ثريا حسن زعيتر:

ليس حرام أن يُولد الطفل في منطقة شعبية فقيرة، لكن المعيب أن لا يلقى اهتماماً من الدولة وهيئات المجتمع المدني والجمعيات الإنسانية والاجتماعية، لأنه من حق الطفل اللعب بسلام، والعيش بأمان، وتحقيق طموحاته وبناء شخصيته بشكل سليم، بعيداً عن أي خوف ويأس وانحراف، لأنه في نهاية المطاف هو الأمل في بناء مستقبل الوطن...
وسط الظروف الصعبة، وفي المناطق الأكثر شعبية، وفي زمن الخوف واليأس، وغمرة المشاكل الضاغطة، انبرت بعض الجمعيات لتحقيق هذا الهدف النبيل، فتحوّلت إلى شعلة أمل تلوح في أفق الحياة، رافعة شعار: «العمل الاجتماعي»، حيث يقوم متطوّعون صادقون، برعاية هؤلاء الأطفال، يغارون على النشء والمجتمع، يعملون على إنارة الظلمة في طريقهم، إنهم محبو الطفل ومنقذوه.. رعاة الحلم ومظهروه.. قاعدة السلام وناهضوه، فيبقى الأمل ببقاء فئة من أهل الوعي تنتفض من بين ركام الجهل من أجل أن تضع الأساس الصحيح لإرساء قواعد العلم والبناء...
في منطقة تعمير عين الحلوة، الأكثر شعبية وفقراً، ولدت «جمعية مكتبة أطفال صيدا» -  «روضة البهاء» التي غطت منطقتي صيدا القديمة وتعمير عين الحلوة، اللتين عانتا حرماناً طويلاً وإهمالاً متعمّداً، فكانت شعاع نور وسط ظلام دامس...
«لــواء صيدا والجنوب» توقف عند أهداف الجمعية ونشاطاتها والتقى المشرفة عليها هلا وهبي...

التأسيس والنشاطات
تأسست «جمعية مكتبة أطفال صيدا» في العام 1980 في صيدا القديمة، وتبعها فرع آخر في منطقة تعمير عين الحلوة في العام 1981، وفرع ثالث استحدث أخيراً في منطقة البستان الكبير في صيدا، وانشأت «روضة البهاء» في العام 1995.
احتضنت الجمعية أطفالاً كانوا مُشردين بين الأحياء، فساعدتهم على نسيان مآسيهم، وكان للشباب النصيب الوافي في هذا العمل، تطوّعوا، وعملوا جاهدين في سبيل نجاح العمل، بالرغم من كل المخاطر التي تعرّض لها هؤلاء الشباب من محاولة إحباط، إلى محاولة غرس الفشل في نفوسهم، إلى المشاكل الأمنية التي أحاطت بمبنى المكتبة، الذي كان برعماً، حتى قدر له أن ينمو بفضل الصبر الذي تميّز به المتطوعون والأيادي الخيّرة.
وتقوم الجمعية بسلسلة نشاطات، ومنها: برامج ترفيهية لجمع الأطفال في مراكز الجمعية حيث يبلغ معدل المشاركين في كل دورة حوالى 400 طفل، وتقام كل دورة خلال شهري تموز وآب من كل عام، حيث تقدّم لهم كافة الوسائل والبرامج الترفيهية والتربوية للمساعدة في رفع معنوياتهم من خلال، المطالعة، الرسم، الرياضة، التوعية، الألعاب الجماعية، السياحية وزيارة الطبيعة، والاندماج فيها، واستكشاف أسرارها، إضافة إلى مشروع التقوية المدرسية للتلاميذ بهدف تخطي الصعوبات التي تواجههم في إستيعاب المناهج، والعمل على بناء شخصية الطفل وتوعيته وتنمية قدرات الأطفال عن طريق عرض أفلام تربوية، إقامة مسرحيات تلائم أعمارهم، إقامة مباريات في الرسم والموسيقى والإلقاء، تعليم الأطفال الموهوبين، إقامة معارض إنتاج للأطفال، العمل على تفعيل المشاريع التنموية المتعلقة بالطفل والعمل على محاربة الفقر.
نُعاني عجزاً
المشرفة على «روضة البهاء» هلا وهبي قالت: «إن الجمعية تُشرف عليها مربيات اختصاصيات، ويتم اختيار الأطفال من بيئة شعبية تُعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة، حيث نُؤمّن لهم النقل والطعام، وجبتين: صباحاً وظهراً، ونقوم بإجراء فحوصات بإشراف طبيب مختص، ونحن متعاقدون مع وزارة الشؤون الاجتماعية».
وأضافت: «نتقاضى رسوماً رمزية من الأطفال، لنشعر الأهل بالمشاركة بدعم الجمعية من أجل تسديد بعض الرواتب والمصاريف، فوزارة الشؤون تدفع جزءاً من الرواتب، والجزء الآخر هو على نفقة الجمعية، وهي لا تكفي ودائما نسعى إلى تأمين مصادر مالية من أجل سد العجز، وخاصة اننا أحياناً نعفي الفقراء وذوي الدخل المحدود من دفع أية رسوم».
وتابعت: «إننا نعتمد أسلوب التقسيط المريح كي لا نُرهق كاهل العائلة، ولدينا حوالى 80 طفلاً من عمر سنتين ونصف السنة إلى ثلاث سنوات ونصف السنة، نقوم بتحضيرهم، قبل الدراسة، أي نهيّأهم نفسياً وصحياً، وكل الذين تقدّموا بطلبات إلى المدارس حققوا نتائج ممتازة، على المستوى العلمي والتربوي والأخلاقي والاجتماعي، ولكن نواجه أحياناً مشاكل بالنطق، حيث نقوم بالتنسيق مع «جمعية رعاية اليتيم» في صيدا لأنه يوجد لديهم قسم خاص، ولدينا أربع حالات خاصة، حيث نتعاون كذلك مع مرشدات اجتماعيات من قبل «دار الأيتام الإسلامية» – بيروت، ونعقد اجتماعات شهرياً مع كل العائلات، ونقيم دورات تدريبية مع وزارة الشؤون الاجتماعية، حول كيفية لعب الطفل تربوياً، وإيجاد جو إيجابي، ومع جمعيات أخرى تهتم بحقوق الطفل والمشاكل النفسية».

مغادرة وآمال
وأقرّت بأن «الوضع الأمني في تعمير عين الحلوة، دفعنا إلى المغادرة، بعدما قمنا بافتتاح روضة مُجهزة بأحدث التجهيزات والكتب إلى جانب المكتبة، وحصل الاجتياح الإسرائيلي سابقاً، وحرب الشوارع في التعمير، ثم الحرب الإسرائيلية في تموز 2006، فتهدم جزء منها، وقمنا بإعادة اعمارها، لكن المصيبة الكبرى بدأت عند وقوع الإشكالات بين (عصبة الانصار الإسلامية) و(جند الشام) والجيش اللبناني، فأصبحنا نخاف على الأولاد، لأن المنطقة معرّضة يومياً للاعتداءات اليومية والقذائف، حتى اننا بتنا ننزل الى الملاجئ وأصبحت العائلات تهرب من المنطقة، فقمنا باستئجار مركز خارج تعمير عين الحلوة في منطقة البستان الكبير في صيدا، والآن مستمرون بالعمل، ونقوم بنقل الطلاب من عين الحلوة والجوار في باص تابع للروضة خوفاً عليهم، لأنهم الأكثر حرماناً ومن حقهم اللعب والتعليم والمكان الجيد».
وأكدت «إن هدفنا أن نكون في منطقة شعبية تحتاج إلى رعاية أكثر، فقد كان مركزاً في منطقة التعمير نموذجياَ من جهة المساحة والبناء والتجهيزات، وكلها حديثة، بالرغم من المشاكل والضائقة المالية التي نُعاني منها، لكن علينا بناء روضة كبيرة أو العودة إلى «روضة عين الحلوة» المحتلة بالمهجرين، والتي يسكن فيها حوالى 38 عائلة، ولا نستطيع العودة إليها حالياً، وقد ناشدنا الجميع من أجل العمل على إخلائها، ولكن لم نسمع صدى لصوتنا، لأننا لم نعد قادرين على دفع إيجار المركز الجديد، ونطالب رئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي أن يعطينا قطعة أرض في منطقة الضم والفرز، لنبني عليها روضة جديدة مع حديقة، فهناك أشخاص من الخارج جاهزون للتبرع لنا بتكاليف المبنى، ولكن يجب أن تكون الأرض موجودة، لقد أرهقنا إيجار الروضة الحالي، فنحن نؤمن دفعه من جزء من الأقساط الرمزية المدرسية والتبرعات من المجتمع الصيداوي، ودعم وزارة الشؤون الاجتماعية».