×

مقعدٌ يرسم الشمس.. متسوّلٌ يتوق للصيد.. ومراح التي إكتفى منها فطلقها

التصنيف: Old Archive

2013-08-08  10:26 م  1092

 


ديانا سكيني النهار

8 آب 2013 الساعة 16:55

كيف ينجح في مهنة التسول وفي تقديم نفسه كقارئ للوضع السياسي في آن؟ تلعثم مراراً، ذلك الصبي الجميل، الذي يضع يديه في جيبيه ويرفع كتفيه وهو يقبض في كفه على علبة "علكة". ارتسمت على ملامح وضاح خطوط رجولة اينعت قبل اوانها. لم يتجاوز الـ11 سنة، وعلى عاتقه تقع الآن مسؤولية إعالة اربعة افراد في اسرته، والده العاطل عن العمل، والدته، وشقيقاه. يحدثك عن الواقع العسكري في محيط السيدة زينب في دمشق، فهو خبر لأكثر من سنة في بلدته الذيابية فصائل المقاتلين وطباعهم، "حملوا السلاح لتأمين البلدة واغلبهم من ابنائها، ومنهم من اصبح "يشبح" على الناس، ومنهم المخلص". يكره وضاح "جبهة النصرة" التي تضر بالثورة ويؤيد الجيش الحر القادر على الفوز لو تأمن له السلاح". يقول انه ايّد الثورة لانه ضد الفقر والبؤس في بلدته. رأى قتلى كثراً سقطوا نتيجة القصف المدفعي للبلدة، وساعد في اسعاف جرحى، الى ان "اصبح الوضع لا يحتمل، كثير من المواد الغذائية فقد من البلدة، وسقطت قذيفة على منزلنا، فقررنا المجيء الى بيروت حيث سبقنا اليها عدد من اقاربنا، عبرنا من حاجز للجيش الحر الى آخر للنظام ودخلنا لبنان عبر المصنع، بتنا ليلتنا الأولى في البقاع تحت شجرة، الى ان وصلنا منطقة الناعمة حيث ساعد قريب لنا ابي في الحصول على عمل في محطة وقود مقابل 200 دولار في الشهر، وقمنا بتسجيل اسمائنا في جمعيتين تعطيان مساعدات غذائية، وتساعد احداهما في جزء من إيجار المنزل: تعطينا 50 دولاراً في الشهر لهذه الغاية. بعد اسبوعين، قرر رب العمل الاستغناء عن ابي "لانو مش عم توفي معو مصاريف المحطة"، لكي نعيش ونسدد إيجار الغرفة البالغ 200 دولار، كان عليّ ان اعمل، فبت تارة ابيع العلكة وتارة اتسوّل، اطمح لايجاد عمل شريف في مطعم، في مقهى، في منجرة.. اجيد العمل في الخشب وسبق ان تعلمته في الذيابية.. ". وضاح يعترف بعدم اشتياقه وحبه للمدرسة، أراد ان يكون "معلم نجارة"، فرض عليه التسول في بيروت، يقول ان والده فشل في الحصول على عمل جديد، أمه تقوم بتنظيف المنازل مقابل ثلاثة الاف ليرة فقط في الساعة . اما وضاح فيجني خمسة الاف ليرة في اليوم واحيانا عشرة الاف. ويركز تواجده قرب التعاونيات والافران في خلدة، فكورنيش المنارة الذي يعج بأمثاله، مكان يقصده مع شقيقيه الصغيرين لـ"شم الهوا" مرة في الأسبوع، "احب القفز في البحر من فوق الصخور في المنارة، وصيد الاسماك، وعدني رجل تعرفت اليه هناك بأن يأتي لي بصنارة للصيد معه في العيد".

***

ربما أرادت السيدة التمتع ببعض الخصوصية في الغرفة الصغيرة التي بات عليها تقاسمها الآن مع زوجها وأخيه المقعد الذي وصل من ريف حلب منذ شهرين بعد وفاة والدته التي كانت تخدمه وتهتم بشؤونه. اقنعت زوجها الذي يعمل في ورش الباطون ويعود مساء الى المنزل، انه من الافضل لباسم الثلاثيني ان يفيد من وقته و"يسترزق" في آن، بدل البقاء طوال النهار في الغرفة. لم يعارض باسم فكرة زوجة اخيه التي اخذت تجر كرسيه المتحرك عند الساعة السابعة صباحاً الى ناصية شارع مقابل، وتضع أمامه طاولة صغيرة عليها بعض علب الدخان. بعد عشرة أيام، أصيب الشاب بوعكة قوية حيث انه كان يترك تحت شمس حارقة طوال النهار، ويفوت زوجة اخيه ان تضع زجاجة مياه قربه او ان تزوده بقبعة تقيه شيئاً من الحرارة.
لم يتح لباسم أن يصقل موهبة الرسم في كلية الفنون الجميلة كما خطط قبل ان يتعرض لحادث سير أدى الى اصابته بالشلل. كانت ساعات الفراغ والانتظار والوحدة والصمت الطويلة الأقدر على تعليمه رواية الوجع بقلم رصاص.
بعد شفائه من الوعكة الصحية، اخذ يبحث على كرسيه المتحرك عن فيء في الشارع خارج غرفة زوجة اخيه خلال النهار، عن بعض الاوراق والاقلام، عن اطفال يلهون، عن وجوه مارة، وهررة، وشمس تصلح للرسم.. وتخفف وطأة الانتظار.

***
الوشم المطبوع على حاجبيها لا يتماشى مع إمتهان التسوّل. الوشم من ضمن اشياء اخرى يصعب اخفاؤها بسهولة. لم يكن وضعه ترفاً بل زينة عرسها القليلة. لم ترتد في تلك الليلة الثوب الابيض ولم يزغردوا لها، كما تقول محاولة التنصل من زيجة لم تستمر أكثر 3 اشهر. والد مراح سوري من تلكلخ وامها من وادي خالد، في بداية الاحداث انتقلوا الى لبنان حيث عملت العائلة المكونة من اب وام و4 بنات في الزراعة. تقدم احد اقارب الام للزواج من مراح البالغة 17 سنة. الرجل متزوج وله ولدان، يملك محل سمانة، وقال أنه لم يعد يرغب في زوجته الأولى لكنه لن يطلقها، وعرض ان يقيم مع مراح في غرفة بالايجار، وافق الوالد المتعب صحياً والذي اصبح ينهكه العمل في الارض، فعَلّ زواج ابنته يأتي له بسند. ما حصل لاحقاً ان الرجل توقف عن مساعدة عائلة مراح، وزعم أنه غير قادر على دفع إيجار الغرفة التي يسكن فيها مع مراح، وفرض عليها العيش مع زوجته الاولى التي اخذت "تضربني وتفتعل المشاكل معي في غياب زوجي، الى ان استعنت بأهلي مرة فغضب زوجي وطلقني". هي تعرف "انه لم يعد يريدني بعد ان اكتفى مني واراد حجة للطلاق".
انتقلت العائلة الى منطقة الشويفات حيث تعمل في الخيم الزراعية، وتنام في خيمة من قماش، وترسل بناتها للتسول في العيد.

***

ما سبق، ثلاثة نماذج لحالات تنتمي الى فئة اجتماعية من اللاجئين السوريين، تعج بهم مدن وقرى وشوارع واحياء لبنان. ولم تنعم تلك الحالات برغد اجتماعي في سوريا بالتأكيد.
رافق البؤس والهامشية هؤلاء اللاجئين أينما ذهبوا. لا يمكن تجاهل هذه المأساة، ولا غض النظر عن عائلات تفترش الارض وتلتحف السماء، عن استغلال الاطفال والنساء في مهنة التسول، عن تزويج القاصرات، عن عمالة الاطفال وغيرها. لايمكن اهمال الأثر العميق لتفاعل ازماتهم مع ازماتنا.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا