البازركان: سوق يُحافظ على ماضيه ويواكب تطوّر العصر
التصنيف: إقتصاد
2009-12-09 08:55 ص 5272
ثريا حسن زعيتر
تتألّق صيدا القديمة اليوم بأحيائها الداخلية وحاراتها العتيقة وبيوتها وقناطرها وعقودها وأسواقها الشعبية، لتشكّل جزءاً من تعاقب حضارات تركها الكنعانيين والفينيقيين واليونانيين والرومانيين والبيزنطيين والعرب والعثمانيين، والفرنسيين، ولتُحافظ اليوم على جذورها وتاريخها، إذ لم تمحُ لا السنوات، ولا التطوّر العمراني من معالمها وتراثها، بل تكاملت معه لتشكّل وحدة متكاملة إنماءً بالحجر واهتماماً بالبشر معاً··
فصيدا أو <صيدون> نسبة لمؤسسها <صيدون>، أول أولاد كنعان بن نوح عليه السلام، هي أول مدينة أسّسها الفينيقيون عام 2800 قبل الميلاد، وتُعتبر واحدة من أقدم المدن في العالم، وما زالت تشتهر بأسواقها العتيقة ومنها سوق <البازركان>··
فصيدا أو <صيدون> نسبة لمؤسسها <صيدون>، أول أولاد كنعان بن نوح عليه السلام، هي أول مدينة أسّسها الفينيقيون عام 2800 قبل الميلاد، وتُعتبر واحدة من أقدم المدن في العالم، وما زالت تشتهر بأسواقها العتيقة ومنها سوق <البازركان>··
<لـواء صيدا والجنوب> يُسلط الضوء على تاريخ هذا السوق العريق بين الأمس واليوم، حيث اختلفت الوجوه وبعض المهن فيه··
سوق البازركان يقع سوق <البازركان> داخل المدينة القديمة، ويُعتبر السوق الرئيسي والقديم، إذ يعود تاريخ إنشائه إلى 500 عام، ويمتد من البوابة التحتا - قبالة القلعة البحرية غرباً إلى البوابة الفوقا قبالة القلعة البرية جنوباً، ويتألف من قسمين: - الأول وهو الأصغر، ويمتاز بسعته ونظافته وبأنه مسقوف·
- والثاني، وهو الأطول، وإن كان أضيق من القسم الأول وغير مسقوف، لذلك يضع تجاره ساتراً من البلاستيك أو قماش الخيام ليقيم تساقط المطر أو حرارة الشمس، كما إنّه يمتاز بأنه ما زال يُحافظ على أزقّته وعقوده ودكاكينه وحِرفه الموروثة والمتوارثة منذ القرون الوسطى، تتغلغل أشعة الشمس بين ثنايا أسقفها ومنحنيات قناطرها لتبرز جمالية حجارتها الرملية العتيقة·
ويضم السوق على جانبيه عدداً من المعالم الأثرية التاريخية والدينية وأبرزها: كنيسة مار نقولا التابعة لطائفة الروم الأرثوذكس، المبنى القديم لـ <مدرسة عائشة أم المؤمنين> الذي يعود بناؤه إلى 126 عاماً، متحفي <دبانة> و<عودة> و<الحمام الجديد>، على أنّ المميّز في هذا السوق شارع <أباظة> نسبة إلى الفنان رشدي أباظة، ويوازي شوارع أخرى عرضاً تؤدي إلى شارع الشاكرية حدود المدينة القديمة سابقاً·
وسوق <البازركان> واحد من مجموعة الأسواق الشهيرة داخل المدينة القديمة كأسواق: <النجارين، الصاغة، الحياكين، العطارين، الكندرجية> وغيرها، ويتألف من كلمتين الأولى <بازار> وتعني السوق بالفارسية، والثانية <كان> بمعنى تاجر - أي <سوق التجار> وقد دخلت التركية إليه لتعني الكلمة أيضاً <سوق الأكابر والأعيان> لامتيازه عن الأسواق الأخرى في البلدة القديمة بجماله ونظافته ولأن المحلات على جانبيه كانت متجانسة، تبيع الأقمشة خصوصاً النسائية منها، وكذلك الأزرار والعقود وأربطة الشعر النسائي، والمطاط والإبر والدبابيس وسائر أدوات الخياطة، لذلك كان معظم زبائنه من السيدات·
ويؤكد الباحثون والمؤرخون الصيداويون أن هذا السوق كان من أهم أسواق المدينة، إذ يضم سوق الصناعة، وسوق الجوهر أو الجوهري الذي كان شهيراً بسوق <الجديد>، وسوق الذراع وهو سوق يبيع القماش بالذراع، ونظراً لأهميته كان يُطلق عليه في المدينة الاسلامية إسم <شارع الأعظم>، وقد ارتبط ارتباطاً أساسياً في تنظيم الارتفاع بالشوارع وفق قواعد معينة، ارتبطت بنوعيات الشوارع والطرقات ومقاييسها وأساليب الارتفاق بها من الشريعة الإسلامية التي تهدف إلى تحقيق المنفعة ومنع الضرر بشتى صوره·
التغيير وزائر السوق اليوم يكتشف بوضوح التغيير الذي طرأ عليه خاصة إذا سبق له أنْ تجوّل فيه قبل عقد أو أكثر، كأنّ يد فنان كشطت عن المكان قشرة الإهمال لتُعيد إليه حلّته التاريخية، وترمم ما تداعى من حجارته، لتجمع بين الفن العمراني وتراث الماضي، فتنتشر الدكاكين على الجانبين بأبوابها الخشبية القديمة، التي تم تجديدها وزُيّنت ببعض النقوش، وذلك في إطار مشروع الإرث الثقافي والتنمية المدنية، وتأهيل بنيتها التحتية والأماكن العامة فيها، وحماية المواقع الأثرية بالتعاون مع بعض المؤسسات الأهلية، فنجح في استقطاب المزيد من الزوار من مختلف المناطق اللبنانية وحتى السواح العرب والأجانب، إلا أنّ حركته التجارية بقيت محدودة، تُصاب بالركود حيناً بسبب الضائقة الاقتصادية والمعيشية التي يُعاني منها اللبنانيون، فيما السيّاح الأجانب يتفرّجون أكثر مما يشترون، ثم تعود وتنهض من جديد لتؤكد حضورها وبقاءها معاندة الاندثار والأفول·
مميّزات السوق أول ما يُلفت الانتباه في الجولة الميدانية، أن المهن التي كان يشتهر بها السوق قد تراجعت، ولهذا أسباب كثيرة، فقد اعتاد الصيداويون توريث مهنهم لأولادهم، وبما أنّ لكل مهنة أسرار، فإن هذه الأسرار تبقى داخل الأسرة ولا تخرج من نطاقها، فتفتح باب المنافسة، فعلى سبيل المثال، إنّ صناعة حلويات السنيورة كانت داخل أسرة آل السنيورة، ولكن بعد أن انصرف آل السنيورة إلى طلب العلم، دخل إلى المهنة عمّال من المدينة وتعلّموا المهنة واشتهروا بها·
وكان زوار صيدا في الماضي يقصدونها لشهرتها بأنواع معينة من صناعة الحلويات مثل <راحة الحلقوم> من عند النقوزي، وهذه المهن قد فقدت احترافها، ويعود ذلك إلى أنّ الأبناء لم يعودوا يزالون مهنة أبائهم، أو أنّ عمّالاً يقومون بتلك المهن، والأبناء يتابعون ذلك النشاط، وهذا الحال ينطبق على سوق <البازركان> الذي فقد الكثير من احتراف المهن، حيث تداخلت اليوم بين الذهب والفضة والثياب والاكسسوارات والتحف والهدايا والحلويات وسواها·
المختار الجيز إيلي الجيز (مختار <حي مار نقولا> الذي يقع <سوق البازركان> في نطاقه الجغرافي) يقول: إنّ كل شيء تغيّر اليوم عن الأمس، فالإحصائية التي جرت أيام الفرنسيين كانت تشير إلى أن الغالبية من سكان الحي ومالكي محال <السوق> من المسيحيين، أما اليوم فإن 90 % من هؤلاء غير موجودين في المدينة، باتوا خارجها، و60 % منهم لا نعرف أماكن تواجدهم، بينما 30 % الآخرين يتوزّعون بين بيروت وبلاد المهجر والاغتراب·
وأوضح المختار الجيز <أن السوق في الماضي كان يضم مسيحيين ومسلمين وأرمن ويهود، اليوم لم يبقَ منهم سوى بعض المسيحيين واخواننا المسلمين، وقد توارثوا المحال والكثير من المهن عن آبائهم مع إدخال بعض التعديلات عليها لتناسب سوق اليوم والأوضاع الإقتصادية>، مشيراً إلى <أن مسؤولية معالجة مشاكل أصحاب هذه المحلات ومتابعة قضاياهم تتداخل مع مختاري حيَيْ <الشارع والسبيل>، ونحن دائماً نسعى إلى ما فيه خيرهم وازدهارهم وتقدّمهم وفق الإمكانيات المتاحة>·
إدريس ويؤكد نور الدين إدريس (الذي يملك محلاً لبيع الذهب منذ 40 عاماً) <أنّ سوق <البازركان> تغيّر، اختفت الوجوه التي اشتعل رأسها شيباً، بعضها رحل والبعض الآخر كبر وتقاعد، فحلّت مكانها وجوه شابة ومهن جديدة>··
ويُضيف <إن السوق كان يضم كل شيء يطلبه الإنسان، وتحديداً العروس، ويتوافد عليه أبناء منطقة صيدا والجوار واقليم الخروب>· وتابع إدريس: الشارع بات اليوم أجمل عمرانياً بعد الترميم، ولكنه تراجع اقتصادياً، فبعض السيّاح يعبرون منه للوصول إلى متحف <عودة للصابون>، لكنهم في الغالب يتفرّجون ولا يشترون·
سبليني ويقول الشاب رامي سبليني (الذي يملك محلاً لبيع التحف والهدايا - وهي مهنة مستجدّة في السوق): إنّ حبي لبلدي لبنان دفعني إلى افتتاح هذا المحل، بحيث يجد السائح كل ما يطلبه عن لبنان ومعالمه وتراثه·
وأضاف: إنّ المحل موجود منذ 20 عاماً، لم نكن نبيع التحف، بل الإكسسوارات والهدايا، وبعد استقرار الوضع الأمني، فتحنا أشغال <أرتيزانا> والتحف الهدايا كي تتماشى مع متطلبات زوار السوق وخاصة السيّاح سواء العرب منهم أو الأجانب·
وتابع سبليني: لم يكن السوق كما هو الحال الآن، كل شيء تغيّر، مشيراً إلى <أن المطلوب المزيد من النظافة وخاصة عند مدخل القلعة كي يبقى السيّاح يتوافدون إلينا>·
بدر ويؤكد سهيل بدر (الذي يملك محلاً لشراء الذهب بالجملة) <إن السوق عاش عصراً ذهبياً منذ قرون، إذ لم يكن الإنسان يستطيع المرور به، الناس مثل <النمل>، اليوم تراجع عددهم بسبب انعدام القدرة على الشراء، وعلى كل الأحوال السوق ما زال يُحافظ على تراثه وقِدمه وخاصة بعد عملية الترميم التي جرت فيه، وقد تم ترميم محلي من وقف الروم الأرثوذكس بطريقة تجمع بين الفن العمراني الحديث والحفاظ على التراث القديم>·
أدهم ويقول الشاب محمود أدهم: إنّ السوق يُعتبر الأشهر في المدينة، لأنه الأطول، ويمتد من البوابة التحتا - قبالة الكورنيش البحري إلى البوابة الفوقا - قرب القلعة البرية·· موضحاً أنّه <كان يضم خليطاً من الطوائف، أما اليوم فقد تراجعت مع رحيل اليهود ومغادرة الأرمن إلى بيروت>·
Th@janobiyat.com
أخبار ذات صلة
مدينة صيدا وسطروا محضري ضبط بحق الافران
2024-11-12 01:06 م 81
التعويض على العمال واجب وطني من قبل الدولة وأرباب العمل
2024-11-06 12:14 م 55
ناشدت بلدية صيدا في بيان، "أصحاب المولدات الخاصة في صيدا و جوارها، بسبب الأوضاع الراهنة
2024-11-02 05:37 ص 81
67 مليون دولار… إليكم خسائر “أوجيرو” و”ألفا” و”تاتش” جراء الإستهدافات الإسرائيلية
2024-10-22 10:40 ص 62
إعلانات
إعلانات متنوعة
صيدا نت على الفايسبوك
صيدا نت على التويتر
الوكالة الوطنية للاعلام
انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:
زيارة الموقع الإلكترونيتابعنا
أطباء يحذرون: لا تجلس على المرحاض لأكثر من 10 دقائق لهذا السبب
2024-11-14 09:31 م
بدر زيدان: لخدمة صيدا وأبنائها وهو يسير على درب والده السيد محمد زيدان
2024-11-14 03:35 م
خليل المتبولي - المحبة بين الناس: جوهر العلاقات الإنسانية في زمن الحرب
2024-11-06 12:23 م
حكم وعبر في الحياة
2024-11-04 10:37 م
بالصور غارة على بلدة الغازية
2024-11-03 01:32 م
من هم أبرز المرشحين لخلافة السنوار
2024-10-19 06:19 ص
كارثة صحية تهدد مستشفيات صيدا بعد استنفاذ مخزونها من المستلزمات الطبية
2024-10-18 09:40 ص
حمام الشيخ في صيدا القديمة يفتح أبوابه لتمكين النازحين من الاستحمام
2024-10-17 03:02 م
مبروك المصالحة مبروك لصيدا وللنائب الدكتور أسامة سعد والمحافظ منصور ضو
2024-10-10 10:39 ص
بالصور تعليق عدد من اللصوص على الأعمدة في وسط الشوارع بالضاحية الجنوبية