×

نابيه «جعيتا أخرى» والدولة لم تدخل أنفاقها

التصنيف: Old Archive

2013-10-02  05:24 ص  651

 

يتمتّع لبنان بثروات طبيعية هائلة تُميّزه عن بقية البلدان المجاورة، لكن مثلما أصبح معروفاً للجميع، فإن الكثير من هذه الثروات لم يُستغلّ كما يجب، وآخر لم يُستثمر إطلاقاً. لكنّ الأغرب، هو غياب إهتمام الشعب اللبناني بثروات بلده، وإنشغاله بأموره المعيشية.إكتُشفت مغارة نابيه عام 1969، وبقيت مهملة مُذّاك الوقت. وعلى رغم استكشاف الجزء الجاف منها، لا يزال هناك الجزء المغمور الذي يحتاج الى جهود ومعدات وأشخاص مدرّبين للقيام بمثل هذه المغامرات.

إنطلاقاً من هنا، شاركت "الجمهورية" في رحلة إسكتشاف المغاور والدهاليز المغمورة بالمياه لمغارة نابيه، التي تمتد على مسافة نحو 4.7 كيلومترات تحت الأرض، والتي كما تشير الإسكتشافات، فإنها تحوي كمية هائلة من المياه يصل عمقها الى أكثر مما كان متوقعاً، حيث وصل المستكشفون حتى الآن الى عمق 42 متراً تحت الماء.

وفي التفاصيل، توجّه فريق من المستكشفين بقيادة المدرب والغطاس المحترف سيمون نديم، وفريقه وفريق من "الجمهورية" الى مغارة نابيه صباح الأحد الماضي، لكن هذه المرة ليس لمسح ما هو فوق الماء، بل للقيام بعملية تتسم بخطورة كبيرة، تتلخّص بإستكشاف ما تُخبّئه هذه المغارة المنسيّة في جزئها المغمور بالمياه، ووضع خريطة أولية للدهاليز التي تضيق في بعض الأماكن، لتجبر الغطاسين على نزع معداتهم للمرور، ومن ثم إرتدائها مجدداً بعد عبور النفق، وكل ذلك على عمق يتعدّى في بعض الأحيان الثلاثين متراً تحت المياه.

وصلنا الى المغارة، التي تم بناء درج ضيق بارتفاع 12 طابقاً للنزول اليها، على بقعة تشكل نقطة إنطلاق، ويربطها بالمغارة جسر حديدي. وبعد عبور الجسر، يمكن سلوك إتجاهات عدّة متفرّعة إلى كل قسم منها.

بداية، قمنا بجولة في الجزء الجاف من المغارة التي تحتوي على النوازل والصواعد أو ما يعرف بالـ "Stalactites" والـ"Stalagmites" وسلَكنا درباً يؤدي الى أنفاق، نحَتَتها المياه الجوفية، تضيق في بعض الأحيان، إلى درجة أننا اضطررنا الى الزحف، حتى وصلنا الى النقطة التي سينطلق منها الغطاسون، وهي مستنقع صغير، تتجمع فيه المياه قبل أن تتدفق من خلال نفق ضيق ومظلم الى جهة مجهولة. وهذا النفق المظلم مغمور بالمياه، ويتعدى قطره المتر ونصف المتر، وكان نقطة النهاية بالنسبة إلينا، لكنه نقطة البداية بالنسبة الى الغطاسين.

للوهلة الأولى، وبعد رؤية النفق، أدركنا أن العملية تشبه العمليات المستحيلة، وتحتاج الى جرأة إستثنائية. وكانت الهواجس والأسئلة تقلقنا، إلى درجة بتنا نسأل كيف يتجرأ أي شخص على الغطس في نفق ضيق الى هذا الحد، ولا يعرف الى أين يؤدي، ليكتشف أخيراً الأنفاق المتفرعة منه، التي لا يُعرف إتجاهها، نزولاً أو صعوداً، حيث يبقى في الدهاليز المظلمة ساعتين الى ثلاث ساعات معتمداً على مصباحه ومعداته، وكل ذلك لمدِّ حبال ووضع نقاط تُشكل أساساً لخريطة أنفاق.

وهنا توجهت ممازحاً محترف الغطس والمدرب والمستكشف اللبناني سيمون نديم، الذي كان قد ارتدى ملابس الغطس، ويهمّ للدخول الى النفق، طالباً منه إجراء المقابلة قبل البدء في المهمة، لأنني لم أكن أعتقد أن من يدخل الى هناك يمكن أن يعود سالماً. لكن سيمون الذي تعوّد على هذا النوع من المغامرات، إعتبر الأمر عادياً وكأنه يقوم بنزهة، وردَّ ممازحاً، "أنا سأدخل من هنا، وأنتم إذهبوا للقائي على منبع نهر فوار أنطلياس"، حيث يعتقد أنه يشكل إمتداداً لهذه المياه.

وفي هذه اللحظة، دخل سيمون النفق من دون أي وسيلة إتصال معنا، معتمداً على معداته، مثبتاً كاميرا على رأسه، واختفى. وبدأت رحلة الإنتظار المقلق، حيث قبعنا منتظرين عودته من جديد، مراقبين ظهور ضوء من النفق.

لكن كنّا نعرف أن مدة الإنتظار الطبيعية ستكون حوالى الساعتين. وبعد مرور هذا الوقت، ظهر ضوء في داخل النفق، فهرع الجميع لملاقاة سيمون، الذي لم يكن أبداً مستعجلاً للخروج. وبعد إستراحة مستحقة، طرحنا على سيمون الأسئلة التي كانت تجول في خاطرنا، وكان الحديث التالي:

• ماذا رأيت داخل الأنفاق؟

- يوجد في الداخل مجموعة من الدهاليز والأنفاق التي تختلف في الأحجام، وهي مشابهة تماماً للقسم الجاف من المغارة، لكنها تحت المياه، واليوم إستكشفت حوالى الـ 480 متراً منها، ومددت الحبال فيها، وما زال هناك الكثير من العمل داخل الأنفاق. ففي هذه العملية وصلت الى عمق 42 متراً، لكن في الشتاء ترتفع المياه داخل المغارة لتصل إلى 80 متراً.

• هل تؤدي الأنفاق الى مغاور جافة أو الى مدخل آخر للمغارة؟

- حتى الآن لا أثر لمغاور جافة في الداخل، فعلى عمق ثمانية أمتار رأيت نفقاً يتّجه صعوداً، فدخلت لأرى إذا كان له مخرج، لكن تبيّن أنه يؤدي الى أنفاق أخرى. لكن ربما هناك مغاور جافة، ولم نصل إليها بعد.

• هل توجد آثار لأي شخص دخل إلى هذه الأنفاق والمغاور قبلكم؟

- كلا لم ألاحظ دخول أحد الى العمق الذي وصلنا اليه. ففي الداخل لا توجد أي نقاط أو إشارات على دخول أحد من قبل، وكل شيء على حاله كما رسمته الطبيعة.

• هل يوجد في الداخل حيوانات مائية؟

- نعم عندما كنت في القسم الأول من النفق، شاهدت ثلاثة حيوانات مائية تعيش في الداخل، وأعتقد أنها من نوع الحنكليس، وقد صوّرتها، وهذا النوع من الحيوانات المائية يتغذى على الحشرات المائية والبكتيريا.

• ما الهدف من كل هذه المخاطرة، وهل تعرّضت لأي موقف خطر في الداخل؟

- هناك أمور لا يمكن تفسيرها، فبالنسبة إليّ، لا يمكن وصف الشعور الذي ينتابني عند دخولي إلى مكان لم يره أحد قبلي، لكن هدفنا الرئيس وضع خريطة للأنفاق المغمورة، ومدّ الحبال في الممرات لفتح الطريق أمام الذين يحبون الغطس، والذين خضعوا للتدريب والدورات المناسبة، لممارسة هواياتهم بأمان داخل هذه المغارة.

فأنا غطست للإستكشاف في أماكن أكثر خطراً، وكان آخرها مغارة في زينبابوي على ارتفاع 1200 متر بعد تحضير سنتين، لكن المغارة هناك تبدأ كبركة مياه داخل الجبل، بينما مدخل المغارة الرئيس كان على عمق 85 متراً تحت المياه. ووصلت الى عمق 191 متراً، ودخلت 200 متر أفقياً في المغارة، وهو ما لم يصله أي مستكشف لهذه المغارة من قبل.

• ما هي مخاطر هذا النوع من الإستكشاف؟

- يُعتبر الغطس في المغاور من أخطر أنواع الغطس، وبحاجة الى خبرة كبيرة، لأن هناك مخاطر كبيرة وكثيرة تواجه الغطاس، فإذا حصل أي طارئ لا يمكن الصعود مباشرة الى سطح المياه، كما في الغطس العادي، فيجب أن تعود أدراجك تماماً كما فعلت عند دخولك. وأنا دائماً أضع خطة إخلاء بديلة قبل دخولي، وأنفّذها عند حصول أي طارئ. والغطس داخل المغاور خطر جداً، خصوصاً في لبنان، بسبب طبيعة الأرض الموحلة، ما يمكن أن يُعكر صفو المياه بسرعة، فأي خطأ من خلال إصطدام المجاذيف في الداخل، قد يُعكّر المياه بسرعة، بحيث لا يمكن بعد ذلك رؤية شيء.

فالحبال مهمة جداً في هذه الحال، لأنها تكون دليلنا للخروج من المغارة. وحفاظاً على سلامتي، أمتلك معدات متخصصة للغطس داخل المغاور والأنفاق، تحدّ من الفقاعات الناتجة من التنفس تحت الماء، لكي لا تعكّرها إثر إصطدامها بالجدران والسقوف داخل المغارة أو النفق. كما أن هذه المعدات تنظّم التنفس بحسب العمق، ما يسمح بالبقاء فترة طويلة تحت الماء. ولو استعملنا التقنية العادية للغطس في هذه الظروف، لكنا بحاجة الى وقت أكثر بعشر مرات لإستكشاف المساحة نفسها. وأحمل معي عبوتين للتنفس، أستعملهما فقط في حال الطوارئ، وفقط للخروج من المغارة.

• الى أين تتجه المياه؟

- إن المياه بحسب إعتقادي تتجه نحو نهر فوار أنطلياس. لكن للتأكد من ذلك، لا بد من الإستعانة بملوّن خاص للمياه.

وختم سيمون شاكراً بلدية نابيه ورئيسها الدكتور جوزيف عطالله، على الدعم الذي تقدمه لإنجاز المهمة، والفريق الذي يعمل معه، الذي لن يتمكن من دونه من القيام بهذه المهمة الخطرة. وهنا خصّ بالذكر هشام بستاني، مروان وأسامة وإيلي وماهر عطالله، رونالد رزق، نبيل سليمان، وجريدة "الجمهورية"، التي واكبت هذه العملية للإضاءة على موضوع مهمّ ومميّز، ويمكن أن يُشكل مستقبلاً، رمزاً سياحياً للمنطقة.

خبير الغطس الكندي

من جهته، أكد "غلان كامبل" خبير الغطس الكندي، الذي أتى الى لبنان من دبي خصيصاً للإطلاع على المغارة بجزئها المغمور في المياه، وللغوص فيها مرافقاً سيمون، أنه متحمس جداً لإستكشاف الأنفاق المائية لمغارة نابيه. وتابع: "لا يوجد في الشرق الأوسط أي مغارة مشابهة لمغارة نابيه، وهنا أقصد بجزئها الممتد تحت الماء.

وأنا أتيت لأطلع عليها عن كثب وللغطس داخل الأنفاق والدهاليز، لأنها يمكن أن تشكل مستقبلاً، بعد وضع الخرائط الدقيقة، مقصداً للكثير من محبّي الغطس في المغاور من العرب والأجانب، الذين يضطرون لممارسة هواياتهم للسفر الى دول شرق آسيا البعيدة.

وبحسب ما رأيت، فإن هذه المغارة تُضاهي في أهميتها المغاور التي كنا نسافر للقيام بعمليات الغطس داخلها، وهي بالفعل تستحق أن تكون الأولى على لائحة المغاور التي يقصدها الغطاسون".

تجدر الإشارة الى أنه يمكن مشاهدة الفيديو الخاص بهذه المغارة والذي تم تصويره في الأنفاق والدهاليز تحت المياه على موقع "الجمهورية" على شبكة الإنترنت.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا