سامر زعيتر:
انتشار المقاهي، سمة العصر الحالي، بحيث لم تعد تخلو أي زاوية منها، ولكن انتشارها في الآونة الأخيرة بين الأحياء السكنية وبكثافة في مدينة صيدا، بات أمراً ملفتاً، الأمر الذي يستدعي معه التوقف والتمعن...
انتشار للمقاهي، كان في الماضي مقتصراً على طول امتداد الواجهة البحرية لمدينة صيدا، أو بما يعرف بالكورنيش البحري الجديد والقديم، أي بوليفار الشهيد الرئيس رفيق الحريري البحري...
ورغم أن ظاهرة المقاهي كانت منتشرة في وسط المدينة القديمة، وتمكنت من الحصول على شهرة كبيرة، مثل «مقهى الزجاج» داخل صيدا البلد، و«مقهى حمادي» عند «خان الإفرنج»، لكن التوسّع العمراني لمدينة صيدا استدعى انتقال بعضها إلى داخل أحياء صيدا الحديثة، فضلاً عن واقع البلدة القديمة والمخاوف الليلية التي لا تخفى على أحد...
«لـواء صيدا والجنوب» يُسلط الضوء على ظاهرة انتشار المقاهي في الأحياء السكنية لمدينة صيدا...

إعادة تموضع
من الشاكرية إلى ساحة النجمة، كانت المنطقة ولا زالت، تعج بالمقاهي، حيث «مقهى العمال» الذي اتخذ مع الشهيد معروف سعد مكاناً لإلقاء الخطب السياسية، وإن كان هذا الدور يتجدد في ذكرى استشهاده، فإن العديد من المقاهي على طول الواجهة البحرية وخصوصاً في منطقة رجال الأربعين لا زال يعج بالرواد.
 وعلى مقربة من ذلك، فإن المقاهي المنتشرة بالقرب من ساحة النجمة بدأت بالتوسع، ففي الوقت الذي لا يزال «مقهى العز» يأخذ من أيام العز عنواناً له، فإن «مقهى الشرق» يحظى بدوره بشعبيته المعهودة، والى جواره عدد من المقاهي، وإن تبدّلت أسماؤها ليتخذ «الملك» عنواناً جديداً له في بناية الأندلس، فيما نجد اتساع المقاهي داخل حي الست نفيسة ظاهرة ملفتة، وخصوصاً «مقهى حمادي» المنتقل من قلب البلد الى داخل الست نفيسة وتحديداً في «بناية دندشلي» فوق سنتر أبو دراع، والذي اتخذ لوناً سياسياً بولائه لآل الحريري، إضافة الى الاهتمام بتقديم نرجيلة العجمي دون سواها.
العجمي دون المعسّل
{ صاحب «مقهى حمادي» جمال سوسان قال: «تم فتح المقهى منذ 11 عاماً، حيث انتقل المقهى من مكانه السابق مقابل «خان الافرنج» بعد وفاة والد صاحب المقهى، الذي كان مشهوراً بما يُقدمه من خدمات وخصوصاً الليموناضة الصيداوية المميّزة والنرجيلة العجمية، وانتقل نجله الى هنا، كي يكون المقهى مُخصصاً لمن يرغب بتدخين نرجيلة العجمي فقط، وليس المعسل، لأن العجمي لديه تاريخياً نكهة خاصة توارثتها الأجيال في مدينة صيدا، كما أن ضرره أقل من ضرر المعسل، إضافة الى كثافة نسبة الدخان الصادر عن المعسل والذي يعشّق بالثياب، فتم اختيار هذا المكان كونه لا يقع على الطريق العام مباشرة، بل هو في الطابق الثاني، إضافة الى أن المكان لديه ترخيص سابق بمزاولة المهنة، مما سهّل علينا فتح هذا المقهى».
وعن أسباب انتشار المقاهي، قال: «هناك العديد من الناس يرتادون المقهى لأنهم دون عمل، فيفضّلون الجلوس في المقاهي بدلاً من الجلوس في المنزل، والجزء الأكبر من الناس يأتون للتسلية، ولدينا رواد من كل الألوان السياسية، رغم إننا لدينا خط سياسي معروف وهو انتماؤنا الى آل الحريري و«تيار المستقبل»، لكن نجد أن رواد المقهى من عدة ألوان سياسية، وإن كانت غالبيتهم تنسجم مع تفكيرنا وانتمائنا».
وختم سوسان: «ما يميّز المقهى أن المشرف عليه هو المعلم حسان حمادة، المتخصص في صنع النرجيلة العجمية، كما أنه يهتم بنظافتها ونظافة «النبريج»، إضافة الى أن الليموناضة والزهورات والشومر والقرفة والزنجبيل والقهوة التي تقدم مميّزة جداً، وأسعارها مدروسة وفي مُتناول الجميع، كما أننا نُحافظ على الهدوء، لأن رواد المقهى لديهم مستوى من الثقافة الكافية التي تجعلهم يحافظون على هدوء المكان، ونحن بدورنا نؤكد أهمية ذلك للزبائن».
إصلاح عيوب المقاهي
{ بدوره صاحب «مقهى السلطان» محمد الأنبوعية «أبو عمر» أوضح «أنه فتح المقهى منذ شهرين في حي الست نفيسة، وكان في السابق يعمل في مقهى على نهر الأولي، وعمل سابقاً في «مقهى العز» بالقرب من ساحة النجمة، وكذلك في صيدا القديمة، ولكن بسبب كثرة المشاكل في صيدا القديمة، فإن العديد من المقاهي باتت تقفل باكراً، فيما اختيار مناطق مرتفعة الثمن لا يحقق هدف الربح، لذلك اختار هذا الحي الهادئ الذي لا يوجد فيه عدد كبير من المحال تفتح ليلاً، وقد قمت باطلاق الدعوة لفتح المحل من خلال الـ «فايسبوك» والـ «واتس أب».
وعن المزايا التي يقدّمها المقهى، قال: «لقد قمت باصلاح العيوب في مختلف المقاهي، فوضعت 4 أجهزة تلفزيون ليتمكن الرواد من مشاهدة ما يحبون، وعدم الاقتصار على تلفاز واحد كما هو الحال في سائر المقاهي، وكذلك قمت بتركيب ساحب للهواء فوق كل طاولة كي لا يصبح المقهى غيمة من السحاب بفعل دخان المعسل، إضافة الى تركيب أجهزة للإنترنت، وإضافة مختلف أنواع العصائر الطازجة والحلويات على أنواعها، فضلاً عن تقديم الوجبات والسندويشات الخفيفة، وإمكانية مُمارسة بعض الألعاب مثل رمي الأسهم واستخدام الكومبيوتر في التباري، وبالتالي يتمكن الرواد من قضاء وقت ممتع ومتنوّع، حيث أن الزبائن لدينا من مختلف القطاعات سواء من طلاب الجامعة أو من الموظفين أو أصحاب المهن المستقلة، كما أن الأسعار مدروسة جداً وهي تتناسب مع أوضاع مدينة صيدا الاقتصادية».
وعن أسباب ترك المقاهي لمدينة صيدا القديمة وانتشارها في شوارع بين الأحياء السكنية في المدينة أشار إلى «أننا نرى حالياً نسبة جيدة من الاقبال في المقهى، لأن المقاهي داخل صيدا القديمة لا يتم ارتيادها ليلاً بسبب الأوضاع الأمنية وانتشار ظاهرة المخدرات، الأمر الذي جعل حتى إبن البلد يختار الخروج الى مقاهي خارج صيدا القديمة، كما أن المقاهي أصبحت مجالاً للتعارف بين مختلف الناس، ونحن نحرص على تأمين الهدوء وعدم ازعاج الأهالي لأننا في منطقة سكنية ونعمل في نفس الوقت على حل أي إشكال بين الزبائن أنفسهم».
لقاء الأصدقاء
أما الزبائن، فإن لكل منهم غايته في ارتياد المقهى، ولكن وإن كان تناول النرجيلة والمشروبات على أنواعها أمر محفّز للشباب والكبار في السن، يبقى لعب الورق أو الزهر السمة الغالبة على المكان، إضافة الى مشاهدة مباريات كرة القدم وكذلك الأفلام.
{ وفي ذلك أشار درويش البابا إلى «أن سبب ارتياده الى المقهى هو «مقاهرة البركة وتخسيره».. فيما يؤكد صديقه محمد البركة «أن ذلك أمر بعيد المنال، لأنه ليس هناك كبير في لعبة الورق، فيوم لك ويوم عليك، والأهم من ربح أي جولة هو الجلوس مع الأصدقاء والاستمتاع بقضاء الوقت».
المزاح ما بين الأصدقاء لا يخلو من التعصيب، ولكن كل ذلك يزول ما أن تنتهي اللعبة، ليأتي يوم آخر، وربما الانتقال إلى مشاهدة مباراة بين فرق متنافسة، غير أن الغاية المبتغاة من كل ذلك تبقى السعادة بلقاء الأصدقاء وعدم اضطرارهم لدفع مبالغ كبيرة مقابل الحصول عليها في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يُعاني منه الجميع، لتبقى المقاهي الملاذ الأفضل للشباب، وربما يسهم في الوقت نفسه بابعادهم عن الموبقات.