×

حرفة القباقيب والكراسي في صيدا القديمة.. صامدة

التصنيف: إقتصاد

2012-08-29  09:46 ص  2082

 

 ثريا حسن زعيتر:اللواء

تعاند الحرف القديمة في مدينة صيدا التلاشي والاندثار، ويكابد محترفوها التعب والمشقة وضيق العيش من أجل الحفاظ عليها، على اعتبارها ليست مهنة لكسب العيش، وإنما تراث يجب الحفاظ عليه كجزء من تاريخ المدينة..
داخل صيدا القديمة، وفي سوق النجارين يواظب الحاج علي الشامية على حرفة «القباقيب والكراسي الخشبية»، ويحتفظ بعلاقة حب وعشق منذ نعومة أظافره، إذ تعلمها وهو فتى صغير لا يتجاوز عمره السبع سنوات، وقد بلغ من العمر ما يزيد عن السبعين عاماً، وهو كما كان مُتمسكا بها، بالرغم من أنها لم تعد تسد رمق العيش، مثله مثل الكثير من محترفيها في سوق النجارين الشهير..
«لـواء صيدا والجنوب» حط رحاله في سوق النجارين، ووقف مع الشامية، وهو يزاول الحرفة عن قلب ظهر..
تعلم واحتراف
{ داخل محترفه الصغير الذي بات مقصداً للزوار والسياح، فضلاً عن أبناء المدينة، يجلس الحاج الشامية على كرسٍي خشبي صنعه بنفسه، ليقول: «عندما تعلمت الحرفة كنت صغيراً، وكان جدي يضربني على يدي بالخشبة حتى تعلمتها وأتقنتها إلى أن وصلت اليوم إلى هذا الاحتراف، بعد طريق طويلة وشاقة، ولكن الخوف اليوم يكمن في ضياعها بسبب قلة الاهتمام بها، فهي تُعاند الزمن للبقاء».
وأضاف: «إن حرفة «الكراسي والقباقيب تعود إلى أكثر من 150 عاماً، عاشت قبل عقود عصرها الذهبي، قبل أن تعيش اليوم عصر الزوال إسوة بشقيقاتها من الحرف التي دفنها الزمن».
عصر ذهبي
{ بين نظرات الحاج الشامية تجول في تاريخ الحرفة، تتزاحم الأسئلة داخل السوق القديم في المدين القديمة، حيث يقع سوق النجارين، الذي كان مزدهراً زمن العثمانيين والفرنسيين، حتى الاحتلال الإسرائيلي وإقفال المعابر التجارية بين لبنان وفلسطين..
في السوق تفوح رائحة الخشب من الحرف القديمة، كل زاوية تروي حكاية حرفة عبرت من هنا، بعضها اندثر، وبعضها يقاوم الاندثار، المٌنجد، النَحاس، الخيَاط، المبيِض، وغيرها الكثير، وسرعان ما تقع نظراتك بـ «طبليات» قديمة «مناخل»، وتلك الكراسي التي تسترعي انتباهك لحجمها الصغير ولجمالية نقشها وتطرزيها.
ويؤكد الحاج علي الشامية (77 عاماً) «إن أعباء الحياة ثقيلة بكونها تستمر بين طرطقات الـ «شاكوش» المعطوفة على «حفيف» أوراق الخشب، «هذه المقطوعة الموسيقية تنسيك كل هموم ومشاغل الحياة»، نعمل بكد بين «منخل» و«طبلية» كي تصبح قطعة جميلة وكأنها تحفة صالحة للاستخدام فوراً».
حرفة يدوية
{ ويقول: «إن الحرفة ما زالت يدوية تعتمد على آلات بدائية إلى حد ما، ومنها: قدوم، شاكوش، منشار، ورق أزاز، قلم، بيكار، وترتكز على الخشب في درجة أولى، وعلى خيطان القش لصناعة الكراسي، طبلية، كماشة، قدوم ومقص، وهذه تُشكل المفصل الأساسي في انحناء الخشب عندي، فحرفتي فن مغاير عن باقي الفنون، أنا لا أدعي التميّز ولا العبقرية، ولكن يكفي إنني حين أحمل بيدي خشبة صنوبر وأقلبها رأساً على عقب فتصبح سريراً لا مثيل له».
ويضيف دون تردد: «تعيش الحرف اليدوية اليوم عصر الزوال نتيجة غياب الرعاية الرسمية والأهلية عنها، فضلاً عن غياب اليد العاملة الشابة الراغبة في استمراريتها، ويعود السبب إلى عصرنة الابتكارات، إذ ينظر الشباب اليوم إلى هذه الحرفة نظرة تقليدية وقديمة، كما لو كانت تقض مضاجع أحلامهم».
يتمنى الحاج الشامية لو تعود عقارب الزمن إلى عصر ازدهار الحرفة ويقول: «عاشت هذه الحرفة عصراً ذهبياً زمن العثمانيين والفرنسيين، حيث كان السوق يغزوه التجار القادمين من فلسطين، كان هناك تواصل تجاري بيننا وبين فلسطين، لم نكن نهدأ ولا نتوقف عن العمل، كنا نعمل ليل نهار، وكنا نبتدع الأفكار الحرفية المتأنقة في خشبنا، ولكننا اليوم ننتظر الزبائن، ونعاني من انقطاع التيار الكهرباء وغلاء الخشب، وكل ما يتعلق بهذه الحرفة».
خوف الاندثار
{ يتوقف الحاج الشامية عن الكلام المباح، يخيّم الصمت على المكان وفي قلبه غصة ويقول: «آه.. لقد تبدلت كل المعالم، فقدت الحرفة خريطة طريقها، إنكفأ حضورها لولا تلك الكراسي الخشبية التي أنقشها، والتي تُستعمل للحدائق لكنا في خبر كان».
ولا يخفي الحاج الشامية هاجسه من الخوف والقلق من المستقبل المجهول «أن يأتي يوم تجد الحرفة نفسها وحيدة دون نجار حرفي يُجمعها في كراسي متعددة الأشكال»، مؤكداً رغم هذا القلق المشروع على اعتبار «أن الحرفة لم تعد مهنة فقط، وإنما تُراث يجب الحفاظ عليه».
ويختم الشامية: «لن أترك هذه المهنة حتى أموت، كلني أمل أن أجد من يتعلمها ليكمل مشوار الحرف اليدوية مثلي، لأنه سيأتي يوم ونتحسر عليها».

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا