×

القاضية آرليت تابت تسبق القانون الف تحيّة

التصنيف: أمن

2013-09-07  05:35 ص  871

 

سابقة «بالمؤنث». هكذا، وصفت منظمة كفى عنف واستغلال «اشارة» القاضية آرليت تابت التي قضت بموجبها بإلزام زوج بتأمين مسكن بديل لزوجته وطفلتيه بعد بيعه منزلهما الزوجي على اثر خلافات بينهما. هذه السابقة التي نادراً ما تحدث في القضاء، جاءت لتحاكي ما تطمح إليه النساء من إقرار لقانون يحميهن من العنف الأسري

راجانا حمية
 

أصدرت المحامية العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية آرليت تابت، أول من أمس، «إشارة» تقضي بإلزام «زوج تأمين مسكن بديل لزوجته وابنتيه، وإلزام صديق له كان قد اشترى المنزل الزوجي منه بإخلائه فوراً وإعادة الزوجة والطفلتين، طالما لم يتأمن البديل بعد». تأتي هذه الإشارة، بعدما قام «زوج ريتا عيد بإبلاغها برسالة هاتفية بعدم العودة إلى منزلها الزوجي وتغيير قفل مدخله الرئيسي وتسليمه إلى صديقه من دون علمها».

هذه الإشارة حدثت فعلاً. هي سابقة. فعلتها امرأة لأجل امرأة. هكذا، فسروها في بداية الأمر. مع أنها، ليست كذلك، فقد يفعلها رجل. وقد حدثت مع القاضي جان قزي الذي منح الجنسية لأولاد سميرة سويدان، قبل أن تسحبها... امرأة. وفعلها قبلهما القاضي نبيل صاري في ثمانينيات القرن الماضي. القصة هنا، ليست قصة امرأة تعاطفت، إنما قصة «جرأة» نادراً ما تحصل في القضاء. هذه القاضية تجرأت وأخذت من القوانين روحيتها. اجتهدت لأنها قضيّة حق، ولم تخالف.
القاضية آرليت تابت أنقذت طفلتين عندما منعت عنهما التشرّد. اتخذت تدبيراً لحمايتهما، مستندة فيه «للنظام العام»، إضافة إلى ما يلحظه قانونا العقوبات والأحوال الشخصية من واجبات الزوج تجاه عائلته «في إطار النفقة التي تتضمن تأمين المسكن اللائق والمشرب والمأكل»، يقول الياس مارون، محامي ريتا عيد، الزوجة التي طردت من بيتها بلا وجه حق. والأهم من كل ذلك، أن تابت سبقت كل ذلك، واتخذت «تدبيراً بالحماية يحاكي مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري الذي ينص صراحة على ذلك»، بحسب منظمة كفى.
فقبل الدخول بالسابقة وجرأة تابت، كان لا بد من العودة للحكاية التي كادت تصبح فيها حياة طفلتين، إحداهما تبلغ من العمر 3 سنوات ونصف سنة والثانية تبلغ 14 شهراً، على قارعة الطريق. حدث ذلك قبل يومين، عندما كانت عيد وطفلتاها «في زيارة إلى منزل عمها، وأثناء ذلك وصلت رسالة إلى هاتفها من زوجها يقول لها فيها (… لا تفاجئي باب المنزل لن يفتح)، مع ذلك، بقيت ريتا غير مصدّقة لما يحدث وهرعت إلى البيت لتجد أن قفل الباب قد تغيّر»، يقول شربل عيد، خال ريتا. وعندما اتصلت بالزوج مستفسرة، قال لها «عودي إلى والدتك أو نامي في الفندق»!
حتى اللحظات الأخيرة، كانت ردة فعل عائلة ريتا «الوفق». لكن الزوج كان حازماً في قراره. هكذا، وصلت الأمور إلى خواتيمها في حياة الزوجين. ولكنها، لم تكن وليدة لحظتها، فقد بدأت الخلافات قبل بضعة أشهر. وقد كانت أسبابها «قاسية، إذ إن الزوجة اكتشفت قبل ثمانية أشهر خيانة زوجها لها ولم يهن عليها الأمر خصوصاً أمام عائلتها».
انتهى كل شيء. لم يعد ثمة بيت زوجي في قرنة الحمراء. يقول الرجل بأنه باعه لصديقه «وقد لمح صديقه في التحقيق معه إلى ذلك بالقول بأن لديه ديوناً على زوج ريتا تفوق سعر المنزل». هنا، لم يعد أمام ريتا إلا «التقدم بشكوى أمام مخفر المحلة». كان النهار قد انتهى. لم يكن في بال الوالدة المثقلة بدموع طفلتيها، في ذلك الحين، إلا التفكير بمأوى. وهي، التي تعرف بأن العودة إلى والدتها مستحيلة «لكونها تعيش عند شقيقتها». والفندق؟ لا طاقة للأخيرة على «الترف» في مثل تلك الحالة.
ثلاث ساعات في المخفر انتهت بالاتصال بالقاضية آرليت تابت، المحامية العامة الاستئنافية في جبل لبنان التي اطلعت على القضية، مطالبة «قوى الأمن الداخلي بفتح المنزل واعادة العائلة إليه ريثما يؤمن الزوج منزلاً بديلاً على أن يتعهّد بذلك».
حدث ذلك عند الثانية فجراً. في الوقت الذي يفترض أن تكون فيه الطفلتان غارقتين بنومهما وأحلامهما الصغيرة. لم يحدث ذلك. انتظرتا عند الباب مع والدتهما لتنفيذ الإشارة، إلا أن الأمور لم تجر كما يجب، إذ «قال آمر المخفر للقاضية تابت أنه لا يمكن إبقاء الأم وطفلتيها داخل البيت إذا ما أقدموا على خلع القفل». هنا، وقعت الحيرة. ثمة مسؤولية بترك عائلة في بيت بلا باب، مشرع على كل شيء. ويقول خال ريتا إن «القاضية تكلمت عندها مع ريتا قائلة لها بأنها لا تستطيع تركها بلا حماية في الليل وأنها ستحصل حقوقها وبأنها امرأة مثلها ولن تتركها».
صباحاً، نفذت القاضية وعدها. حمت الأم وطفلتيها. أعادتهم إلى البيت. لكنها، لم تفعل المستحيل. فعلت ما تمليه عليه انسانيتها ضمن القانون. تحركت ضمن هامش الحرية «الذي يستطيع من خلاله القاضي أخذ قرار لخدمة الناس وحقوقهم وكرامتهم». وهنا، حدث الفارق بين تابت والباقين. اجتهدت... ضمن حدود. «وهذا ما نطلبه من القضاء»، تقول المحامية ليلى عواضة. كيف؟ مثلاً «عندما جاءت لتفسير المنزل لم تفسره على أنه منزل يملكه الزوج وله الحق بالتصرف به، إنما فسرته على أنه منزل زوجي». وهنا، نقطة الاجتهاد. هو «ليس منزلاً ونقطة وانتهى، هو منزل عائلة، وبما أن الأم وطفلتيها لا تملكن مكاناً آخر للحماية، فبالتالي لا يستطيع الزوج استخدام أساليب تعسفية في هذه الحالة».
هذا انتصار آخر في التحرك ضمن الفسحة الحرة التي يسمح بها القانون، يضاف إلى الجرأة التي لا يملكها كثيرون... اللهم إلا في حال واحدة، «إذا ما أقروا قانون حماية النساء من العنف الأسري». فهنا، تصير «الإشارة» «تدبيراً موجوداً ومحمياً بالقانون» لا يتطلب جرأة حينها.
هذا ما تطمح إليه منظمة كفى عنف واستغلال. وهي التي تطمح إلى أشياء أخرى لعل أهمها «السعي للعمل على تحويل تلك القضايا إلى النيابة العامة بدلاً من قاضي أمور مستعجلة، كون صلاحيات الأول أوسع بكثير». على الأقل، ثمة «خط مفتوح 24/24». وهذا ما أسعف ريتا وطفلتيها.
ثمة سؤال لا بد منه: هل يمكن الطعن هنا؟ الجواب الأكيد والنهائي: لا، فهنا «لا يوجد حكم ليميّز ضده، هنا تدبير طارئ بالحماية». لا أكثر من ذلك ولا أقل.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا