني وضعت الغجر وكفرشوبا وشبعا ضمن الحدود السورية المعترف بها بين الدولتين المنتدبتين. وبدأت هذه المنطقة بالازدهار نحو الشمال حتى عام 1967 عندما احتلت إسرائيل  الجولان وألحقتها به. ولم يشكل نمو القرية نحو الشمال في الأراضي اللبنانية وانقسامها قسمين حتى عام 1981 اية مشكلة، فبعد ان احتلت إسرائيل لبنان عام 1982 احتلت المنطقة الشمالية من الغجر وتوحدت القرية. اما بعد سنة 2000 والانسحاب الإسرائيلي من لبنان فقد اضطرت الأمم المتحدة الى رسم الخط الأزرق الذي يفصل بين إسرائيل ولبنان، وهكذا قسمت قرية الغجر مجدداً الى قسمين وشكلت الطريق الرئيسية في وسط القرية الحدود بين القسمين اللبناني والسوري حتى عام 2006. ويحمل سكان القسم الشمالي الجنسية اللبنانية والإسرائيلية فيما يحمل سكان القسم الجنوبي (السوري) الجنسية الإسرائيلية فقط.
وكان السكان ينتقلون بين الشطرين الشمالي والجنوبي من القرية بطرق غير شرعية ورسمية ويقال ان أهل القرية استفادوا من الوضع القائم للقيام بعمليات تهريب للبضائع والمعدات بين شطري القرية.
في تموز 2006 احتلت إسرائيل شمال قرية الغجر، وبعد 33 يوما انسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان غير انه لم ينسحب من قرية الغجر الواقعة رسميا شمال الخط الأزرق أي في لبنان. وكان القرار الدولي 1701 قد طالب إسرائيل بالانسحاب من جميع الأراضي اللبنانية المحتلة. ان مشكلة الانسحاب من شمال الغجر مستعصية لعدد من الأسباب منها ان أصل سكان الغجر هم من سوريا ويحملون الجنسية الإسرائيلية ويعيشون على الحدود اللبنانية كما ان هذه الأراضي تشكل خزانا كبيرا للمياه تستفيد منه إسرائيل.
وقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية عام 2006 نيتها الانسحاب من شمال الغجر بعد ان حصلت على ضمانات من القوات الدولية والحكومة اللبنانية بان القرية ستوضع تحت إشراف القوات الدولية على ان يؤمن الجيش اللبناني حماية حدودها.
غير ان سكان القرية رغم انها تقع في الأراضي اللبنانية  يعتبرون أنفسهم سوريين ويقولون ان القرية امتدت الى الشمال في الأراضي اللبنانية بحكم النمو الطبيعي ولأنه لم يكن أمام سكانها حل آخر.
وانه خلال القرن الماضي لم يعتبر أهالي الغجر أنهم لبنانيون ويذكرون بأنه بعد حرب 1967 طالبوا السلطات الإسرائيلية بضم القرية الى الجولان المحتل بمعنى آخر بوضعهم تحت الاحتلال الإسرائيلي حتى إعادة الجولان الى سوريا. وهكذا تم الاعتراف بان القرية سورية.
أما الآن فما هو موقف أهالي الغجر؟  
انهم ما زالوا يرفضون الانسحاب الإسرائيلي من قريتهم، وتسليمها الى القوات الدولية "اليونيفيل" والجيش اللبناني  لأنهم يخشون انتقام "حزب الله" من السكان الذين طالبوا عام 1981 بالحصول على الجنسية الإسرائيلية. وكان مختار البلدة محمد ابو حسن الخطيب قد أوضح لصحافيين أجانب. "لا نريد ان نتحول الى لاجئين في لبنان وان نقتل على يد أنصار "حزب الله".
غير ان ما يدعيه رئيس البلدية لا يمت الى الحقيقة: اولا لأنه بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 هربت عناصر عدة من "جيش لبنان الجنوبي" الذي كان يقوده الجنرال أنطوان لحد والذي كان مؤلفا من عناصر شيعية ومسيحية  الى داخل إسرائيل فيما بقيت عناصر في لبنان دون تعرضها لثأر أنصار "حزب الله". وقد قبض على بعض العناصر وحوكمت وكانت الإحكام خفيفة فيما أفرج عن آخرين بعد ان قدم الكثير منها الى "حزب الله" معلومات عن اسرائيل وعملائها. ثانيا، تشكل القرية من حيث موقعها الجغرافي والاستراتيجي موقعا مهما للتهريب بدءا بالمخدرات. وتقول تقارير انه يتم يوميا امرار بين 25 و45 كيلوغراماً من المخدرات عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية وبخاصة من الغجر. وتشير معلومات إسرائيلية ان أطرافاً لبنانية هي المستفيدة الأولى من عمليات التهريب. لذلك يتم التشديد على المطالبة بتحرير مزارع شبعا وليس الغجر وهو ما تدعمه سوريا.

 

مخطط اسرائيلي

وفي محاولة لدعم الحكومة اللبنانية تطالب الأسرة الدولية إسرائيل بالانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة ومنها الغجر. والمشاورات التي يقوم بها المبعوث الأميركي الى الشرق الأوسط جورج ميتشل من اجل إنعاش عملية السلام أعادت موضوع الغجر الى طاولة المفاوضات فيما ترفض سوريا التي يطلب منها تثبيت لبنانية هذه الأراضي الخوض في الموضوع، بمعزل عن الانسحاب الكامل من الجولان. أضف ان أهالي القرية يرفضون ذلك خشية على أرواحهم.
ويقوم الطرف الإسرائيلي حاليا بإعادة درس عملية انسحابه من القرية التي باتت تشكل له مشكلة من حيث تحولها مفترقاً للتهريب. وطلب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من وزير خارجيته افيغدور ليبرمان تحضير مشروع للانسحاب من الغجر وفي الهمس من مزارع شبعا، على ان توضع هذه الأراضي اللبنانية المحررة تحت سلطة الأمم المتحدة و"اليونيفيل".
وقد يتم نقل سكان القرية الذين يرفضون الانتقال الى الشرعية اللبنانية الى المنطقة الجنوبية من القرية. ضمن التوصية التي وضعها قائد القوات الدولية الجنرال الايطالي كلاوديو غراتسيانو بانسحاب القوات الإسرائيلية  وراء الخط الأزرق على ان تحل مكانها قوة من "اليونيفيل" تؤمن الأمن. على ان تزود إسرائيل السكان في الشطر اللبناني الخدمات المدنية مع الاحتفاظ بالهوية الإسرائيلية التي في حوزتهم، وتؤمن لهم الإجراءات الأمنية والميدانية المناسبة، على الا يدخلها الجيش اللبناني، والا يفصل بين الشطرين معوقات وان يسمح لسكان الشطر اللبناني بالعمل والانتقال إلى إسرائيل. غير ان هاجس إسرائيل وتأخرها في تنفيذ الانسحاب يعود الى أنها لا تريد ان يسجل "حزب الله" عليها انتصارا جديدا بإعلانه تحرير هذه الأراضي. وقد أرجأ قرار الانسحاب الإسرائيلي الى ما بعد تشكيل الحكومة اللبنانية. وتقوم السلطات الإسرائيلية حاليا بالترويج له بنشر نقاط ايجابية للموقف الإسرائيلي في الخارج بعد ان رفضت إسرائيل خطة السلام التي عرضها الرئيس الأميركي باراك اوباما. فهل يوافق نتنياهو على قرار الانسحاب ردا على الانتقادات التي توجه إليه باعتباره معرقلا لإطلاق المفاوضات وعملية السلام، ويتجاوب مع الأمم المتحدة ويرد على اقتراح "اليونيفيل" بسحب جيشه الى الشطر السوري من القرية؟

باريس - من سمير تويني     

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا