عناقٌ في شارع الحمراء يهدّد مستقبل «لزعماء
التصنيف: المرأة
2012-03-27 12:20 م 968
وقفت فتاة لبنانية اسمها ناتاشا، بهدوء مضطرب، عند ناصية شارع الحمراء، رافعة لافتة كرتون، كُتب عليها بالانكليزية: «Free Hugs» (عناق مجّاني، أو حر). وإلى جانبها شربل، ابن الثلاثة والثلاثين عاماً، يحمل بخجل وابتسامة مضطربة، لافتة مشابهة، راصداً من خلف نظارته ردود أفعال روّاد الشارع الهادئ، قبل توقيفهم لاحتضانهم، أو احتضانه.
كان يوم سبت مشمسا دافئا. السأم مطبق على وجوه غالبية المارة، مستثنياً بعض الوجوه الضاحكة والمستكينة. يسير الناس في حركة شبه آلية، برؤوس مطرقة وأخرى مرفوعة. مناضد المقاهي وكراسيها خرجت إلى الشمس، بعد سجن قسري فرضته العاصفة.
شربل محاصر بلافتة غريبة. يحاول طرد خجله، فيخيب. الفكرة المستوحاة من أوروبا غريبة، ومريبة لبنانياً: «الكل يسألنا عن السبب ما إن نوقفهم، فنجيبهم بأن دافعنا هو الحب. نوضح لهم أننا جميعاً بحاجة إلى غمرة، وسط أيامنا الحزينة، والانقسام الطائفي»، يقول شربل، بعد مرور نصف ساعة، وافقت خلالها فتاة واحدة على معانقته. الفتاة أجنبية.
يلوّث آذان المارة مرور سيارات تصدح بأناشيد حزبية، استفزازية، تحرّض هذا على ذاك، متوسّلة زعيم الطائفة الانتقام، بصوتٍ عال. شارع الحمراء صحراء سياسية: لا صور لزعماء الطوائف والسياسة هنا. تختفي السيارات الحزبية، وتتلاشى أصوات الأناشيد الاستفزازية.
بعفوية تسبغ عليها سمة الطفولة، كانت ناتاشا تقفز فاغرة ثغرها، ملوحة باللافتة الكرتونية في عيون المارة. وبلا أي إنذار مسبق، فتحت سيدة أربعينية ذراعيها على اتساعهما، وشبكتهما حول ناتاشا بحنوّ، ثم استكملت سيرها مبتسمة. ناتاشا تحرّرت من خجلها.
مرّت ساعة، وشربل محاصر في خجله وبأسئلة المارة. عندما بادرهم من تلقاء نفسه، عارضاً عليهم غمرة سريعة، أعرضوا عنه بدافع الخجل، فازداد خجلاً. الأجهزة الخلوية، على عادتها عند ظهور حدث غريب، تصوّر للذكرى.
تحدث جلبة خفيفة في الشارع: سيمون وناجي وجوني، كارل وبسام، يهرولون في اتجاه ناتاشا وشربل، حاملين اللافتات ذاتها، باندفاع استرعى نظرات المارة وأجهزتهم الخلوية. يستيقظ شارع الحمراء من هدوئه. شربل لم يعد محاصراً.
في الحمراء، أشخاص يبيعون الصحف، والسبحات. بائعو الورود لا يفارقون الحمراء. المتسولون يفترشون الرصيف. بائعو الحظ ينشدون بيع ورقة «يانصيب». أطفال بثياب رثة يقفون عند زجاج السيارات، يطلبون «من مال الله». رجال أعمال بثياب أنيقة وربطات عنق، طلاب جامعات، سافرات، محجبات.
بين هؤلاء وغيرهم، في الشارع الذي يحمل تناقضاتهم بوداعة، كانت المجموعة تسير، وفق اتفاق مسبق جرى قبل أسبوع، يلوّح أفرادها بلافتات مرفوعة، فوق وجوه تبتسم من أعماق روحها.
ثمة من وافق على مضض، بلا أي سؤال أو استفسار، منغمساً في عناق عتقه من همومه لثوان، وضاعف ـ في المقابل ـ سعادة شخص غير مغموم. ثمة من قال إن «عناق الغريب حرام»، وثمة من غرق في حضنٍ، سرعان ما استيقظ منه بوجه يصطبغ احمراراً. ثمة من سأل، بخبث: «شو فيه بعد العبطة يا قمّورة؟».
تحدث جلبة قوية في الشارع: تشق شاحنة صغيرة الحجم طريقها بين السيارات، محتضنةً في صندوقها الخلفي المفتوح مجموعة شبان، يعزف كل منهم على قيثارته، مرنماً أغاني صاخبة. تزيّن بالونات ملونة، مثبتة عند حافتي الصندوق الخلفي، تصدّع الشاحنة التعبة.
حدثان في الوقت ذاته، بلا أي تنسيق مسبق بين المجموعتين: حفلة غنائية مجانية سريعة، لفرقة تُعرف باسم «نشاز»، وحملة عناق مجانية لشبان يريدون توقيف المارة لاحتضانهم، بدافع الحُب. تُرفع الأجهزة الخلوية، وتختفي علامات السأم عن الوجوه. «يبدو أنهم خطفوا منّا الأضواء»، يقول شربل ممازحاً.
المساحة الصغيرة في منتصف الشارع الكبير، تحوّلت الى ساحة رقص وغناء. ثمة من يخجل من الرقص أيضاً، فكان يهز رأسه برفق، على إيقاع الموسيقى وحركات الأجساد. تلوّح فتاة عشرينية بيدها، من خلف زجاج السيارة، لحاملي اللافتات، فيهرع أحدهم تجاهها، ويغمرها وسط نشاز أبواق السيارات الغاضبة.
تروق له الفكرة، فيبقى بين السيارات عارضاً على سائقيها خدمته المجّانية. المجموعة الغنائية تصدح بلا نشاز. الأطفال والأمهات والآباء والشبان يرقصون. يسير الفتى بين السائقين ويغمرهم. الساحة سعيدة. «يا أخي، Free يعني ببلاش، بعرف. بس شو يعني هيدي الكلمة اللي حدّها؟»، يسأل أحدهم وهو يرقص مزهواً.
لدقائق، بدت أحداث الساحة كأنها خاتمة سعيدة، لفيلم سينمائي حزين، تُختتم قصّته بالغناء والرقص، بالعناق والضحك. لكن دقائق الفرح تغادر الساحة الصغيرة، بعد هدية رمزية، اعتاد شارع الحمراء تقديمها لروّاده، من دون مقابل.
فكرة العناق بدافع الحُب، «مجاناً»، في بدايتها. وهي، على بساطتها في الشكل، ربما تولّد مع اتساع رقعتها الجغرافية ـ ولو بعد مرور سنوات ضوئية ـ «تهـديداً» لزعماء الطوائف: عندما يكتشف اللبنانيون أنهم قادرون على حبّ بعضهم البعض، بلا أي توجّس من طائفة الآخر، يذوب «الزعيم» في كرسيه.
وإلى حلول ذاك اليوم، يبقى حضن «الزعيم» ـ للبنانيين كثر ـ هو الملاذ، بلا أي خجل.
جعفر العطار
كان يوم سبت مشمسا دافئا. السأم مطبق على وجوه غالبية المارة، مستثنياً بعض الوجوه الضاحكة والمستكينة. يسير الناس في حركة شبه آلية، برؤوس مطرقة وأخرى مرفوعة. مناضد المقاهي وكراسيها خرجت إلى الشمس، بعد سجن قسري فرضته العاصفة.
شربل محاصر بلافتة غريبة. يحاول طرد خجله، فيخيب. الفكرة المستوحاة من أوروبا غريبة، ومريبة لبنانياً: «الكل يسألنا عن السبب ما إن نوقفهم، فنجيبهم بأن دافعنا هو الحب. نوضح لهم أننا جميعاً بحاجة إلى غمرة، وسط أيامنا الحزينة، والانقسام الطائفي»، يقول شربل، بعد مرور نصف ساعة، وافقت خلالها فتاة واحدة على معانقته. الفتاة أجنبية.
يلوّث آذان المارة مرور سيارات تصدح بأناشيد حزبية، استفزازية، تحرّض هذا على ذاك، متوسّلة زعيم الطائفة الانتقام، بصوتٍ عال. شارع الحمراء صحراء سياسية: لا صور لزعماء الطوائف والسياسة هنا. تختفي السيارات الحزبية، وتتلاشى أصوات الأناشيد الاستفزازية.
بعفوية تسبغ عليها سمة الطفولة، كانت ناتاشا تقفز فاغرة ثغرها، ملوحة باللافتة الكرتونية في عيون المارة. وبلا أي إنذار مسبق، فتحت سيدة أربعينية ذراعيها على اتساعهما، وشبكتهما حول ناتاشا بحنوّ، ثم استكملت سيرها مبتسمة. ناتاشا تحرّرت من خجلها.
مرّت ساعة، وشربل محاصر في خجله وبأسئلة المارة. عندما بادرهم من تلقاء نفسه، عارضاً عليهم غمرة سريعة، أعرضوا عنه بدافع الخجل، فازداد خجلاً. الأجهزة الخلوية، على عادتها عند ظهور حدث غريب، تصوّر للذكرى.
تحدث جلبة خفيفة في الشارع: سيمون وناجي وجوني، كارل وبسام، يهرولون في اتجاه ناتاشا وشربل، حاملين اللافتات ذاتها، باندفاع استرعى نظرات المارة وأجهزتهم الخلوية. يستيقظ شارع الحمراء من هدوئه. شربل لم يعد محاصراً.
في الحمراء، أشخاص يبيعون الصحف، والسبحات. بائعو الورود لا يفارقون الحمراء. المتسولون يفترشون الرصيف. بائعو الحظ ينشدون بيع ورقة «يانصيب». أطفال بثياب رثة يقفون عند زجاج السيارات، يطلبون «من مال الله». رجال أعمال بثياب أنيقة وربطات عنق، طلاب جامعات، سافرات، محجبات.
بين هؤلاء وغيرهم، في الشارع الذي يحمل تناقضاتهم بوداعة، كانت المجموعة تسير، وفق اتفاق مسبق جرى قبل أسبوع، يلوّح أفرادها بلافتات مرفوعة، فوق وجوه تبتسم من أعماق روحها.
ثمة من وافق على مضض، بلا أي سؤال أو استفسار، منغمساً في عناق عتقه من همومه لثوان، وضاعف ـ في المقابل ـ سعادة شخص غير مغموم. ثمة من قال إن «عناق الغريب حرام»، وثمة من غرق في حضنٍ، سرعان ما استيقظ منه بوجه يصطبغ احمراراً. ثمة من سأل، بخبث: «شو فيه بعد العبطة يا قمّورة؟».
تحدث جلبة قوية في الشارع: تشق شاحنة صغيرة الحجم طريقها بين السيارات، محتضنةً في صندوقها الخلفي المفتوح مجموعة شبان، يعزف كل منهم على قيثارته، مرنماً أغاني صاخبة. تزيّن بالونات ملونة، مثبتة عند حافتي الصندوق الخلفي، تصدّع الشاحنة التعبة.
حدثان في الوقت ذاته، بلا أي تنسيق مسبق بين المجموعتين: حفلة غنائية مجانية سريعة، لفرقة تُعرف باسم «نشاز»، وحملة عناق مجانية لشبان يريدون توقيف المارة لاحتضانهم، بدافع الحُب. تُرفع الأجهزة الخلوية، وتختفي علامات السأم عن الوجوه. «يبدو أنهم خطفوا منّا الأضواء»، يقول شربل ممازحاً.
المساحة الصغيرة في منتصف الشارع الكبير، تحوّلت الى ساحة رقص وغناء. ثمة من يخجل من الرقص أيضاً، فكان يهز رأسه برفق، على إيقاع الموسيقى وحركات الأجساد. تلوّح فتاة عشرينية بيدها، من خلف زجاج السيارة، لحاملي اللافتات، فيهرع أحدهم تجاهها، ويغمرها وسط نشاز أبواق السيارات الغاضبة.
تروق له الفكرة، فيبقى بين السيارات عارضاً على سائقيها خدمته المجّانية. المجموعة الغنائية تصدح بلا نشاز. الأطفال والأمهات والآباء والشبان يرقصون. يسير الفتى بين السائقين ويغمرهم. الساحة سعيدة. «يا أخي، Free يعني ببلاش، بعرف. بس شو يعني هيدي الكلمة اللي حدّها؟»، يسأل أحدهم وهو يرقص مزهواً.
لدقائق، بدت أحداث الساحة كأنها خاتمة سعيدة، لفيلم سينمائي حزين، تُختتم قصّته بالغناء والرقص، بالعناق والضحك. لكن دقائق الفرح تغادر الساحة الصغيرة، بعد هدية رمزية، اعتاد شارع الحمراء تقديمها لروّاده، من دون مقابل.
فكرة العناق بدافع الحُب، «مجاناً»، في بدايتها. وهي، على بساطتها في الشكل، ربما تولّد مع اتساع رقعتها الجغرافية ـ ولو بعد مرور سنوات ضوئية ـ «تهـديداً» لزعماء الطوائف: عندما يكتشف اللبنانيون أنهم قادرون على حبّ بعضهم البعض، بلا أي توجّس من طائفة الآخر، يذوب «الزعيم» في كرسيه.
وإلى حلول ذاك اليوم، يبقى حضن «الزعيم» ـ للبنانيين كثر ـ هو الملاذ، بلا أي خجل.
جعفر العطار
أخبار ذات صلة
لقاء حواري للهيئة النسائية الشعبية في التنظيم الشعبي الناصري حول " دور المرأة في زمن الحرب"
2024-08-18 09:01 م 248
شابة عمرها 35 عاماً تكسب نصف مليون دولار وهي في منزلها
2024-06-22 05:09 ص 354
الهيئة النسائية الشعبية في التنظيم الشعبي الناصري تعايد بشهر رمضان المبارك
2024-03-13 12:32 م 263
الهيئة الوطنية للمرأة في مدينة صيدا وبمناسبة يوم المرأة العالمي
2024-03-09 05:55 م 254
إعلانات
إعلانات متنوعة
صيدا نت على الفايسبوك
صيدا نت على التويتر
الوكالة الوطنية للاعلام
انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:
زيارة الموقع الإلكترونيتابعنا
زواج بلا جنس.. قرار قضائي فرنسي يغضب المحكمة الأوروبية
2025-01-24 09:54 ص
برسم المعنيين ..بعض الدراجات النارية تبتز السائقين بتصنع الاصطدام
2025-01-19 04:03 م
ما سر انقسام نواب صيدا في انتخابات رئاسة الجمهورية والحكومة!!
2025-01-15 06:07 ص
بالصور.. كيف تبدو حرائق لوس أنجلوس من الفضاء؟
2025-01-12 10:22 م
إن انتخب د. سمير جعجع رئيساً للجمهورية ما هي علاقة صيدا ونوابها معه!
2025-01-02 10:12 م
أبرز بنود الاتفاق: بين لبنان و إسرائيل
2024-12-28 02:33 م
اطباء نصيحه عواقب صحية مقلقة للامتناع عن ممارسة الجنس
2024-12-19 09:37 م
الرواية الكاملة لهروب الأسد.. وسر اتصال مفاجئ بالمقداد
2024-12-19 09:21 م
تحركات شبابية في صيدا للمشاركة في الانتخابات البلدية المقبلة