لا تتوقّف الحياة الجنسيّة في سنّ الخمسين كما تفترض أفلام السينما أو الإعلانات، أو الدراسات العلمية القديمة التي ركّزت على الحياة الجنسيّة عند الشباب ولم تعالج مسألة الجنس عند المتقدّمين في العمر. غير أن ارتفاع عدد المتقدّمين في العمر في العالم وطول أمد الحياة، وتوافر الأدوية المنشّطة جنسيّاً في الأسواق حث الباحثين على القيام بدراسات علميّة في شأن العلاقات الجنسيّة عند الذين تجاوزوا الخمسين عاما. وتظهر تلك الدراسات أن الرغبة الجنسيّة تظلّ طيلة الحياة، وأن القلب لا تجاعيد له.

تعتبر الاضطرابات الهرمونية، وفق الاختصاصي في العجز الجنسي والعقم البروفسور رائف رضا، السبب الرئيس للمشاكل الجنسية بعد تجاوز الخمسين من العمر. يعاني نحو 40 في المئة من الرجال فوق الخمسين عاماً، وفق رضا، مرحلة «Andropause» أو الرجل الآسن أو استراحة الهرمون الذكري (تستسترون) الذي ينخفض مع تقدّم العمر وضمور الخصيتين، وهي حالة عضوية وليست نفسيّة. تفرز خلايا «الليدج» الموجودة في الخصيتين نسبة 95 في المئة من هرمون «تستسترون». ويؤثّر الهرمون على القدرة الجنسية والخصوبة ونموّ البروستات وتكوّن العظام. يؤدّي نقص الهرمون إلى ترقق العظام عند الرجال، وخفض الرغبة الجنسيّة ومشاكل في الانتصاب. تساهم عوامل عدّة في انخفاض معدّل هرمون «تستسترون»، ومنها التدخين والمخدرات والكحول. يزيد الإفراط في تناول الكحول من ضمور الخصيتين. وتساهم الإصابة بالسكّري من النوع الثاني، خصوصا في حال عدم تلقّي العلاج، في انخفاض الهرمون الذكري.
وتتركّز العلامات السريرية على التعرّق، قلة النوم، زيادة في الوزن بسبب ارتفاع معدّل هرمون « ليبتين»، والشعور بالتعب والإرهاق بسبب انخفاض الكتلة العضليّة. لم تؤكّد الدراسات العلميّة، وفق رضا، أثر انخفاض هرمون «تستسترون» على الشعور بالاكتئاب. تشمل وسائل التشخيص الفحوص المخبريّة لقياس معدّل الهرمون الذكري، والعلامات السريرية واختبارات التشخيص من أسئلة يطرحها الطبيب على المريض.
يعتمد العلاج، وفق رضا، على وصف الهرمون الذكري التعويضي مع التنبّه من إجراء الفحوص الضرورية قبل بدء العلاج في حال وجود تضخم في البروستات أو صعوبة في التنفس أو ارتفاع في معدّل الدهنيات. ويساعد العلاج في تحسين الحياة الجنسية للرجل.
في المقابل، تظهر النساء بعد فترة انقطاع الطمث (Menopause) تغيرات هرمونية مثل انخفاض هرمون «استروجين»، وجفاف في المهبل وأوجاع أثناء الجماع، وانخفاض في الرغبة الجنسيّة. ويؤدّي نقص هرمون «أندروجين» إلى زيادة وزن البطن، ضمور الكتلة العضلية، والشعور بالقلق والاكتئاب. يشير رضا إلى إمكانية إعطاء الهرمونات البديلة «أستروجين» و«أندروجين» ومتمّمات هرمون «DHEA» لتحسين الحياة الجنسية عند المرأة المتقدمة في العمر مع ضرورة متابعة الطبيب المتخصص، إذ يزيد هرمون «أستروجين» من خطر الإصابة بجلطات دمويّة، أو سرطان الرحم.
تذكر بعض الدراسات العلمية أن النساء يجدن سهولة في التحدّث مع أطبائهن عن حياتهن الجنسية. غير أن رضا يلاحظ أن الرجال المتقدمين في العمر في لبنان هم أكثر إفصاحاً من النساء عن الاضطرابات الجنسية التي يواجهونها.

التنبّه إلى الأمراض
المنقولة جنسيّا

يسلّط كثيرون الضوء على الأمراض المنقولة جنسيّا عند الشباب من دون التنبّه إلى الأمراض التي يمكن أن يلتقطها الكبار في العمر، خصوصاً أن ضعف جهاز المناعة مع التقدّم في العمر يجعل الكبار في السنّ أكثر هشاشة لالتقاط العدوى. تظهر دراسة، نشرت في مجلة «Sexually transmitted infections» في العام 2008 في انكلترا، أن نسبة الأمراض المنقولة جنسياً تضاعفت عند الأشخاص الذين تجاوزوا 45 عاماً في العقد الأخير. وتذكر دراسة أخرى شملت 5865 شخصاً تراوح أعمارهم بين 14 و94 عاماً، نقلا عن موقع «Huffingtonpost»، أن الأشخاص فوق الأربعين من العمر يستخدمون الواقي الذكري أقلّ من الشباب. يشير رضا إلى أن جميع تلك الدراسات تؤكد على ضرورة التنبّه إلى الأمراض المنقولة جنسيّاً عند المتقدّمين في العمر واستخدام الوسائل الواقية للحدّ من العدوى.

نشيطون

تحدّد دراسة أجرتها «جامعة شيكاغو» في العام 2010، العمر المتوقّع لحياة جنسيّة نشطة (Sexually active life expectancy) للرجال بسبعين عاماً ومن الممكن أن يمتد سبعة أعوام في حال التمتّع بصحة جيّدة، وللنساء ستة وستين عاماً وأربع سنوات إضافية في حال عدم ظهور مشاكل صحيّة.
وفي شباط من العام الماضي، أظهرت نتائج دراسة في شأن الاضطرابات الجنسية عند الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 75 و95 عاماً في أستراليا، (Journal of sexual medicine)، أن رجلا من اثنين يعاني مشاكل في الانتصاب أو نقص في الرغبة الجنسيّة، وأن واحداً من كلّ ثلاثة رجال لا يبلغ النشوة وأن واحداً من كلّ خمسة يشعر بالقلق حيال أدائه الجنسي.
من جهة أخرى، قام علماء اجتماع وأطباء من جامعتي «شيكاغو» و «تورنتو» بدراسة في العام 2007 ونشرت في «New England journal of medicine»، في شأن الحياة الجنسية عند المتقدمين في العمر. شملت الدراسة 3005 مشاركين رجالاً ونساء، تراوح أعمارهم بين 57 و85 عاماً. وأظهرت النتائج أن 73 في المئة من الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 57 و64 عاماً، و53 في المئة بين الذين تراوح أعمارهم بين 65 و74 عاماً، و26 في المئة ممن تراوح أعمارهم بين 75 و85 عاماً هم نشيطون جنسيّاً. وأبدى الرجال اهتماماً أكثر من النساء بالجنس. وأظهر الأفراد الذين يتمتّعون بصحة جيّدة حياة جنسيّة نشطة مقابل الذين يعانون أمراضاً صحية. واعتبرت مشاكل الانتصاب أكثر الاضطرابات التي يواجهها الرجال بينما تواجه النساء مشكلة في قلة الرغبة الجنسيّة وفي جفاف المهبل. ناقشت نسبة 22 في المئة من النساء و38 في المئة من الرجال فقط مشاكل الاضطرابات الجنسيّة مع الأطباء.

يقلقون من فقدان الرغبة

اعتبرت دراسة علمية، نشرت في «Indian journal of psychiatry» في تشرين الأول في العام 2011، أن المتقدمين في العمر يهتمون في الجنس ويقلقون من فقدان الرغبة أو القدرة على إقامة العلاقات الجنسيّة. شملت الدراسة ستين شخصاً من نساء ورجال يتجاوزون الخمسين عاماً. ذكرت نسبة 43 في المئة من النساء ونسبة 56.7 من الرجال أن حياتهم الجنسيّة تأثّرت مع تقدّم العمر والاضطرابات الصحيّة. وبيّنت الدراسة أن الأشخاص الذين يعملون لديهم حياة جنسية أكثر نشاطاً من الأشخاص المتقاعدين عن العمل.
يقول الاختصاصي في الطب النفسي وطب الشيخوخة جان كلود مونفورت، في صحيفة «لوفيغارو» الفرنسيّة، إن التواصل والثقة بالنفس والشعور بالأمل تعزز الحياة العاطفية والجنسيّة. وتلاحظ الاختصاصية في علم الجنس في «جامعة مارسيليا» ماري هيلين كولسون تغيّرات في العلاقات الجنسيّة عند المتقدّمين في العمر، إذ تصبح العلاقة حميمة وحسيّة أكثر منها جسدية.
وفي لبنان، أجرى رضا دراسة بين العامين 2002 و2006 شملت ثلاثمئة مريض يعانون مشاكل جنسيّة تراوح أعمارهم بين 50 و80 عاماً. بيّنت النتائج أن جميع المشاركين في الدراسة يعانون صعوبة في الانتصاب، و200 حالة يفقدون الشعور بالرغبة الجنسيّة.
يذكر أن رضا وقّع في شهر أيار الماضي كتابه «الجنس الطبّي» حقائق وإثباتات علميّة الصادر عن «دار النهضة العربية».