×

جــدتــي !..

التصنيف: تقارير

2013-03-22  02:19 م  578

 

 جــدتــي !..

... كانت في أول شهرها التاسع عندما جاء في حُلمها رجلٌ طويلٌ يضع نظارات سوداء وقبعة وله تفاصيل تشبه أخ زوجها الذي لم تعرفه ولم تقابله في حياتها لأنّه مات في حادث سير في مكان عمله  قبل أن تتزوج من أبي . عندما وصفت أمي ذاك الرجل ، اغرورقت عينا جدتي بالدموع بل كرّت على خدّيها ، وتنهّدت تنهيدة طويلة وقويّة إستذكرت فيها ولدها البكر الذي خسرته في عز شبابه وشبابها ، والذي كان بمثابة سنداً لها وصورة عنها . وطلبت من والدتي أن تمنحني الإسم ذاته الذي كان يحمله ولدها البكر ، وللمصادفة كنتُ البكر في العائلة ،أنا أيضاً ...

جئت إلى هذه الدنيا حاملاً معي فرحاً وسعادة كبيرة للعائلة حتى أصبحت الولد المدلّل في العائلة ، ولم أكن أنزل من يدي جدتي حتى تتلقفني أيادي عماتي وأعمامي ، ولكن الحضن الكبير والعاطفة الجيّاشة والرعاية الحنونة كانت من الجدّة الجميلة الرائعة والمميّزة .

لم تكن جدتي متعلّمة ولكنها كانت محبّة للعلم مما أسهمت في بناء عائلة متعلمة كان لها دور مهم في المجتمع ، كانت تتابع التفاصيل كلها صغيرة كانت أم كبيرة ،  وكانت تصر على أبنائها أن علّموا أولادكم ، لأن السلاح الحقيقي في هذه الحياة هي الشهادة التي سيحملونها في المستقبل .

جميلة من الجميلات ، لها بشرة بيضاء ناعمة كنعومة الحرير ، وعينان زرقاوان صافيتان ترى من خلالهما صفاء روحها وطيبة قلبها وحبها لعائلتها ، ولي أنا خصوصاً . فمها الصغير لا يخرج منه غير الكلام المنمّق والذي له قيمة ، فكانت من أصحاب خير الكلام ما قلّ ودل ، فلم تكن تخرج كلمة من فمها إلاّ في مكانها وزمانها ، الكلمة الطيبة كانت تلازمها دائماً ولم تبخل بها على أحد ... يداها الرقيقتان الناعمتان فيهما رائحة وعبق السنين ، وفي وجهها تجاعيد محفور بداخلها ألم العمر الذي ذهب قهراً وعذاباً على فراق بكرها إلاّ أنّ مسحةً من الفرح طغى قليلاً وذلك بوجودي معها  وبقربها.

أحبتني كثيراً وأحببتها أكثر ، تعلّقَتْ بي وتعلّقتُ بها ، وأصبحنا على موعد مع أرواحنا كلّ يوم .

في سنتها الأخيرة ، كانت تطلب مني أن أبقى بجانبها دائماً ، فكانت تمسك بيدي وتشد عليها بما أوتيت من قوة ضعفها وتتمتم وتحرك شفتيها ، إقتربت منها مرة لأسمعها تقول :"الحمدلله الذي وهبتنا هذا الحفيد الذي خفّف قليلاً من عذابي وألمي على فراق بِكري ، واللهم اجعل أيامه جميلة وحسنة " لقد كنتُ مميّزاً عندها لأنها كانت ترى بي فرحها الذي فقدته ، وكنت أرى بها الحنان والعطف والحب والرعاية بالإضافة لحنان وعطف والدتي ... 

جدتي ... لقد تزوجتُ وعندي ولدان ، وكم كنتِ ترغبين أن تري أولادي . فأنت الأن في ذاكرتنا وحياتنا لأنهم يعرفون عنك الكثير وعن عطفك وحبك لوالدهم ويترحمون عليك .  جدتي لقد اشتقتُ إليك كثيراً واشتقتُ لحضنك الدافىء الحنون واشتقتُ لكلمة "ستي" ... كم أفتقدك !

 
خليل إبراهيم المتبولي

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا