×

الرئيس فؤاد السنيورة في جلسة مناقشة البيان الوزاري

التصنيف: سياسة

2009-12-10  11:31 م  1393

 

القى الكلمة الاخيرة في جلسة مناقشة البيان الوزاري الرئيس فؤاد السنيورة قال فيها:دولة الرئيس، الزملاء النواب،
دولة الرئيس، وأعضاء الحكومة الكرام،
اتشرفُ اليوم أن أقفَ بينكم من على هذا المنبر لأكثرِ من سببٍ وحُجّة، أولُها أني أقِفُ بصفتي نائباً عن الأمة، وعن مدينتي صيدا، التي شَرّفتْني بهذا الموقع وبهذه الوكالة، بعد أن كان وقوفي معكم في السابق من موقعٍ مختلف، بداية كوزير للمالية وبعدها رئيساً للحكومة. وهذا الاختلافُ والتبدلُ في المواقع التي يُتيحُها نظامُنا السياسي ومبدأ تداول السلطة، وَلَّدَ لديَّ، ويولِّدُ، إحْساساً بالرضى وبالرحابة اللتين تتيحُهُما الحريةُ السياسيةُ وروحُ وآلياتُ الديمقراطية البرلمانية في لبنان.

والسببُ الثاني هو الأمر الذي يدعونا إلى التأمُّل والاعتبار أنّ هذه الجلسةَ التي انطلقت يوم الثلاثاء هي عملياً الجلسةُ النيابيةُ الأولى للمجلس النيابي الجديد الذي وصل نتيجةَ انتخاباتٍ ديمقراطيةٍ وشفّافةٍ هي الأولى من نوعها في لبنان حيث جرت في يومٍ واحدٍ ووفقاً لقانونٍ جديدٍ تضمَّنَ بعضَ إصلاحات لم تكتمل حلقاتُها وبقيت دون مستوى الآمال التي كنا نفكرُ فيها ونطمحُ إليها كلبنانيين وكحكومة ومجلس نيابي سابقين.

أما الداعي الثالث للارتياح الذي يُخالجني شخصياً، فهو أننا نُناقش بياناً وزارياً لحكومةٍ يتولَّى رئاسَتها، دولة الرئيس سعد الحريري، نجل أخي وصديقي، شهيد لبنان والاستقلال والحرية والعروبة، رفيق الحريري.

دولةَ الرئيس،
الزملاء النواب،
أعضاء الحكومة الكرام،

كانت أيامُنا النيابيةُ هذا الأسبوع منذ انطلاق جلسة مناقشة البيان الوزاري لحكومة الإنماء والتطوير حافلةً بكلّ أصناف الآراء والمواقف بل والتناقضات والتعارضات. فهذا الطرفُ انتقد وهذا أيد وذاك عاد وانتقد المنتقدين وردَّ على المُخالفين. وقد يقولُ قائلٌ أو مُراقبٌ مالكم يا قومُ تتناقشون وتتلهَّونَ بالكبيرة والصغيرة فيما أمامكم تحديات جسام وعملٌ وجَهدٌ ومشقةٌ يجبُ أن تنصرفوا إليها. لكني أودُّ أيها السادة والسيدات أن أقطعَ الطريقَ على كل منتقدٍ أو مُعترضٍ لأقولَ إننا في ممارستنا هذه إنما نمارسُ ونعملُ وفقاً لما اخترْناه وارتضيناه من نظامٍ للعيش والحُكْم والتخاطب. أي أننا مارسنا ما نصَّ عليه دستورُنا ونظامُنا الديمقراطي البرلماني القائم على انتخاب الشعب لممثليه وعلى مبدأ تداول السلطة الذي يشكل إحدى مميزات لبنان ومرتكزاً أساسياً من مرتكزات نظامه السياسي.

إنها ديمقراطيتنا، إنها حياتنا البرلمانية. من دون أن ننسى أننا بالأمس القريب كنا نتقاصف وجهات النظر الخلافية في الشارع، فيما نحن اليومَ وكما ينبغي لنا أن نفعل نتبادلُ وجهات النظر المتباينة تحت قُبّة البرلمان وبشكل حضاري ومسؤول. والأهمُّ من ذلك كلِّه أننا نشهدُ اليوم فيما أرجو أن يكون نتيجة إدراك متزايد لدى اللبنانيين أن لا بديل عن الحوار والتواصل وسيلة لمعالجة اختلافاتنا وبالتالي أن يكون ما توصلنا إليه بدايةَ مرحلةٍ من الاستقرار والهدوء والتي تسهم في تحقيقها واستدامتها خُطُواتٍ شَجَّعْنا عليها، ولطالما سعينا من أجلها، أي المُصالحة العربية التي انطلقت من قمة الكويت والتي إن توسعت يمكن أن تحقق الكثير على أكثر من صعيد محلي وقومي عربي.

دولةَ الرئيس،
السادةَ النواب،

إنّ الذي أودُّ الإشارةَ إليه بعد هذا التقديم أنّ فترةَ تشكيل هذه الحكومة هي فترةٌ قياسيةٌ في طولها وفي المصاعب التي برزت خلالها. وقد طُبعت بطابعٍ استثنائيٍّ في وقائعها وسياقاتها وفي نتائجها، ولكننا لا نريدُ ولا يجوزُ تحويلُها إلى عُرْفٍ أو قاعدة، او أن يبني عليها البعضُ سوابقَ تُخْرِجُنا عن أعرافِ ومبادئ نظامنا الدستوري، لاسيما وأننا مُقْبِلون معاً وبحسن نية وقلوبٍ مفتوحة على العودة إلى حياتنا الطبيعية وإلى بناء جسور الثقة بين اللبنانيين بما يؤدي إلى تعزيز وفاقنا الوطني وعيشنا المشترك. فالخروج عن قواعد نظامنا السياسي إن اقتضته بعض الظروف يبقى استثناءً ولا يجوز أن تحوله الظروف الاستثنائية العارضة إلى عُرْفٍ دستوري.

لكنْ: ماذا تعني المدة الطويلةُ هذه؟ تعني أنّ هناك قضايا نحن مختلفون عليها فيما بيننا، ونسْعى لبناء تفاهُم تدريجيٍ بشأْنها من خلال الاستمرار في الحوار الهادئ. وعلى ذلك فلا داعيَ ولا مُوجبَ ولا مصلحةَ في أن يتحولَ الاختلافُ في رؤانا ووجهات نظرنا أو أساليبنا إلى خلافٍ ينعكسُ على سلمنا الأهلي وعلى وحدتنا الداخلية وعلى مستوى ونوعية عيشنا وفي محصلة الأمر، على مستقبل وطننا وأجيالنا. ولذا فلا داعيَ للجدالات وإثارة المزيد من الحزازات والحساسيات، ما دُمْنا نعرفُ أنّ التصعيد الكلامي لن يحلَّ المُشْكلات، وأنّ هناك قنواتٍ أُخرى نمضي جميعاً على مساراتها للتوصل إلى النتائج المرجوة.

ولأضرِبْ مَثَلاً بارزاً على ذلك: نحن متفقونَ على أنّ إسرائيل هي العدوّ، وإنما نختلف في طرائق الدفاع عن الوطن في مواجهة عُدْوانها. ولذا لا داعيَ لمنطق التسخيف او منطق الاستقواء ومنطق الاستفزاز ومنطق التخوين. وذلك لعدة أسباب منها أنّ هذا المنطقَ أو اللامنطقَ ينقُلُ المشكلة من مواجهةٍ مع إسرائيل، إلى مشكلةٍ داخليةٍ فيما بيننا، وهذا حقيقة ما تريده إسرائيل. ومنذ سنواتٍ يجري استغلالُ مسألة "التوطين" باتجاهاتٍ مختلفة وفي الداخل. والمشكلة ليست داخليةً أبداً بل بيننا وبين الكيان الصهيوني الذي طرد وشرّد الفلسطينيين من أرضهم، وبدلاً من أن تتوحد الجهود لمجابهة إسرائيل ترانا نتصادم بعضنا ببعض. وصدق الشاعر الذي يقول:

النارُ تأكُلُ بعضَها إن لم تجد ما تأكُلُهْ

وسبب آخر أننا وفي ضوء التحولات والمتغيرات الجارية من حولنا في المنطقة والعالم العربي والعالم فنحن بحاجةٍ شديدةٍ إلى الاستقرار وإلى النمو والى الاصلاح وإلى تعزيز عمل الدولة ومؤسَّساتها، وإلى حوارٍ بناءٍ يفتح أمامنا الطريق إلى المستقبل. ويمكننا من التلاؤم مع عصر العالم وعالم العصر ومتطلباتهما.

يجبُ أن تكونَ لدينا الصراحةُ الكاملةُ، وقوةُ الوضوح للقول، إننا مختلفون في وجهات النظر على الاستراتيجية الدفاعية وعلى مستقبل ودور سلاح المقاومة وهو ما ألمح إليه أيضاً البيان الوزاري. وبالتالي فإن هذا الاختلاف يجب أن لا يكون سبباً في إحداث الفرقة والتباعد أو التصادم بين اللبنانيين مع الإقرار بأن الاختلاف حقٌّ يجب علينا احترامه أولاً، والعمل على معالجته عبر الحوار وبعيداً عن الفرض والإملاء لكي يتمَّ النِقاشُ فيه في أجواءَ هادئةٍ ورصينة توصلاً إلى ما يحقق الاستقرار والأمان والطمئنينة والازدهار.

لقد بِتْنا في المدة الأخيرة نُواجهُ منطِقاً غريباً عجيباً. فمن جهةٍ يأتي مَنْ يقول إننا ملتزمون اتّفاقَ الطائف، لكننا في ذات الوقت نَجِدُ أنفُسَنا أمام تفسيرٍ مُغايرٍ لنصِّ هذا الاتّفاقِ ورُوحِه، يُحاولُ نَسْفَ هذا الاتفاق، تحت عناوينَ تُخْرِجُ نظامَنا الدستوري واجتماعَنا السياسيَّ عن طبيعتِه وجوهرِه، وعمّا يُميِّزُهُ عن كثيرٍ من الأنظمة السياسية المعروفة بالأنظمة التوافقية.

إنّ القولَ بالديمقراطية التوافقية، بديلاً من الديمقراطية البرلمانية، من الآن وحتى إلْغاء الطائفية السياسية، ليس إلاّ مُحاولةً للإطاحة بالدستور وتعليق أحكامه. فصحيحٌ أنّ الدستورَ حَسَبَ المادة 65 يتضمَّنُ آليةً لتنظيم اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء، ولكن ذلك لا يعني على الإطْلاق إعطاءَ حقّ الفيتو للجماعات الطائفية أو للكُتَل السياسية الممثَّلة فيه، بما يعطِّلُ عمل المؤسسة الدستورية أو يلغي مفاعيلَه ولأنّ تكريسَ هذه القاعدة تحت اسم الديمقراطية التوافقية، من شأنه تغييرُ طبيعةِ وجوهرِ نظامِنا الديمقراطي البرلماني.

تحدثْنا عن مرحلة الاستقرار الحالية ونحن بحاجةٍ إذن لهذا الاستقرار السائد الآن ومن ينتظر أن تتوقفَ خلافاتُنا وتبايُناتُنا بين ليلةٍ وضُحاها فهو مخطئٌ بالفعل. إنّ اختلافاتِنا وتبايناتِنا لن تزولَ وتختفيَ بل قد تتصاعدُ أو تتراجعُ، تَبَعاً للاختلافات في الرؤى، ولطبيعة النقاش في النظام الديمقراطي البرلماني. لكنّ السؤالَ الذي ينبغي أن يشغلنا يتّصلُ بالأساليب التي سنعتمدُها والطُرُق التي سنتبعها للتعاطي مع التباينات والخلافات. هل ستكون عبر مؤسساتنا الدستورية الديمقراطية أم أنها ستكون خارج هذه المؤسسات كما حصل في الكثير من الأحيان؟

ثمّ إننا إذا كنا نطالبُ أنفُسَنا بالبُعد عن التشنُّج واعتماد الحوار والنقاش في كنف المؤسسات، فإننا نطالبُ من جهةٍ أُخرى أنفُسَنا والزملاءَ بالتِماس الظروف الملائمة لطرح القضايا الدقيقة كموضوع إلغاء الطائفية السياسية. إذ إنّ الطرحَ قبل توفيرَ الظروف والمناخات الملائمة والمطمْئِنة، لكي تأتيَ الأمور في سياقاتها الطبيعية، وباستعجال الشيء قبل أوانه، من شأنه أن يؤدي إلى إحباط المسعى، وزيادة التشنج وإيقاظ المزيد من الهواجس.





دولة الرئيس،
الزملاء النواب،

ولا أريدُ أن أتركَ نقاش الأوضاع الداخلية دون أن أتكلَّم في الشأنين الاقتصادي والاجتماعي الذي تطرق إليهما العديد من الزملاء النواب حول المطالب المحقّة والعاجلة لمناطقهم. أودّ هنا الإشارة إلى ما كانت قد أقرته الحكومةُ السابقةُ بالإجماع حول الرؤية التنموية للمناطق اللبنانية. ولا بد أن أُشيرَ هنا أيضاً إلى أنَّ ما ورد في البيان الوزاري للحكومة هو سعيٌّ محمودٌ لإحداث نهوضٍ ونموٍ اقتصاديٍ والاهتمام بالشأن المعيشي والتنموي للناس في شتّى المناطق اللبنانية، ومكافحة الفقر والهدر، وتفعيل المؤسسات خدمة للمواطنين. لقد سمعنا خلال المناقشات الكثيرَ عن حجم المطالب التي تقدم بها السادة النواب والتي ينبغي تحقيقُها والتي نعرف جميعاً أنها تفوق قدرة الدولة على تلبيتها أو تحمل أعبائها. لا بد إذن من تعاوُنٍ وثيقٍ وجاد وبنّاء بين القطاعين العام والخاص، واشتراع سياسات شجاعة ومتبصرة ورصينة واعتماد إجراءات مُحَفِّزة للاستثمارات الداخلية والخارجية، من أجل بلوغ هذا الهدف التنموي والإنساني الكبير. ولكنَّ هذا لا يمكنُ أن يتحقق إذا لم نعملْ على تعزيز الاستقرار بأوجُهِه كافّةً السياسية والأمنية والمالية والنقدية والعمل على تعزيز سلطة القانون وتغليب منطق الدولة والتأكيد على مرجعيتها.

دولة الرئيس،
الزملاء النواب،

إن الأوضاعَ الحاليةَ التي يمرُّ بها العالمُ وعلى وجه التحديد منطقتنا تدعونا إلى التأمل بعمقٍ ورويةٍ في ما هو حولَنا ويُحيطُنا ويعنينا. فعلى المستوى العالمي، فإنّ العالَمَ غارقٌ في أزمة نتيجةَ التدهْوُر المالي والاقتصادي ما تزالُ معالمُ الخروج منها غيرَ واضحةٍ. من جهة أخرى فإنّ الآمالَ التي عُقدتْ على وصول الإدارة الأمريكية الجديدة لم تَعُدْ كما كانت بل تراجعت بشكلٍ كبيرٍ لأسبابٍ متعددة، أبرزُها التعنتُ الإسرائيليُّ الرافضُ لوقْف الاستيطان أو للتجاوب مع التوجهات الأميركية والدولية في تحريك عملية السلام بشكل جدي في المنطقة. وبدلاً من أن يكونَ الضغطُ منصبّاً على إسرائيل والحكومة الإسرائيلية فإننا نرى أن هناك من يطلب من الطرف الفلسطيني والعربي تقديمَ تنازُلاتٍ في الحقوق أملاً بأن تفكِّرَ الحكومةُ الإسرائيليةُ بتغيير موقفها!

لكن أيها السادة نحن نعرفُ أنه من دون ضغط جدي لتبديل الخيارات والمواقف الإسرائيلية وإعادة الحقّ لأصحابه في فلسطين لن نتمكن من التوصل إلى حل عادل ودائم في المنطقة، وهذا يستوجب من قِبَلِنا السعي والإسهام في تأمينَ التضامن العربي، من جهة، وتوحيد الموقف الفلسطيني، من جهةٍ أُخرى.

دولة الرئيس،
الزملاء النواب،

إنّ الأوضاع العربية الراهنة، من العراق إلى فلسطين إلى السودان، إلى اليمن، إضافةً إلى الأَوضاع الإقليمية المحيطة، القريبة والبعيدة، لا تدعو للارتياح أو الاطمئنان، ولهذه الأسباب فإنه يكونُ علينا في لبنان أن نبتعد عن ممر الأفيال لتجنب المخاطر الناجمة عن ذلك، وكما قلت نحن بحاجة للاستقرار والتفاهم على ما يُحَصِّنُ واقعَنا ويقوّي جبهتَنا الداخليةَ ويعزِّزُ وِفاقَنا ووحدتَنا الوطنية، وتحويل النقاش والتباين إلى حيويةٍ وديناميةٍ داخليةٍ تبعثُ التجددَ في حياتنا السياسية، والزخَمَ في عمل المؤسسات الدستورية وتفاعلها، فلا تؤدي اي تطوراتٍ سلبية للخروج على المؤسسات ومنها.

لقد بذل الرئيس سعد الحريري جهوداً جبارةً من أجل الوصول لتشكيل هذه الحكومة. ولأنها حكومةُ ائتلافٍ ووحدة، فهي فرصةٌ للقوى السياسية وللمواطنين، من أجل تعظيم المشتركات، والسعي إلى معالجة الاختلافات والعمل على تثبيت الاستقرار، والسير باتجاه نموٍ وتنميةٍ مستدامة على نحو ما استطاع لبنان تحقيقه في السنوات الثلاث الماضية وزيادة.

لهذه الأسباب كلِّها ومن أجل تدعيم مسيرة التلاقي والاستقرار والإصلاح والإنماء والنمو الذي نحتاجه لإنعاش الآمال المتجددة بالمستقبل، فإنّنا اعلن دَعْمَي الكاملَ وثقتَي بالرئيس سعد الحريري وحكومته في هذه المهمة الواعدة الجديدة لتحقيق الأهداف الوطنية التي تؤمِّنُ مصالحَ المواطنين اللبنانيين، وتعملُ على تجنيب البلاد المشاكلَ التي تُهدِّدُ الاستقرارَ ونمنح الحكومة الثقة.

وشكراً.
 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا