×

أيّهما تغيّر واستدار أكثر حيال الآخر: الحريري أم سوريا؟

التصنيف: سياسة

2009-12-15  06:24 ص  774

 

 

نقولا ناصيف
تندرج الزيارة المرتقبة لرئيس الحكومة سعد الحريري لدمشق، في الأيام المقبلة، في سياق تبرير مفاده أن كلاً من الحريري ودمشق تغيّر كثيراً أحدهما حيال الآخر، كما أن الزمن دار دورته السياسية والشخصية الكافية ما بين 2005 و2008، كي تصبح معاودة العلاقات الطبيعية بين الطرفين أمراً مقنعاً وحتميّاً. تغيّر هذا الزمن قبل أن يصبح الحريري رئيساً للحكومة، مع كل التقلّبات والتطورات التي توّجتها مصالحة سعودية ـــــ سورية أخذت في الحسبان مصالحهما المشتركة وخصوصاً حيال استقرار لبنان، وتحوّلٌ في موقف المجتمع الدولي من نظام الرئيس بشّار الأسد، وانقلاب توازن القوى في لبنان رأساً على عقب منذ أيار 2008.
تعبّر عن التغيير في موقفي الحريري ودمشق، أحدهما إلى الآخر، ملاحظات:
أولاها، أن سوريا ـــــ وليس الحريري فحسب ـــــ تغيّرت كثيراً. لم يعد اللبنانيون ولا المجتمع الدولي يسمعون منها الخطاب نفسه الذي رافق سني وجودها في لبنان. تجزم بأن جيشها واستخباراتها العسكرية لن يعودا إليه أبداً، وتُجري تبادلاً دبلوماسياً معه يستوفي كاملاً شروطه التقليدية، وتُقدّم براهين على عدم تدخّلها في الشؤون اللبنانية سرعان ما أقنعت الأوروبيين والأميركيين منذ انتخابات 7 حزيران 2009 بأنها لم تعد تضطلع بأي دور سلبي في هذا البلد.
والواقع أن سوريا نجحت في تحويل الشكوك حول أدوار سلبية لها في لبنان إلى يقين بأنها عامل إيجابي في ضمان استقراره وبناء مؤسساته الدستورية.
ثانيتها، أن الحريري لا يخجل من زيارته دمشق، وقد أوحى ذلك في أكثر من مناسبة عندما ربط حصولها باستجابة سوريا المصلحة الوطنية. بل إن أكثر من مبرّر شقّ الطريق أمامه إلى دمشق، سواء عبر مناداة الحريري بعلاقات لبنانية ـــــ سورية متكافئة تحترم سيادة كل من البلدين واستقلاله، أو برغبته في طيّ صفحة الأعوام الماضية، تاركاً للمحكمة الدولية في اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري اكتشاف قتلته ومسلّماً سلفاً بقراراتها، فتخلى عن توجيه الاتهام السياسي إلى دمشق بالجريمة وعن استعجاله تعليق مشانق مَن كانوا في خَلَده لسنوات قتلة والده الفعليين، أو بانضمامه إلى وجهة نظر قوى 8 آذار في التعامل مع سلاح حزب الله على أساس أنه مقاومة وأحد خيارات تحرير الأراضي المحتلة إلا أنه في صلب مناقشات الحوار الوطني على استراتيجيا دفاعية شاملة في مواجهة إسرائيل. سحب الحريري السلاح من التداول غداة فوزه مع حلفائه بالغالبية النيابية في انتخابات 7 حزيران، وتمسّك بربطه بالمقاومة في البيان الوزاري، واستعجل زيارة دمشق عندما أزال من البيان الوزاري أيضاً عبارات تستفزّ سوريا، وحاذر اتخاذ موقف علني ومباشر من الاستنابات القضائية السورية الأخيرة، واضعاً خطاً فاصلاً بينها وبين زيارة العاصمة السورية.
ثالثتها، أن زيارته دمشق تدخل في صلب التفاهم السعودي ـــــ السوري الذي رعى تأليف حكومة الوحدة الوطنية. لم يقتصر هذا التفاهم على توزيع المقاعد في الحكومة الجديدة على الأفرقاء الرئيسيين ومراعاة توازن القوى المنبثق من أحداث 7 أيار 2008، بل شمل إنجاح ترؤس الحريري هذه الحكومة وإزالة العراقيل من طريقه. أكدت سوريا في أكثر من مناسبة مذ ذاك على لسان مسؤوليها تارة، وعبر زوارها طوراً، ترحيبها بزيارة الحريري لها. مع ذلك أخذت في الاعتبار إرادته في أن يزورها كرئيس للحكومة بغية التعامل معه تبعاً لهذا المنصب وليس رئيساً لتيّار المستقبل أو الغالبية النيابية. كان يريد بذلك التحدّث مع القيادة السورية انطلاقاً من وجوده في هذا الموقع. والواضح أن الزعيم السنّي الذي لا يستطيع، بحكم التصاقه بحلفائه، فصل ترؤسه الحكومة عن موقعه داخل المشروع السياسي لقوى 14 آذار، يلمس التعارض الحاد بين موقف دمشق منه وموقفها من سلفه الرئيس فؤاد السنيورة. فهي لم تكتفِ بإيصاد أبواب الحوار مع الأخير، بل أوجدت أكثر من ذريعة لتعطيل مقدرته على الحكم من داخل حكومته وفي الشارع، إلى أن انهارت حكومته تماماً في أحداث 7 أيار.
يذهب الحريري إلى دمشق بحجّة صلابة ثوابت قوى 14 آذار
رابعتها، أن لدى الحريري حجّة في وسعه الدفاع عنها، ويتسلّح بها في الغالب المحيطون به، هي أن سوريا التي يذهب إليها للتعرّف إلى رئيسها وقيادتها ومباشرة حوار معهما كرئيس للحكومة اللبنانية، هي التي تغيّرت، وتغيّرت أكثر ممّا يُعتقد، وأكثر ممّا يُعتقد أيضاً أن الحريري تغيّر حيالها. مفاد هذه الحجّة أنه وحلفاءه في قوى 14 آذار لم يُقدموا على استدارة مماثلة للمراجعة التي أجرتها دمشق بإزاء علاقاتها بلبنان. لا يزال هذا الفريق متمسّكاً بالمحكمة الدولية وتطبيق القرار 1680 الذي يتحدّث، بعد التبادل الدبلوماسي، عن ترسيم الحدود بين البلدين، ويصرّ على العودة إلى اتفاق الهدنة مع إسرائيل على نحو لحظه البيان الوزاري لحكومة الحريري بعد اتفاق الطائف، ويتشبّث برفض التدخّل السوري في الشؤون اللبنانية في معرض تشبّثه بعلاقات متكافئة بين الدولتين. وما يبدو جلياً في رأي المحيطين به، أن عودة الحريري من زيارته دمشق لن تقترن بتخليه عن أي من تلك الثوابت.
واقع الأمر أن التحوّل الكفيل بجعل قوى 14 آذار أمام امتحان استمرارها، هو الموقف الذي اتخذه الحريري وإن ببطء ملحوظ، اقتداءً بحليفه رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، من سلاح حزب الله والعلاقات مع سوريا. كان هذان البندان في صلب ديمومة هذه القوى حتى انتخابات 7 حزيران الماضي.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا