×

اختلاس في السفارة

التصنيف: إقتصاد

2010-02-17  09:25 ص  1611

 

نحو 240 ألف دولار و7 ملايين ونصف مليون جنيه مصري حصيلة الاختلاسات من أموال السفارة اللبنانيّة في مصر بين أيلول 2003 وأيّار 2007، وقد اختلسها موظف مصري يُدعى ياسر عويس في ظلّ عدم انتباه الدبلوماسيين اللبنانيين في تلك المرحلة

ثائر غندور
يُشير تقرير للتفتيش المركزي إلى أنه خلال مهمّة السفير هشام دمشقيّة رئيساً للبعثة اللبنانيّة في مصر والمحاسب المسلكي هزاع شريف، عُيِّن السيّد رفعت ع. (مصري الجنسيّة) محاسباً معاوناً في البعثة بتاريخ 7 كانون الأول 1998.
ولدى تعيين سامي قرنفل سفيراً، اشتكى من تأخير المصرف، حيث حساب السفارة، لأنه لا يوفّر السيولة بالعملة الأجنبيّة للواردات القنصليّة عن الفصل الأول من عام 2001. ولدى مراجعة المصرف حوّل الأخير مبلغ 222 ألف دولار أميركي في حزيران 2001، لكن تبيّن أن هناك نقصاً في الأموال المستوفاة عن عام 2001، بلغ قدره 39000 جنيه مصري.
وخلال عام 2002، كرّر السفير قرنفل شكواه من صعوبة تحويل الجنيه إلى دولار من طريق المصرف المركزي المصري، مقترحاً سداد مساهمات لبنان في الجامعة العربيّة بالجنيه المصري واعتبار الأموال المحوّلة من لبنان بالدولار بدلاً من الجنيهات وإعادتها كواردات.
لكن النقص عاد وظهر مجدداً في الفصل الأول من عام 2003 وبلغت قيمته أكثر من 76 ألف جنيه. لاحقاً، في آذار 2003 اقترح قرنفل استيفاء الرسوم القنصليّة بالدولار بسبب صعوبة تحويل الأموال، ما أدى إلى عدم تحويل واردات عامي 2002 و2003 القنصليّة. لكن في أيّار 2003 أشار قرنفل، في رسالة سريّة إلى وزارة الخارجيّة، إلى أن مساعد وزير الخارجيّة المصري أبدى استياءه من ذلك.
توقّف النقص خلال شهري أيار وحزيران 2003، لكن التلاعب عاد في أيلول 2003 واستمر كامل عام 2004.
وفي تشرين الثاني 2003، أفاد السفير اللبناني في القاهرة عبد اللطيف مملوك بأن السفارة نقلت حسابها من البنك الأهلي المصري إلى جمّال ترست بنك لأنه أبدى استعداده لتوفير الدولارات مهما كانت المبالغ، واشترى مملوك 50 ألف دولار ووضعها في حساب الواردات القنصليّة، وذلك بموافقة وزير الخارجيّة جان عبيد، حينها، ثم حُوِّل مبلغ 281 ألف دولار إلى هذا الحساب في كانون الأول 2003.
هنا، بدأ يبرز النقص في حساب الواردات، أو أن مبالغ تُسحب من حساب النفقات بالدولار إلى حساب النفقات بالجنيه، لكنها لا تصل، وقد جاءت الأرقام على الشكل الآتي في أوقات متباعدة: 11 ألف دولار، 21 ألف دولار، 200 ألف جنيه، 461 ألف جنيه، 10 آلاف دولار، 51 ألف دولار، 13500 جنيه. وقد اختفت هذه الأموال من دون مبرر.
وفي شباط 2005 حُوّل إلى السفارة مبلغ 10 آلاف دولار لتسديد مساهمة لبنان في المنظمة العربيّة للتنمية الصحيّة، وقد ذُكر في المحضر المرسل إلى وزارة الخارجيّة أن السفير مملوك سددها، لكن هذا لم يكن صحيحاً، إذ إن السيد علي الحلبي هو الذي سدده في تموز 2006. وهذا الأمر تكرّر مع مساهمة لبنان في مركز الشرق الأوسط للنظائر المشعّة، إذ تبيّن أن هذه المساهمة لم تُدفع منذ عام 2002. كذلك حُوِّل مبلغ 14500 دولار مرتين في آذار 2005 لتسديد مساهمة لبنان في المنظمة العربية للتنمية الإدارية، لكن هذه المساهمة لم تُدفع.
وتبيّن أيضاً تزوير 14 شيكاً بإضافة الحروف والأرقام عليها (مثلاً، 1000 جنيه أصبح 241000، 1876 دولاراً أصبح 11876). لذلك، في حزيران 2007 وجه القائم بالأعمال بالوكالة علي الحلبي إلى المحامي العام لنيابات وسط القاهرة عن هذا الأمر، فجرّمت المحاكم المصريّة رفعت ع.، وقررت سجنه 3 سنوات ودفع كفالة قدرها 10 آلاف جنيه بجرم التزوير واستعمال المزوّر والنصب والاحتيال والاختلاس، وبعد الاستئناف خُفض الحكم إلى سنتين. ثم أرسل السفير خالد زيادة في آب 2007 إلى النائب العام ليزوده بمعطيات جديدة عن الملف.
وحدّدت لجنة التحقيق، التي كلفتها وزارة الخارجيّة، المبالغ المختلسة منذ أيلول 2003 إلى أيّار 2007 بـ240 ألف دولار و7 ملايين ونصف مليون جنيه مصري.
وتبيّن أن علي الحلبي والدبلوماسيين ميلاد رعد وربيع نرش هم من كشف عمليّات اختلاس رفعت ع. بعدما وجدوا فرقاً في الحسابات المصرفيّة.
وفي أيار 2007 أفادت السفارة أن رفعت وعد بتسوية المبالغ المختلسة، وتذرع بعدم قدرته على سداد المبالغ، فاقترح تسجيل عدد من الشقق باسمها، لكن الحلبي ورعد ونرش رفضوا الأمر.
وخرج التفتيش المركزي بالخلاصات الآتية بعد إطلاعه على التحقيقات التي أجرتها السفارة، إضافة إلى محاضر التحقيقات والقرارات القضائية الصادرة بحق المحاسب. وطلب في 12 كانون الثاني من هذا العام إرسال مفتشين إلى القاهرة لاستكمال التحقيق، ومن الخلاصات:
ـــــ إن رفعت ع. الذي قام بعملية الاختلاس والتزوير في البعثة قد توصل إلى إيهام رؤسائه التسلسليين الدبلوماسيين، من رئيس بعثة ومحاسب مسلكي، بأن القيود والحسابات في السفارة صحيحة، مستغلاً صعوبة توفير العملة الصعبة (بالدولار الأميركي) في مصر للتمكّن من إجراء التحويلات إلى الخزينة اللبنانية، ما مكّنه من النفاذ لإقناعهم بأن واردات البعثة موجودة في (حساب مجنّب) في المصرف خارج حساب الواردات في انتظار الفرصة السانحة لإمكان تحويلها إلى دولار في المصرف المختص.
ـــــ إن السذاجة التي سيطرت على كل الدبلوماسيين الذين تعاقبوا على عمل البعثة، سمحت بأن يضعوا جميعاً كامل ثقتهم بالمحاسب المعاون المذكور، حتى وصل بهم الأمر إلى أنه ما من أحد منهم قد طلب منه ولو لمرة واحدة كشفاً من المصرف بالحساب المجنّب المزعوم الذي ثبت من التحقيق أنه حساب وهمي وغير موجود.
ـــــ لم يتبيّن من التحقيقات الإدارية التي تجريها وزارة الخارجية والمغتربين أنها تطرقت أو بحثت في التقصير الحاصل من هؤلاء الدبلوماسيين، ولا سيما بالنسبة إلى كل من المحاسب المسلكي ورئيس البعثة المسؤولين مباشرة أولاً وآخراً عن أموال البعثة المحصّلة أو أقلّه وجّهت مجرد لوم واحد إلى أي منهم.
ـــــ تبيّن من الملف أن اهتمام وزارة الخارجية والمغتربين إثر اكتشاف عملية الاختلاس بقي محصوراً بملاحقة القضية أمام المحاكم الجزائية المصرية التي أدانت المحاسب المعاون بالحبس لمدة ثلاث سنوات، لكن تبيّن أن هذه المحاكم عادت وأخلت سبيله مقابل كفالة نقدية بقيمة عشرة آلاف جنيه مصري من دون أن يتبيّن أن اهتمام الوزارة المذكورة قد انصبّ باتجاه النيابة العامة التمييزية في لبنان أو إيداعها على الأقل صورة عن الملف لتمكينها من متابعة القضية مع القضاء المصري، ولا سيما أن المبالغ المختلسة بلغت قدراً لا يستهان به.
المبالغ المختلسة منذ أيلول 2003 إلى أيّار 2007 بـ240 ألف دولار و7 ملايين ونصف مليون جنيه مصري
لم يتبيّن من معطيات القضية أن أحداً من الدبلوماسيين أو سائر موظفي البعثة قد شارك المختلس في عملية الاختلاس

ـــــ لم يتبيّن من معطيات القضية أن أحداً من الدبلوماسيين أو سائر موظفي البعثة المحليين قد تدخل أو شارك المختلس في عملية الاختلاس، بل بقيت القضية مقتصرة على المحاسب المعاون وحده الذي لم يعدم وسيلة ملتوية أو احتيالية إلا استخدمها في سبيل اختلاس المال العام، ما ولّد اقتناعاً لدى وزارة الخارجية والمغتربين بأنّ مسؤوليات الدبلوماسيين تبقى ضمن إطار الإهمال والتقصير الشديدين في الرقابة، وخاصة لجهة إغفالهم أو تغاضيهم عن متابعة القيود المحاسبية لدى المصرف المختص. وقد خلص التحقيق الإداري المذكور إلى أن إهمالهم كان من منطلق ثقتهم الكلية والعمياء بالمحاسب المعاون ليس إلاّ.
ـــــ إن عدة أحكام قضائية صدرت عن المحاكم المصرية بحق المحاسب المعاون، وقضت بأنه اقترف جريمة التزوير في السفارة واستعمال المزوّر والوسائل الاحتيالية وتبديد الأموال، وقضت بحبسه ثلاث سنوات. وهذه الجرائم كانت متمادية لفترات طويلة، ظهر خلالها أكثر من تحذير ينذر بوجوب التزام الحذر والحيطة وتشديد الرقابة عليه، لكنها قوبلت عملياً بإغفالها واستمرار الثقة بالمتهم. لذا فإن المسؤولية يجب أن تطال المسؤولين من رؤسائه الدبلوماسيين القيّمين على القيود ومراقبتها وتدقيقها في الإدارة المركزية، وخاصة إزاء المبالغ الكبيرة المختلسة من مال الخزينة اللبنانية العام، ما يستدعي التزام الدقة في التدقيق والتحقيق وتقديم الكفاية من الدليل في تحديد المسؤوليات. ولا بد من توجيه أصابع الاتهام إلى الإدارة المركزية بوصفها شريكاً في المسؤولية بسبب تقصيرها في أعمال الرقابة، وخاصة على مستوى القسم المكلف التدقيق في حسابات البعثات في الخارج ومراقبتها.
إلا أن حجة هذا القسم، أنه لتمكينه من إجراء هذه الرقابة قد يتذرع بأنه يحتاج إلى المستندات التي من المفترض أن ترده من البعثة في أوقاتها لتبنى عليها، مع العلم بأنّ قسم الواردات كان قد أرسل الكتب المتكررة التي يطالب البعثة بموجبها بإيداعه نسخ الكشوفات المصرفية والسجلات دليلاً على النقص الحاصل في المال العام للسفارة.



محاسبة المسؤولين

تبيّن من مجريات ملف الاختلاس في السفارة اللبنانية في القاهرة أن العملية بدأت منذ فترة طويلة، وخلالها توالى على رئاسة البعثة في العمل العديد من الدبلوماسيين من سفراء ومستشارين وقناصل ومحاسبين مسلكيين، ما يستدعي معرفة أسماء هؤلاء ومدة المهمة التي أمضاها كل منهم، وذلك للتمكّن من التحقيق معهم وتحديد المسؤوليات بصورتها الواقعية، بحسب تقرير التفتيش المركزي. مع العلم بأن مدير الشؤون الإدارية والمالية في الوزارة كان قد اقترح على إدارته إيفاد مفتش البعثات اللبنانية في الخارج السفير حسن برو إلى السفارة في مصر للتحقيق في القضية، إلا أن اقتراحه هذا لم يلق آذاناً صاغية، علماً بأن السفير عبد اللطيف مملوك وعد الأمين العام السابق للوزارة، السفير بسام نعماني، بإمكان أن يمارس ضغطاً على المحاسب المعاون لإعادة الأموال المختلسة، لكن هذا لم يحصل ولم تُعَد الأموال لتاريخه.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا