محمد صالح

كان للسياسة عام 2009 أن تلبس صيدا عباءة غير عباءتها التقليدية التي خلعتها عليها تركيبتها السياسية المنسجمة مع محيطها السياسي والديموغرافي ودورها التقليدي كعاصمة للجنوب من الأولي إلى الحدود مع فلسطين المحتلة.. وكان لسياسة العام المنصرم أن تخرج آل سعد المتربعين على أحد الكرسيين البرلمانيين الممثلين لصيدا منذ ما بعد الطائف، في خطوة غير منفصلة عما آلت إليه الأحوال السياسية للطائفة السنية في لبنان إثر الزلزال الكبير المتمثل باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأيضا التوتر المذهبي والسياسي الذي بلغ أقصى مداه إثر أحداث أيار 2008.
ويعتبر التغيير السياسي هو الوحيد الذي طال المدينة في الـ 2009 ، ومسَّ بنيتها وتركيبتها السياسية والنيابية الثنائية وهزً أركانها...غاب رئيس التنظيم الشعبي الناصري الدكتور اسامة سعد عن مسرح البرلمان اللبناني.. وعدا ذلك بقي الوضع على ما هو عليه صامداً وسرمدياً خصوصاً على صعيد الأوضاع التنموية والبيئية حتى اخر المشاريع الاقتصادية التي لم تتحرك قيد أنملة. وإذا كان ملف مكب جبل النفايات الذي يشكل ومنذ سنوات طويلة العنوان الرئيسي في حملة وبرنامج الخصوم المتنافسين على تمثيل المدينة واستعمله الرئيس فؤاد السنيورة والنائبة بهية الحريري في حملتهما ضد الدكتور أسامة سعد، عادا ليؤكدا وخلال لقاءات عدة امام وفود بما معناه «أن أي حل للجبل - المكب يحتاج لنحو أربع سنوات، إذا بوشر بتنفيذ الحلول العائدة له انطلاقا من اليوم وليس غدا»، وفق ما يؤكدان.
وكانت نتائج اقلام الاقتراع لم تأت لصالح المرشح اسامة سعد وبالتالي لم يحالفه الحظ في الانتخابات الاخيرة وحل مكانه رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة عن تيار المستقبل الى جانب النائبة بهية الحريري وبذلك يكون غياب «بيت سعد»، وفق التعبير الصيداوي عن النيابة، وما يمثلون في المدينة من اطار وطني وسياسي وديموقراطي، يحصل للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف، عندما كان يترشح الراحل مصطفى سعد، ليحل مكانه، وبعد وفاته، شقيقه النائب السابق اسامة سعد.
إلاَّ أن المفاجأة التي كانت اقسى من عدم الفوز نفسه، تمثلت بالنتيجة التي حصل عليها منافس سعد الرئيس السنيورة، والتي جاءت بفارق أكثر من عشرة آلاف صوت لصالح الرئيس السنيورة، مع العلم ان انصار سعد يرون أن السينورة هو نائب «الويك اند» في صيدا، مشيرين إلى انه يحضر الى المدينة ليوم واحد فقط في نهاية الأسبوع، ثم يعود إلى منزله في بيروت.
وهناك في صيدا من يقول إن أسامة سعد خسر المقعد النيابي لان خصومه ارادوا تحميله ثمن السابع من أيار في بيروت، وملحقاته الأمنية والسياسية والمذهبية في صيدا، إضافة إلى تدفيعه ثمن تحالفاته السياسية؟!.
وتلا فوز ثنائي المستقبل في صيدا توتر أمني، أعقبه انتشار الجيش في كل صيدا لأكثر من شهرين خاصة بعد محاولة الاعتداء على مرافق كريمة اسامة سعد، والتعرض لسيارتها وكانت هي بداخلها، إلا أن المرافق حال دون ذلك، ولم تصب هي بأي أذى. وتخلل العراك إطلاق نار وتحطيم زجاج السيارة، إضافة إلى تسجيل أكثر من واقعة اطلاق نار بين انصار الطرفين، واعتداءات بالضرب وغير ذلك.
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد سعى خلال عام 2009 لإحلال التوافق السياسي النيابي في صيدا من خلال ابقاء القاعدة السياسية الثنائية المتمثلة بنائبي المدينة بهية الحريري واسامة سعد، إلاَّ انه فشل بتحقيق هذا التوافق، وهو قد اعترف بذلك رغم كل المساعي التي بذلها.
وينعكس فشل التوافق السياسي اليوم سلبا حتى على انتخابات غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا والجنوب، وقد يطيح عرفاً سائداً فيها منذ تاريخ انشاء الغرفة قبل اكثر من سبعة عقود من الزمن؟!.
في المقابل، فان عام 2009 سجل خرقا سياسيا معاكسا في صيدا، وتمثل بتحسن العلاقات بين الرئيس السنيورة ورئيس بلدية صيدا الدكتور عبد الرحمن البزري وعلى المستويات كافة، حيث جرت لقاءات عدة، وزيارات بينهما، وشملت الأحاديث، وطالت الأمور السياسية وغيرها، وصولا إلى الأوضاع والمشاريع البلدية العالقة والامور المستقبلية. واعتبرهذا الخرق في صيدا من النوع الثقيل جدا نظرا لما كان يعتري العلاقات بين الرجلين من جفاء وتوتر سياسي انعكس سلبا في مراحل عدة على صيدا بشكل عام وعلى مشاريع البلدية لان كل واحد منهما كان ينتمي الى المعسكر والخندق المتقابل والمتعارض للآخر.
وثمة تساؤلات صيداوية مطروحة عام 2009 لكن الاجابة عليها مؤجلة إلى عام 2010 وما يليه من أعوام من بينها اسئلة مثل «هل من امكانية لصرف هذا التحسن في العلاقات وتسييله في جوانب سياسية على البزري ووضعه في المدينة؟، وهل له انعكاسات سياسية ايجابية حتى على الانتخابات البلدية المقبلة وعلى التحالفات؟، وهل بإمكان الرئيس السنيورة توسيع رقعة الخرق لتشمل مصالحة البزري مع النائبة بهيه الحريري؟؟. يبقى الجواب مرهوناً بما سيحمله الآتي من الايام في 2010، لكن الانتخابات البلدية بالنسبة للنائبة بهية الحريري، في كفة وكل شيء آخر في الكفة الأخرى، وهذا الاستحقاق سيكون موعدا لتيارالحريري لاستعادة القرار البلدي إلى كنف المستقبل كرد اعتبار، وللثأر من واقعة خسارتهم البلدية قبل ستة اعوام!!!!!
إلى ذلك سجل عام 2009 تركيز وتعزيز دور النائبة بهية الحريري كلاعب سياسي رئيسي في عاصمة الجنوب وتمكنها من منطقها وثباتها على مواقفها وصلابتها وحركتها الدؤوبة ولقاءاتها الشعبية اليومية ووقوف قاعدتها الى جانبها، إضافة إلى تصاعد لافت لنجلها احمد الحريري وبروز دوره في الانتخابات الأخيرة، وتمكنه من اختراق النسيج او الوسط الشعبي في صيدا.
أمنياً
أما لجهة الوضع الامني في 2009 في عاصمة الجنوب فقد سجلت الاجهزة الامنية لا سيما مخابرات الجيش اللبناني عملية اختراق نوعية في مخيم عين الحلوة وتمكنت من اعتقال اشخاص رئيسيين وعناصر من فتح الاسلام وحتى من القاعدة وجند الشام، مطلوبين ومتهمين بعمليات ضد الجيش اللبناني وقوات اليونيفل في الجنوب اضافة الى اتهامهم بتنفيذهم مهمات أمنية كبيرة وخطيرة من بينها عمليات اغتيال .
وحمل عام 2009 في صيدا خبر اغتيال المسؤول الفلسطيني الفتحاوي الكبير اللواء كمال مدحت بعبوة ناسفة لحظة خروجه من مخيم المية ومية في منطقة صيدا، حيث أكدت التقارير في حينة بأن العبوة من النوع المتطور جدا، وبقي اغتياله لغزا وسط اتهمات متبادلة، طالت في بعض جوانبها أبناء البيت السياسي والعقائدي الواحد.
كما أن عام 2009 سجل توقيف 387 شخصاً في منطقة الجنوب بجرم تعاطي وترويج المخدرات، من بينهم 295 موقوفا في منطقة صيدا وحدها، مع الإعلان عن أن ظاهرة تعاطي وترويج المخدرات هي ظاهرة متفشية في منطقة صيدا وذلك بسبب عدم تعاون الأهالي في هذا الموضوع نتيجة عدم رغبة البعض بالاعتراف بوجود المشكلة من أساسها من جهة، ونظرا للظروف الأمنية والسياسية التي تحول دون دخول القوى الأمنية الى المخيمات الفلسطينية.
وكشف عن هذه الأمور رئيس مكتب مكافحة المخدرات الإقليمي في الجنوب الرائد هنري منصور والذي توقف عند ظاهرة تعاطي الهيرويين في منطقة صيدا لافتا الى انه تم مؤخرا توقيف ستة اشخاص في المدينة القديمة بتهمة التعاطي والترويج للمخدرات، مشيراً إلى أن هناك بعض الأشخاص ضبطت بحوزة احدهم 160 غراما من الهيرويين، وهي المرة الأولى التي يتم فيها ضبط هذه الكمية في الجنوب.
بيئياً
وعلى الصعيد البيئي عام 2009 بقي القديم على قدمه، ولم يتحرك قيد انملة ،لا سيما وضع مكب جبل النفايات الذي بقي جاثما على صدور الاهالي ملوثا للجو وللتربة في آن، وبقي راسخا في مكانه يتضخم بنفاياته التي ترتفع يوما بعد يوم، مرسلاً كتله التي تهوي في البحر بشكل شبه يومي لتتسبب بملوثات خطيرة على الثروة السمكية والبيئة البحرية بشكل عام. ولم يحسم العام المنصرم أي حل نهائي لهذا المكب الجبل في الأفق البعيد ولا القريب، وبقيت اللقاءات البيئية التي عقدت على أثر الحمى الانتخابية، مجرد لقاءات بحثت في مروحة حلول لم يجر تبني إحداها بشكل نهائي بعد. وحتى السنسول الذي يتم الحديث عنه كحاجز مائي تبقى أكثر الطروحات تفاؤلا تشير إلى انه لو بوشر العمل ببناء الحاجز المأمول اليوم، فانه لن ينجز إلاَّ بعد نحو اربع سنوات. وحتى النائبة بهية الحريري والنائب فؤاد السنيورة اكدا على هذه المعادلة مؤخرا، مشيرين إلى أنه يوجد أكثر من 25 مليون دولار مخصصة لايجاد الحلول للمعضلة البيئية الأساس في المدينة، من بينها هبة الخمسة ملايين دولار المقدمة الى بلدية صيدا من الامير السعودي الوليد بن طلال والمبالغ الأخرى، إضافة إلى مبالغ تتجاوز الـ20 مليون دولار مقدمة من السعودية، كان قد أعلن عنها الرئيس السنيورة في حينه ومن خزينة الدولة اللبنانية...هذا ان قيد لهذه الخطوة النجاح وخطت خطواتها الاولى ان لدى الجهات الرسمية المعنية في وزارت الدولة للبنانية او لجهة ايجاد المكان الملائم في محيط صيدا لاستيعاب الافرازات التي تخرج عن معالجة النفايات.
اما معمل معالجة النفايات الصلبة والعضوية الذي شيد قرب مدخل صيدا الجنوبي فانه لم ينجز حتى عام 2009، ومن غير المعروف متى سيصبح جاهزا لاستقبال النفايات ومعالجتها مع انه كان من المفترض ان يكون منجزا وجاهزا لاستبقال النفايات ومعالجتها عام 2005. ويبقى هذا المعمل موجوداً جنوب المدينة مقتطعاً عقارات عدة ملتصقة بالبحر.. تعتبر من اغلى اسعار الأراضي. وكذلك الأمر بالنسبة لمحطة معالجة مياه الصرف الصحي التي تتجاور ومعمل معالجة النفايات جنوبي المدينة، وهي أيضا لم يجر تشغيلها في خلال العام المنصرم. ومع ذلك، وبالرغم من وجود هذه المحطة فان اكثر من أحد عشر مصباً مصرِّفاً للمياه المبتذلة تصب ما تحمله من نفايات سائلة وآفات وصرف صحي على شاطئ المدينة الرملي وفي مياهه لا سيما قبالة قلعة صيدا البحرية.
تنموياً
وإنمائيا، يبقى موضوع توسيع مرفأ صيدا التجاري والتاريخي في عاصمة الجنوب وحتى إنشاء السنسول البحري مجرد حبر على ورق وامنية عابرة خلال 2009، ولم يلحظ لتاريخه اي موعد للبدء لا بأعمال توسيع هذا المرفق الحيوي، ولا حتى ببناء الحاجز المائي الذي يساعد ويمكِّن السفن التجارية الضخمة من الرسو في حرم المرفأ، مع العلم ان التجارة البحرية في صيدا كانت عبر التاريخ مزدهرة جدا منذ ايام الفينيقيين حين غزت مراكبهم التجارية كل موانئ العالم في ذاك الزمن الغابر.. اما اليوم فتحول مرفأ عاصمة الجنوب إلى مجرد ميناء صيفي صغير، وللسفن المتواضعة في حمولتها والصغيرة بحجمها.... مع ان هناك طروحات قدمت لبناء حوض ضخم وغير ذلك لكنها لم تجد طريقها الى التنفيذ لأسباب وأسباب..
وبالنسبة للطرق الرئيسية والفرعية فإن صيدا لم تشهد خلال 2009 اية عملية لتوسيع او استحداث طرق فيها مع حاجتها الحيوية الماسة لهذه المرافق نظرا لما تشهده من ازمات سير خانقة .. اضافة الى ان العمل في شق طريق السلطانية وتوسيعها لم يبدأ بعد انطلاقا من شمال صيدا وصولا الى محلة القياعة وحتى مستديرة القناية صيدا وحارة صيدا مع العلم بأنه كان هناك وعوداً ببدء العمل فيها خلال عام 2009. وكذلك الامر بالنسبة لجسور المشاة على بوليفار الدكتور نزيه البزري (الشرقي سابقا) حيث تفتقر مدينة صيدا لهذا النوع من الجسور، خاصة في منطقة تواجد المدارس وهي بحاجة ماسة له بسبب الحوادث المميتة التي تتسبب بها لا سيما وان هناك قراراً بلدياً بإنشاء هذا الجسر.. لكنه لم ينفذ؟.
ولجهة الوضع السياحي فقد شهدت عاصمة الجنوب في 2009 حراكا في هذا المضمار لم يبلغ المستوى الذي بلغته المدن اللبنانية الاخرى لا سيما ان مدينة عريقة كصيدا عابقة بالتاريخ وموغلة في القدم وبين ثناياها كل الحضارات والمعالم التي سادت العالم في تلك الازمان ..ومع ذلك فإن الحركة السياحية فيها بقيت متواضعة لأكثر من سبب وسبب وكأن «قطبة» مخفية في هذا المضمار يعرفها القيمون على المدينة تمام المعرفة تحول دون تطوير هذا القطاع رغم ما يختزنه المدينة من مقومات سياحية وأثرية وتاريخية جاذبة.. ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر كل تلك ألآثارات القديمة والعمارة التاريخية الجميلة والمعتقة والخانات الأثرية التي أعيد إحياؤها ومعها الأزقة التاريخية التي رممت بما يتماشى مع حاجة السكان والأهالي فلم تهجر وتتحول إلى أطلال بل ازدهرت بطريقة حافظت فيها على نبضها الشعبي بطريقة جميلة على الصعيد الترميمي..في المقابل تفتقر صيدا إلى فندق سياحي بخسمة نجوم أو حتى بأربعة أو ثلاثة نجوم.. بل يوجد فيها فندقان لا يتجاوز عدد غرفهما الـ 15 غرفة مجتمعين، وتكمن أهميتهما في أنهما تاريخيان ومبنيان على الطراز القديم من الحجر الرملي والعقد. في المقابل، شهدت صيدا عام 2009 مهرجانات فولكلورية وفنية وتراثية لبنانية وفلسطينية كبيرة ومتنوعة أهمها مهرجانات شهر رمضان التي احيتها وتحييها البلدية في حارات وساحات المدينة القديمة وعند تخوم القلعة البحرية ورصيف ميناء الصيادين، إضافة إلى المهرجانات التي نظمتها مؤسسة الحريري، في ردهات وباحات خان الافرنج التاريخي في المدينة القديمة، والتي استمرت لأيام وايام وتخللها عروض لبنانية وفلسطينية فنية وتراثية جامعة.
وشهد عام 2009 في صيدا عرسا جماعيا كبيرا تم تنظيمه في احتفال شعبي ضخم في الملعب البلدي للمدينة تحت حيث زفَّ 64 ثنائياً من اللبنانيين والفلسطينين والذين يعانون من اوضاع معيشية صعبة.
ولأهالي صيدا ومواطنوها حصتهم من الأزمة الاقتصادية التي أرخت بظلالها وثقلها أكثر وأكثر عام 2009 عنه في الأعوام السابقة، في ظل غض طرف رسمي عن تحقيق الإنماء المتوازن الذي تقع آثار تغييبه على المناطق الواقعة خارج خارطة حدود العاصمة