×

منازل صيدا القديمة·· مَنْ يُزيل عنها كاهل الخطر الداهم؟

التصنيف: Old Archive

2009-12-16  05:56 ص  1977

 

ثريا حسن زعيتر

تصدح أصوات المعاول والرفوش في أحياء مدينة صيدا القديمة في ورش لا تهدأ، تُعيد تجميلها وتزيينها وترميم حاراتها وأسواقها التراثية وبعض منازلها في إطار <مشروع الإرث الثقافي>، الذي يموّله <البنك الدولي>، والذي يُنفذ منذ سنوات، إلى جانب مبادرات لمؤسسات أهلية صيداوية، جامعة بين الحفاظ على التراث والفن المعماري الحديث·· لكن هذا الجمع والاهتمام بإنماء الحجر لم يرقَ إلى مستوى الرضى لدى البشر، إذ ثمة حكايات حزينة لا تنتهي مع منازلهم التي ورثوها أباً عن جد وما زالوا يتمسّكون بها كإرث وتاريخ··

داخل صيدا القديمة، يُحافظ أبناء <البلد> على العادات والتقاليد وحياتهم البسيطة، وعلى منازلهم التي تتنوّع بين مَنْ انهار منها سقفه، وكاد يودي بحياة قاطنيه·· وبين مَا هو آيل للسقوط في أي لحظة أو غير صالح للسكن، وبين متداعٍ يُشكل خطراً ورغم ذلك ما زال أصحابه يُقيمون فيه، ويعيشون حالة القلق والخوف، إذ لا قدرة لهم على استئجار أخرى بديلة وإخلائها، وبين مَنْ تركها خاوية على عروشها تنتظر الترميم·· لكل حكاية ورواية وتفاصيل··

<لـواء صيدا والجنوب> يُسلّط الضوء على واقع المباني والمنازل في أحياء صيدا القديمة، ويستطلع آراء قاطنيها، وكيف يعيشون فيها، وماذا يأملون؟!

يتغيّر الزمان وتبقى البيوت شاهدة على حياة أصحابها، حاملة معها الذكريات والآمال حتى بعد رحيلهم، هذا الإحساس ينتاب مَنْ يتجوّل في مدينة صيدا القديمة (البلد) التي انتشرت فيها المنازل ذات الأحجار الصخرية والعقود والقناطر، ويروي أبناؤها أنّ سببين رئيسيين أثّرا على هذه المنازل: - الأول: إبان الزلزال الذي ضربها في العام 1956، حيث تصدّع الكثير منها، ما اضطر أهلها للنزوح منها وبناء المساكن الجديدة في محيطها ووسط بساتينها أو الإقامة في منطقة تعمير عين الحلوة والفيلات·

- الثاني: رغبة بعض أبنائها بالانتقال إلى المدينة <الحديثة> مع ازدياد عدد أفرادها·

<قشلة صيدا> تنتظر الترميم! عند مدخل <سوق الكندرجية> يبدو مشهد السوق متداخل بين منازل مهجورة وأخرى متداعية قبالة <قشلة صيدا> التي ما زالت موصدة الأبواب تنتظر مشروع ترميمها منذ سنوات، يُقابلها منزل آل السوسي، حيث كان <استديو شفيق السوسي> الأقدم في المدينة··

ويقول الحاج عدنان القبرصلي <إنّ هناك الكثير من المباني في المدينة القديمة متداعية، وقد باتت غير صالحة للسكن وما زالت تنتظر الترميم، وباعتقادي أنّ المطلوب الاهتمام بالبشر أكثر من الحجر، فما يجري من ترميم وتجميل رائع، ولكنه في ذات الوقت يخفي حياة بؤس وفقر يجب أن تنتهي>·

في أزقة حي <السبيل> تبدو الصورة شبه قاتمة، إذ يؤكد أهالي الحي أن هناك أكثر من 15 منزلاً متداعياً، بدأ ينهار أجزاء منها، وهي غير صالحة للسكن وأخرها منزل غسان البخور، الذي انهار سقف صالونه على حين غرة، وكادت العائلة المؤلفة من الزوجين وولدين يدفعون الثمن حياتهم، لولا العناية الإلهية، إذ انهار السقف فجراً فيما هم نائمين في غرفتي النوم·

يقول البخور (الذي يقطن في المنزل منذ 20 عاماً، ويعمل في <النجارة> ويجني 500 دولار أميركي شهرياً): منذ أسبوعين وأنا أسعى الى ترميم منزلي، لقد وعدت بإجراء الترميم، ولكن علي انتظار بعض الوقت، أبلغونني أنهم سيباشرون عملية الترميم في 15 كانون الأول الجاري، وما زلت انتظر·

وأوضح <أنّ وفداً من مديرية الأثار حضر وأجرى كشفاً هندسياً بعد انهيار سقف الصالون، وأبلغني أنّ المنزل برمّته متداعٍ، هناك تشققات في الجدران، وتفسّخات في السقف، وهو آيل للسقوط في أي لحظة وغير صالح للسكن>·· قبل أن يردف <ليس أمامي مفر·· ما زلت أعيش في المنزل وسط حالة من القلق والخوف، فليس باستطاعتي استئجار منزل آخر لأن ايجاره مرتفع، وأنا مضطر للعيش هنا مع عائلتي رغم كل الخطر>·

وأضاف: إذا لم يرمّموا منزلي كما وعدت، سوف أقوم بجولة على <الأودام> لطلب المساعدة وترميم المنزل، إذ ليس باستطاعتي دفع تكاليف الترميم التي تتراوح ما بين 15-20 ألف دولار، وأنا بالكاد أؤمن قوت اليوم لعائلتي>·

وطالب البخور <الاهتمام بالبشر بموازة الحجر، فصيدا جميلة من الخارج وخصوصا الواجهة البحرية، ولكنها بالتأكيد من الداخل تخفي معاناة ومأساة يومية لا تنتهي، كل المسؤولين يؤكدون المحافظة على التراث، ولكن الحفاظ على الأرواح أهم وأبقى، كيف سأنام في منزلٍ قد يتداعَ فوق رأسي في أي لحظة؟!>·

انتظار الكشف داخل الحي ذاته، تتكرّر روايات الناس، بعضهم يُقيم في المنازل على مضض، ليس أمامهم خيار آخر، وتقول نوال فرشوخ (التي تقطن مع زوجها محمود وأولادها في المنزل منذ 30 عاماً، وتعود ملكيته الى آل النقيب جد والدتها): <إن المنزل يُعاني من التشقّقات، وهو بالتأكيد بحاجة إلى ترميم، إذ إنّ هناك غرفة تشقق سقفها وتم اخلاؤها، ويضع زوجي فيها أغراض العمل>·· قبل أن تضيف: <لم نطلب من أحد الترميم، عندما حضرنا الى المنزل قبل عقود ثلاث، أجرينا ترميماً وصيانة على نفقتنا الخاصة، وقبل سنوات أجرت <مؤسسة الحريري> ترميماً مماثلاً، بعدما تشقق السقف وظهرت قضبان الحديد، أما اليوم فإننا ننتظر كغيرنا إجراء كشف لمعرفة ما إذا كان المنزل آيل للسقوط أم لا!··>·

انهيار ومغادرة وفي زاروب جانبي وتحت قناطر وعقود أثرية على مقربة من منزل فرشوخ، تبدو الصورة مختلفة، إذ اضطر تشقّق سقف منزل الحاجة آمنة النقيب وانهيار الإسمنت منه، ما أظهر قضبان الحديد بوضوح في ما يشبه الإنذار بالسقوط·· الى مغادرته والإقامة عند كريمتها بانتظار ترميمه، وتقول زوجة ابنها منال المصري: <الحمد لله عندما انهار الإسمنت لم تكن <حماتي> في الغرفة، تفاجأت بالتشقّقات، جمعت أغراضها، ونظّفت المكان وغادرت إلى منزل ابنتها بانتظار الفرج والترميم>·

وأضافت: إن الحياة في مثل هذه المنازل صعبة ومحفوفة بالمخاطر، كيف يُمكن لإنسان أن يقطن في منزل وهو يتوقّع أن ينهار عليه في أي لحظة، هو الموت يعيشه دوماً، ما أصعب هكذا وضع، لقد راجعنا المسؤولين عن مشروع الترميم، ولم يحضروا بعد، وقدّمنا طلباً للترميم إلى بلدية صيدا وما زلنا ننتظر>·

ممنوع الشطف وفي <حي الكنان>، فإن الحال ليس بأفضل، فيروي أبناؤه بحسرة ممزوجة بمرارة وألم <أن أي مشروع ترميم لم يصل اليهم، على الرغم من أن <حيهم> الأكثر حاجة الى رفع مخاطر الانهيار والتداعي والتشقق، الذي بدت صورته جلية في منزل علي حسن رق البخور، حيث تتساقط أجزاء من <الباطون> من أرض المطبخ القائم على أعمدة قديمة، وقد <نفرت> قضبان الحديد الى الخارج وكأنها تنوء بحملها على مدى السنين·· وتقول زوجته الحاجة صديقة فطايرجي (72 عاماً): <إن المنزل مستأجر، وجدناه على حاله لدى الإقامة فيه، وقد تضمن العقد انه يتوجب علينا إجراء الصيانة والترميم من الداخل، أما من الخارج فإن ذلك يعود على نفقة المالك، منذ فترة أبلغنا المالك انه غير قادر على إصلاحه <دبروا حالكم>، لقد قررنا تقديم طلب ترميم جديد بعدما كنا قد تقدمنا بطلب الى بلدية صيدا منذ أشهر·· وعلى الله الاتكال>·

وأوضحت زوجي علي <أبو بسام> (76 عاماً) أنّ زوجها <يعمل بائعاً على عربة خضار في سوق صيدا، وبالكاد نؤمن قوت اليوم، ولا نستطيع الترميم، وإلا لكنّا فعلنا ذلك دون الحاجة الى أحد>·· مشيرة الى <أن <مؤسسة الحريري> كانت قد أجرت ترميماً محدوداً سابقاً داخل المنزل بعدما ظهرت تشققات، ووضعوا عاموداً حديدياً حتى لا ينهار المطبخ، وكلّما عبر أحد من الناس يتفادى العبور من تحته، وينادي علينا <يا بيت بخور المطبخ عم ينهار>، وإذا شطفنا المطبخ تنزل المياه من السقف الى تحت·· فماذا نفعل؟>·

إنذار بالكارثة ويتكرّر الحال في منزل آل وهبي الذي يقع في الطابق الأول، فما زال خالد وهبي <البحري المتقاعد> وزوجته يُقيمان وحدهما في المنزل، بعدما سافر أولادهما الأربعة الى الخارج، ويؤكد أبناء الحي <أن مشروع الترميم طرق أبواب بعض المنازل وأجرى إصلاحاً لبعضها، ولكن هناك الكثير التي تحتاج الى اهتمام وترميم>·

وبين حيّي <اللوز> و<الأميركان>، يجلس عصام الصوص (60 عاماً) أمام دكانه الصغير، ينتظر زبوناً لبيعه، ويقول: في هذا المكان كان مستشفى صغير لشخص من آل الددا، يحقن الناس بالإبر ويُعالج المرضى، ويجري عمليات الطهور للذكور>·· مشيراً الى <أن الهزة التي ضربت المدينة منذ بضع سنوات أدّت الى إنهيار جزء من المحل، وتبيّن أن هناك بئراً للمياه ولم يستخدم بعد، كما كشفت عن <طاحونة> قديمة نقلها أحد الاثرياء، ما أدى إلى تفسخ الكثير من المنازل، وبعض الأحجار سقطت لتُنذر بضرورة الترميم قبل وقوع كارثة لا تُحمد عقباها>·

Th@janobiyat.com
 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا