صيدا – رأفت نعيم
لم تكن السنوات الخمس التي أمضاها على رأس محافظة لبنان الجنوبي سهلة على رأس الهرم الاداري في الجنوب ، لما حفلت به هذه السنوات من تطورات وأحداث ومحطات بالغة الدقة والخطورة ، استلزم التعاطي معها ومع تداعياتها أعلى درجات الحكمة والمرونة حيناً ، والحزم والتشدد في فرض النظام والقانون أحياناً كثيرة ..
كان على محافظ الجنوب المنتهية ولايته العميد مالك عبد الخالق أن يجمع في تأديته للمهمة التي انتخب من أجلها في العام 2005 بين الادارة السليمة للإستحقاقات الكبرى ، وبين التعاطي بحكمة ودراية شديدين مع الأزمات ، ويتابع تفاصيل الأمور بما مكنه من معالجة كل ما طرأ من أحداث أو الخروج على الأقل بأدنى حد من تأثيراتها السلبية على منطقة هو مسؤول عنها تجتمع فيها كل عوامل الإختلاف التي كثيرا ما كانت تؤدي الى خلاف ، وكل عوامل التفجير داخليا كان أم طارئا من الخارج ..
لم يمض شهر واحد على تسلمه مهامه في محافظة لبنان الجنوبي في العام 2005 حتى بدأ لبنان السير على درب الآلام التي كان بدايتها زلزال اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما رافقه وتلاه من تداعيات سياسية وأمنية واقتصادية .. فكان على العميد مالك عبد الخالق الآتي من السلك العسكري – الأمني أن يدير مرحلة حافلة بالأزمات ، كانت عاصمة الجنوب صيدا هي عاصمتها ، أو المتلقف لتداعيات وآثارها ونتائجها ، وفي كلتا الحالتين كان عليه أن يقوم بدور الإطفائي حيناً ولا سيما على خط الموازنة في العلاقة بين الأفرقاء السياسيين في ذروة التوتر السياسي في البلاد، أو يقوم بدور قائد غرفة العمليات حينا آخر ليقدم – كرئيس لمجلس الأمن الفرعي في الجنوب - الصورة الأفضل لأجهزة الدولة الادارية والأمنية والعسكرية سواء كان ذلك وهي تتصدى لمحاولات العبث بالأمن والاستقرار في الداخل ، أو وهي تواكب وتتلقى وتستوعب وتمتص الضربات التي تلقاها الجنوب في العدوان الاسرائيلي في تموز من العام 2006 ..
نجح المحافظ –العميد الى حد ما في تقديم هذه الصورة ، واجتياز مرحلة التبدلات في المواقف والرؤى ومرحلة المواجهات من خلف المتاريس السياسية، ومرحلة المراهنات الاسرائيلية على سقوط آخر خطوط الدفاع عن الجنوب بمحاولة العدو ضرب الجنوب بأهله بأضخم عملية تهجير قسرية منه الى عاصمته صيدا، فخسر العدو الرهان وربحت صيدا وربح الجنوب ..
اما اداريا ، فيكفي أن يمر في تلك السنوات الخمس استحقاقان انتخابيان بهدوء ونجاح في مثل الظروف التي أجريت فيها الانتخابات النيابية عامي 2005 و2009 حتى يسجل للمحافظ عبد الخالق والطاقم الاداري في المحافظة نجاحهم في تمثيل الجهة الرسمية على أكمل وجه في مجال حسن ادارة العملية الانتخابية .
حوار مع الطلاب
يوم مغادرته مكتبه في سراي صيدا الحكومي في السابع من كانون الثاني- والذي يصادف ايضاً وللمفارقة عيد ميلاده الرابع والستون- ، كان الموعد مع تلامذة مدرسة الحاج بهاء الدين الحريري الذين حضروا لوداعه وتوجيه الشكر اليه بإسم طلاب صيدا على تفانيه في تأدية المهمة التي أوكل بها ، فأجاب عبد الخالق على أسئلة الطلاب وتساؤلاتهم حول الفترة التي أمضاها محافظا للجنوب والتي تركزت في معظمها حول طريقة ادارته لتلك المرحلة بكل ما حفلت به من أحداث ..
بلغة الواثق والمطمئن ومرتاح الضمير والى جانبه " ناسك " الإدارة " في الجنوب أمين سر المحافظة نقولا بوضاهر والمشرف العام في مدرسة البهاء نبيل بواب ، أبدى عبد الخالق رضاه عن أدائه كمحافظ طيلة السنوات الخمس ، وقال انه قام بما عليه على صعيد تنفيذ سياسات الدولة الادارية وفي التوصل الى صيغة تعاون منتجة مع السلطات المحلية ممثلة بالبلديات والمجالس الاختيارية والمصالح والدوائر الرسمية .

وأضاف: تعاونا كذلك مع الفعاليات السياسية دون استثناء في الحفاظ على هذه المدينة وابقائها هادئة بعيدا عن التوترات والمشاكل ، وليس لنا في ذلك فضل فصيدا مدينة كبيرة لكنها أشبه بضيعة تمتاز بالألفة والمحبة وأهلها ناس طيبون يحافظون على العلاقات الاجتماعية ويحرصون على التواصل خاصة ابان المحطات الصعبة، وتكاد تكون المشاكل التي شهدتها المدينة هي الأقل في لبنان مقارنة مع بقية المناطق طوال الفترة الماضية ... ويكفيني أنني أخرج من صيدا والجنوب مرتاح الضمير ولست على خلاف مع أحد..صحيح أن لصيدا صيغة فريدة في التنوع وفي اختلاف الآراء والتوجهات الا أن ذلك شكل ولا يزال غنى لعاصمة الجنوب ، والاختلاف أو الخلاف كان يبقى في اطاره السياسي وهذا أمر صحي .
وقال : لقد استطعنا بفضل حكمة فاعليات المدينة وكل الفاعليات الجنوبية وبجهود الاجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية في الجنوب أيضاً من أن نبقي هذه المنطقة هادئة ورايقة فاجتزنا عدة قطوعات بسلام .
اما وصيته لطلاب صيدا ، اضاف المحافظ عبد الخالق فهي أن تحبوا مدينتكم وتحافظوا عليها ، وتساهموا دائما كما اعتدتم في حيويتها من خلال مثابرتكم على تحصيل العلم والتميز فيه وعلى الأنشطة التي تعطي زخما للحياة فيها .
 وقبل أن يختم كلماته هذه اشار عبد الخالق بيده الى صور المحافظين السابقين المعلقة في ردهة مكتبه وقال ممازحاً .. صورتي ستعلق الى جانب هؤلاء المحافظين الذين سبقوني في الادارة هنا وكل منهم ترك بصمة ايجابية فأتمنى أن أكون قد اضفت بصمة مماثلة ..
وبعد اللقاء اصطحب المحافظ عبد الخالق الطلاب في جولة على مكاتب رؤساء الأقسام والدوائر في المحافظة معرفا اياهم على عملها والمهام التي تقوم بها .