×

برّ الأم في الحياة وبعد الممات

التصنيف: تقارير

2013-03-21  02:19 م  1162

 

 بقلم/  الشيخ جمال الدين شبيب

الدنيا أم.. نعم ما أجملها من كلمة نرددها فتسعد بها قلوبنا ونُسعد بها أمهاتنا .. فحقها علينا كبيرفي الحياة وبعد الممات.
ورحم الله الشاعر حيث قال:
لأمك حق عليك لو علمت كثيرُ *** كثيرك يا هذا لديه يسيرُ
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي *** لها من جواها أنّة وزفير
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها *** وما حجرها إلا لديك سرير
وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها *** حناناً وإشفاقاً وأنت صغير
فدونك فارغب في عميم دعائها *** فأنت لما تدعوه إليه فقير
أيها الأخوة
إن التاريخ  لا يعرف ديناً ولا نظاماً كرَّم المرأة بإعتبارها أماً, وأعلى من مكانتها مثلما جاء بهِ دين محمد صلى الله عليهِ وسلم الذي رفع من مكانة الأم في الإسلام وجعل برها من أصول الفضائل,  كما جعل حقها أعظم من حق الأب لما تحملته من مشاق الحمل والولادة والإرضاع والتربية، وهذا ما يُقرره القرآن ويُكرره في أكثر من سورةٍ ليثبِّته في أذهان الأبناء ونفوسهم.
ومن أعظم الأدلة على مكانة الأم في الإسلام الحديث النبوي الشريف الذي يروي قصَّة رجلٍ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله: من أحق الناس بصحابتي يا رسول الله؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أبوك».
ويروي البزار أن رجلاً كان بالطواف حاملاً أمه يطوف بها, فسأل النبي صلى الله عليه واله وسلم هل أديت حقها؟ قال: «لا, ولا بزفرة واحدة» ! .. أي من زفرات الطلق والوضع ونحوها.
وبر الأم يعني: إحسان عشرتها, وتوقيرها, وخفض الجناح لها, وطاعتها في غير المعصية, وإلتماس رضاها في كل أمر, حتى الجهاد, إذا كان فرض كفاية لا يجوز إلا بإذنها, فإن برها ضرب من الجهاد.
ومن الأحاديث النبوية الدالة على مكانة الأم في الإسلام قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو, وقد جئت أستشيرك, فقال: «هل لك من أم؟» قال: نعم، قال: «فالزمها فإن الجنة عند رجليها».
وقد كانت بعض الشرائع تهمل قرابة الأم, ولا تجعل لها إعتباراً, فجاء الإسلام يوصى بالأخوال والخالات, كما أوصى بالأعمام والعمات، ومن الأحاديث الدالة على ذلك أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال: إني أذنبت, فهل لي من توبة؟ فقال: «هل لك من أم؟» قال: لا، قال: «فهل لك من خالة؟»، قال: نعم، قال: « فبرها ».
ومن عجيب ما جاء به الإسلام أنه أمر ببر الأم وان كانت مشركة, فقد سألت أسماء بنت أبى بكر النبي صلى الله عليه وسلم عن صلة أمها المشركة وكانت قدمت عليها, فقال لها: «نعم, صلي أمك».
ومن رعاية الإسلام للأمومة وحقها وعواطفها أنه جعل الأم المطلقة أحق بحضانة أولادها تقديراً لمكانة الأم في الإسلام, وأولى بهم من الأب، حيث قالت امرأة يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني, وأراد أن ينتزعه مني! فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أنتِ أحق به ما لم تنكحي».
والأم التي عني بها الإسلام كل هذه العناية, وقرر لها كل هذه الحقوق, واجب عليها أن تحسن تربية أبنائها, فتغرس فيهم الفضائل, وتبغضهم في الرذائل, وتعودهم على طاعة الله, وتشجعهم على نصرة الحق, ولا تثبطهم عن الجهاد, إستجابةً لعاطفة الأمومة في صدرها, بل تغلب نداء الحق على نداء العاطفة.
ولقد رأينا أماً مؤمنة كالخنساء في معركة القادسية تحرض أبنائها الأربعة, وتوصيهم بالإقدام والثبات في كلمات بليغة رائعة, وما أن انتهت المعركة حتى نعوا إليها جميعاً, فما ولولت ولا صاحت, بل قالت في رضا ويقين: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم في سبيله !!
عطف الأم ليس له حدود ... تحكي إحدى المرويات عن أبن أراد أن يتخلص من امه العجوز فحملها على كتفه وذهب بها إلى احدى الجبال ليتركها تموت هناك وفي طريقه كان يمر وسط غابات وأشجار وطرق متشعبه وكانت امه وهي على ظهره تقطع أغصان الأشجار واوراقها وترميها في الطريق ... فترك الأبن أمه فوق الجبل وهم بالعوده ولكنه توقف حااااااااااائرا فقد ادرك انه ضل الطريق ... فنادته أمه بلطف وحنان وقالت له: يآبني خوفاً عليك من ان تضل في طريق عودتك كنت أطرح الاغصان والاوراق في الطريق لتتبع آثارها ولتصل بالسلامه أرجع يآبني فترقرقت الدموع من عيني الإبن ورجع الى نفسه وحمل أمه الى البيت مكرماً إياها . ياللعجب هو يفكر في موتها وهي تفكر في سلامته... سبحان الله ماأعظم قلب الأم
وبر الأم لا يكون في حياتها فقط بل يمتد لما بعد الموت.. لقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر وبيَّن نادباً إلى أنَّ مِنْ بِِرِّ الوالدين بعد موتهما الدعاء لهما والتصدق عنهما وصلة رحمهما وإكرام أصدقائهما،
 فقد روى أبو داود عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ:
 هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: "نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا".
وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"، قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم: قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَى الْحَدِيث: أَنَّ عَمَل الْمَيِّت يَنْقَطِع بِمَوْتِهِ، وَيَنْقَطِع تَجَدُّد الْثوَاب لَهُ، إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة؛ لِكَوْنِهِ كَانَ سَبَبهَا؛ فَإِنَّ الْوَلَد مِنْ كَسْبه، وَكَذَلِكَ الْعِلْم الَّذِي خَلَّفَهُ مِنْ تَعْلِيم أَوْ تَصْنِيف، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة الْجَارِيَة، وَهِيَ الْوَقْف ...وَفِيهِ أَنَّ الدُّعَاء يَصِل ثَوَابه إِلَى الْمَيِّت، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة، وَهُمَا مُجْمَع عَلَيْهِمَا ...أهـ.
ومما ندب إليه صلى الله عليه وسلم وعدَّه من البِرِّ بهما؛ صلة أرحامهما وأحبابهما وأصدقائهما،
 كما روى مسلم أيضاً وأبو داود عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:َ "إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْمَرْءِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ"،
 قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم: وَفِي هَذَا فَضْل صِلَة أَصْدِقَاء الْأَب وَالْإِحْسَان إِلَيْهِمْ وَإِكْرَامهمْ، وَهُوَ مُتَضَمِّن لِبِرِّ الْأَب وَإِكْرَامه؛ لِكَوْنِهِ بِسَبَبِهِ، وَتَلْتَحِق بِهِ أَصْدِقَاء الْأُمّ وَالْأَجْدَاد وَالْمَشَايِخ وَالزَّوْج وَالزَّوْجَة، وَقَدْ سَبَقَتْ الْأَحَادِيث فِي إِكْرَامه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَائِل خَدِيجَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا...أهـ
الثانية اعلموا أيها الأحبة  أن من عق أمه  فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة ولا يقبل منه عمل.
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله ** قال: (ثلاثة لا
ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن  الخمر، والمنان)، وثلاث لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه،
والديوث، والرّجلة) رواه النسائي والحاكم.
هذا رسول الله يأتي يأتي عام الحديبية وقد مر بالأبواء حيث دفنت
أمه ومعه أصحابه فيذهب لزيارة قبرها فيبكي ويبكي من حوله  فيقول: (استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي،
وأستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها  تذكر الآخرة) رواه مسلم.
وهذا يحيى عليه السلام يحوز  ثناء الله تعالى ويمدحه بوصفه عظيم البر وبرا بوالديه  ولم يكن جبارا عصيا.وقد ذكر الله سبحانه دعاء الأنبياء  لوالديهم في غير ما آية من كتابه الكريم،
 ومن ذلك دعاء  نوح رب أغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا .  ومن دعاء  إبراهيم ربنا أغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، ومن عظيم البر لسلفنا الصالح.
وكان أبو هريرة (ر) إذا أراد الخروج وقف على باب أمه فيقول: السلام عليك يا  أماه، فتقول: وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، فيقول رحمك الله كما ربيتني صغيراً، فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيراً. وهذا محمد بن المنكدر رحمه الله كان يضع خده على الأرض ثم يقول لأمه: ضعي قدمك على خدي. وكان الإمام زين العابدين من أبر الناس  بأمه وذلك لأنه لا يأكل معها في صحنه وعندما قيل له في  ذلك قال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما تشتهيه فأكون قد عققتها.
 اللهم اجعلنا من الأبناء البررة الذين يبرون آباءهم وامهاتهم في الحياة وبعد الممات.. واختم بالصالحات أعمالنا ..آمين
 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا