محمد دهشة
ما زال منزل رائــد المسرح اللبناني والعربي مارون النقاش في صيدا يحافظ على وجوده وبقائه حجرا يعاند الاندثار او الــنــســيــان، مــوصــد الابـــواب منذ عــقــود، ينتظر الاهتمام او مــبــادرة مــن وزارة الثقافة لــتــحــويــلــه الـــى مــعــلــم أدبـــي وسياحي يقصده اللبنانيون والمثقفون والسياح على حد، سواﺀ ذلك ان عائلته رحلت ولم يبق منها احد في المكان.
ولد مارون بن الياس بن مخائيل النقاش في صيدا سنة 1817 ثم انتقل مع والــده إلــى بيروت وانكب على دروس اللغات والآداب العربية حتى حذق فيها واخذ عن المرسلين اللاتينيين مبادئ اللغتين الفرنسية والإيطالية وكــانــت عائلة النقّاش تسكنُ بمحاذاة عائلتي "صاصي" و "دبّانة" اللتين ظلتا مقيمتين في هذا الحيّ حتى سنوات متأخرة.
كان والد النقاش ذا مال وجاه، وقد غــادر الى بيروت حرصا على ازدهــار تجارته وكان مــارون كما يخبر أخوه نقولا "محبا للعزلة، مولعا بــالآداب والــعــلــوم.. أتــقــن الكتابة والــقــراﺀة العربية، وتعلّم التركية والايطالية والفرنسية، الا أنه آثر أن ينصرف الى التجارة التي قام في سبيلها برحلات..
ومــن خــلال تــجــوالــه بين العواصم الأوروبية، فتن بفن الأوبرا لذلك عمل على نقل المسرح وخصوصا الغنائي إلى الوطن العربي، فقدم مسرحية "البخيل" عام 1847 تقليدا لموليير، وعام 1850 أخرج مسرحيته الثانية "أبو الحسن المغفل" أو هارون الرشيد واستلهم موضوعها من ألــف ليلة وليلة، أما مسرحيته الثالثة "الحسود السليط "عام، 1853 غير أن النقاش تــعــرّض لاعــتــراضــات المحافظين ورجـــال الــديــن وانــتــابــتــه الشكوك والإحساس بالذنب فحوّل مسرحه إلى كنيسة قبيل موته وهو في الثامنة والثلاثين.
عــنــد الــمــدخــل الــغــربــي لــســوق "القماش" الذي يُطلق عليه كبار السن من الصيداويين "سوق البازركان" يقع منزل "النقاش" وتحديدا تحت فندق "القلعة"، وهو يجاور "القلعة البحرية" و "خان الافرنج" والمقاهي الشعبية، وقد ازيلت منذ بضعة اشهر اللوحة التذكارية التي كانت موضوعة قرب مدخل المنزل بجانب الباب الرئيسي بسبب أعمال ترميم الفندق وحتى الآن لم يعد وضعها من جديد ما يجعل الوصول الى المنزل صعبا للكثير من ابناﺀ المدينة ومستحيلا لغيرهم من اللبنانيين او العرب حتى قاصديه.
ويروي احد جيران المنزل من الذين اتيحت لهم فرصة الدخول الى المنزل، ان السلالم المؤدية اليه قد تآكلت أطرافها وازدادت حجارتها تراصا، تصعدها لتصل إلى بهو يفاجئك اتساعه بين غرف رصفت مستقلة، الا اثنتين منها أزيل الحائط بينهما لتتحولا الى قاعة مستطيلة، لعل مـــارون النقاش أراد ان يجعلها او جعلها مسرحا مصغرا، بالطبع لا يمكن الجزم بذلك.
وينقسم أبناﺀ المدينة بين جيلين، الأول يعرف القليل عن النقاش، وبأنه من مواليد صيدا وان منزله ما زال قائما، البعض يستدل عليه والبعض الآخر لا يعرف مكانه، دون ان يملك الكثير مــن التفاصيل عــن حياته ومماته باستثناﺀ شهرته العامة المسرحية على اعتباره من مواليد القرن الثامن ميلادي، بينما الثاني لا يعرف شيئا وكأنه نسيا منسيا.
ويقول قاسم صالح الــذي يملك محلا ملاصقا لمنزل النقاش، لم أكن اعرف الكثير عنه، أدركت ان منزله يقع هنا عبر لوحة تذكارية كانت موضوعة قرب الباب، ازيلت عندما أجريت عملية ترميم للفندق الذي يقع فوقه "، قبل ان يضيف" للأسف العظماﺀ في بلدنا ينسون ولا يلاقون الاهتمام الكافي، مثل مارون النقاش ينبغي ان يبقى حيا في ذاكرة الاجيال "، داعيا وزارة الثقافة الى احياﺀ تراثه واعادة افتتاح المنزل كي يكون معلما ادبيا او فنيا يخلد ذكرى صاحبه".
ويؤكد جار النقاش محمد حمدان الذي يملك مستودعا مجاورا "انه سمع الكثير عنه من جده، انه ولد هنا وعاش بضع سنوات قبل ان تنتقل عائلته الى بيروت في العام، 1845 أي بعد ثماني سنوات من ولادته، وأن صِلات العائلة لم تنقطع بهذهِ المدينة حتى أوائل القرن الماضي، معتبرا" ان المطلوب اعــادة الاهتمام بجيل الشباب حول مثقفيه وادبائه الذي يهدر وقته على الانترنت والنرجيلة والعاب التسلية من دون جدوى.
ولا يــجــد الـــشـــاب مــحــمــد قمبز غضاضة بالاقرار انه "لا أعرف شيئا عــن الــنــقــاش او مــنــزلــه او تاريخه المسرحي"، مبررا السبب بأننا "من جيل الــحــادي والعشرين بينما هو من القرن الثامن عشر، لقد تبدلت الحياة وباتت الاهتمامات تختلف"، قبل ان يستدرك بخجل "لا بأس أن نعرف عن عظماﺀ المدينة وبلدنا، فهذا فخر لنا".
عند مدخل الزاروب المؤدي الى منزل مارون النقاش وضعت لافتة فيها المعالم الاثرية والتراثية الموجودة في صيدا القديمة بدﺀا من خان الارز وصولا الى القلعة البرية...
ولم تأت على ذكر منزله لا من قريب او بعيد رغم انها لا تبعد عنه سوى بضعة أمتار.