صيدا ـ رأفت نعيم

عاصمة الجنوب صيدا باتت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلم لطالما راود الصيداويين طيلة أكثر من 40 عاماً، وهو التخلص من المعضلة البيئية المزمنة الجاثمة على ساحل المدينة الجنوبي والمتمثلة بجبل النفايات. وها هي صيدا اليوم وفي عهد المجلس البلدي الحالي برئاسة محمد السعودي، مدعوماً بجهود ومتابعة نائبي المدينة الرئيس فؤاد السنيورة والسيدة بهية الحريري، وبهبة من المملكة العربية السعودية قدرها 20 مليون دولار ومبلغ مماثل رصدته الحكومة اللبنانية، تخطو خطوتها ما قبل الأخيرة باتجاه تحويل المكان الأكثر تلوثاً في لبنان الى منتزه طبيعي يعيد الحياة الى البيئة البحرية والبرية ويشكل متنفساً طبيعياً للمدينة ومنطقتها.
فمع الانطلاقة الفعلية للأشغال في مشروع إعادة تأهيل جبل النفايات في صيدا وتحويله الى منتزه طبيعي، نظم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) بالتعاون مع وزارة البيئة وبلدية صيدا، جولة ميدانية لممثلي وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة والالكترونية إلى موقع جبل النفايات على ساحل المدينة الجنوبي، وذلك لإطلاعهم على الآلية التي يتم اعتمادها في معالجة مكونات الجبل ومراحل العمل في المشروع الذي تنفذه شركة (suez) الفرنسية مع شركة JCC اللبنانية التي يرأسها جهاد العرب تحت إشراف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة البيئة والبلدية.
شارك في الجولة الممثل المقيم للـ"UNDP" روبرت واتكنز ومساعده إدغار شهاب، ومدير برامج التنمية في البرنامج لوكا ريندا، ورئيس بلدية صيدا بالإنابة ابراهيم البساط، ممثل وزارة البيئة بسام صباغ. وحضر عن شركة SUEZ الفرنسية منفذة المشروع، الرئيس التنفيذي لأفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا بيار ايف بوليكان، ومديرها الإقليمي في لبنان جبران اوشيك، وعن شركة JCC للتجارة والمقاولات جهاد العرب ومدير المشاريع محمد بربر ومدير مشروع معالجة جبل النفايات جمال محفوظ.
عند بهية الحريري
وقد استقبلت النائب بهية الحريري في ثانوية رفيق الحريري في صيدا واتكنز وريندا وشهاب، في ختام الجولة.
وأعرب واتكنز للحريري عن ارتياحه لسير العمل في المشروع ضمن ما هو مقرر ووفقاً للمواصفات البيئية العالمية. كما شرح شهاب للحريري عبر خرائط هندسية، مراحل تنفيذ المشروع وآلية العمل في كل مرحلة.
واعتبرت الحريري أن هذا المشروع يشكل إنجازاً تاريخياً سيخلص المدينة والساحل الجنوبي من عبء بيئي مزمن، وثمّنت في هذا السياق الدور الأساسي الذي قامت وتقوم به بلدية صيدا وجهود رئيسها محمد السعودي. كما شكرت كل من ساهم في أن يبصر هذا المشروع النور ولا سيما المملكة العربية السعودية من خلال الهبة التي قدمتها للمشروع والحكومة اللبنانية ووزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والشركة المنفذة للمشروع.
المشروع
وكانت المحطة الأولى في جولة الوفد، عند مدخل جبل النفايات في البوليفار الغربي للبحر. ثم جال الوفد على معمل الفرز والمختبر الفرنسي والموقع الأول للمطمر الصحي، وجرت معاينة تجربة تشغيل آلات الفرز والغربلة. وعرض البساط الأعمال الجارية في جبل النفايات وجهود البلدية ومراحل إزالته بشكل نهائي. كما عرض للوفد الأعمال التي بدأت منذ حوالى الشهرين تقريباً في موقع جبل النفايات.
وشرح إدغار شهاب هدف المشروع بتحويل المكب الى مطمر صحي ومنتزه ترفيهي، علماً أن كلفة مشروع إزالة جبل النفايات تبلغ نحو 25 مليون دولار. وقال: تسلمنا هذا الموقع من بلدية صيدا في 22 تموز 2013 وقمنا بتجهيز كل هذه المعدات. هناك ما يقارب ، مليون متر مكعب من النفايات المخلوطة من ردميات ونفايات منزلية. 60% ردميات و40% عضوية. المرحلة الأولى في المعالجة، سحب الغاز وتكريره وحبس غاز الميثان داخل مكعبات. بعدها نأخذ النفايات التي تم سحب الغاز منها الى معمل لفرز المواد العضوية عن غير العضوية وتؤخذ عينات من الاثنين الى المختبر. هناك يومياً أكثر من 50 عينة تؤخذ. والمواد غير العضوية نستطيع أن نستعملها لنردم بها منطقة السنسول البحري لنوفر على جبالنا كسارات.
أضاف: النفايات التي ستردم في البحر مفروزة مئة في المئة بإشراف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. أما المواد العضوية، فهناك مطمر صحي من أفضل المطامر في لبنان، تحبس المواد العضوية ليتم تخميرها وتحولها مع الوقت الى مواد غير عضوية، وحيث يوجد الجبل سنحول 30 ألف متر لحديقة عامة مجهزة بكل وسائل الراحة والجمال والخضرة ليكون للمدينة متنفس بحري جميل ومنتزه للعموم، والمطمر مع الوقت (بين 7 و9 سنوات) سيتفكك وينتهي الغاز منه، ويصبح جزءاً من الحديقة، لتصبح 90 ألف متر رقعة خضراء لمدينة صيدا.
وعن مراحل المعالجة يقول: أول خطوة يقوم بها المتعهد الفرنسي اللبناني هي سحب الغاز من خلال محطة مجهزة بفلاتر تحت إشراف فني فرنسي، 8 أنابيب، 4 أنابيب في قعر جزء من الجبل، لأن هذا ينفس جزءاً من الجبل يدخل لحدود 30 متراً، أربع قساطل تضخ هواء، و4 قساطل من فوق تسحب الهواء. نضخ الهواء ليخرج الغاز نحو هذه المحطة. ثم الى خزانات فيها مياه يدخل اليها الغاز ومن ثم يدخل في غرفتين كبيرتين "activated carbon" وهي أكثر المواد فعالية لحصر غاز الميتان. وتخرج غازات الهواء الطبيعي من هذا المخرج. وهناك ساعة تقيس كل ثانية نسبة الغاز في الجبل. وتستمر العملية الى أن يصبح مستوى الغاز مسموحاً، حسب ما حددته وزارة البيئة. ثم تبدأ في معمل الفرز المرحلة الثانية.
واتكنز
وفي بلدية صيدا، عقد مؤتمر صحافي مشترك لكل من واتكنز والبساط وشهاب والصباغ. وقال واتكنز "خلال وقت قصير استطعنا إحراز تقدم كبير في تنفيذ هذا المشروع المهم. وإنني أشكر رئيس بلدية صيدا والمجلس البلدي على "جهودهم الدؤوبة. وباعتقادي سوف نشهد صورة مختلفة للموقع الذي سيتحول الى منظر جميل يتمتع المواطنون الصيداويون برؤيته".
شهاب
وأكد شهاب أن مشروع إزالة جبل النفايات يتم تنفيذه وفق مواصفات بيئية وعالمية. ونفى أن تكون جرت عمليات ردم للنفايات في البحر، مشيراً إلى أن المشروع سيعيد إحياء المنطقة البحرية من جديد والتي هي منطقة ميتة بسبب جبل النفايات لأكثر من 40 عاماً.
البساط
أما البساط فأعلن اعتزاز المجلس البلدي بأن تشهد مدينة صيدا مثل هذه الإنمائية البيئية الكبرى في عهد هذا المجلس. وقال "نحن لم نستحِ من أي عمل إنمائي أو بيئي يحرر مدينة صيدا من هذا الكارثة، ولكننا نستحي من استمرار وجود جبل النفايات الجاثم على صدر أهلنا وينفث سمومه ويلحق الأمراض بأهل المدينة والجوار. وهذا الأمر وضعناه على رأس أولويات المجلس البلدي. وها هو الجبل تتم عمليه إزالته والتخلص منه وفقاً لأسس علمية بيئية عالمية وبإشراف الأمم المتحدة ووزارة البيئة.
الصباغ
وعرض بسام الصباغ مواكبة وزارة البيئة لهذا المشروع وتخليص صيدا من هذه الكارثة حيث يحتوي جبل النفايات مليوناً ونصف مليون متر مكعب من النفايات، وهو يمتد على مساحة 6 هكتارات. ثم عرض دور الوزارة في هذا المشروع وحرصها على أن يتم وفقاً للمواصفات البيئية التي من شأنها أن لا تخلف أي أضرار.
نص من برنامج الأمم المتحدة
تُعرف مدينة صيدا بالآثار التاريخية التي تعود الى القرن الخامس قبل المسيح. كما أنها تُعرف بمكب النفايات والذي يطلق عليه سكان المدينة اسم "جبل النفايات". في غضون ثلاثين سنة ارتفع الجبل على نحو متزايد ومستمر وأصبح يشكل لسكان المدينة والسياح وخبراء البيئة مصدر قلق. يمكن للمرء أن يلاحظ وجود المكب قبل أن يراه بأم العين، وذلك عبر الرائحة المنتشرة في أرجاء المدينة. وقد تسبب المكب بالكثير من المشاكل خصوصاً على الصعيد البيئي. كما تسبب بحرائق على مدى السنوات الماضية، وألحق أضراراً بالغة في عملية تنمية المدينة.
بدأ استعمال مكب صيدا منذ العام 1982 ويحتوي في الوقت الحاضر على ما يقارب 1,5 مليون متر مكعب من النفايات. يحتوي المكب على نحو 50 60% من النفايات الصلبة و35 40% من النفايات القابلة للتحلل. وتقدر نسبة مادتي الزجاج والبلاستيك الموجودة في المكب بـ50%. ويتطلب هذا النوع من توزيع النفايات مكاناً كافياً لمعالجة النفايات غير القابلة للتدوير. إضافة الى ذلك يتضمن نفايات صناعية طبية نفايات المسلخ، النفايات الخضراء نفايات المدابغ إطارات إضافة الى النفايات الخطيرة.
من مكب للنفايات الى المواقع الترفيهية
استعانت بلدية صيدا ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لإيجاد حلول للتخلص من جبل النفايات وتحويله من مكان يشوه المدينة الى حديقة عامة ومنتزه لسكان صيدا بأقل كلفة ممكنة. تهدف فكرة المشروع الى تحويل المكب الى مطمر صحي ومنتزه ترفيهي، ويتحقق ذلك بعد المرور بعدة مراحل: عملية استخراج الغازات الحفر الردم - فصل النفايات إزالة المواد الخطيرة إعادة التعبئة والرص تصميم المكب وعملية البناء استخراج الغاز إزالة السوائل ومعالجتها تصميم وبناء نظام الصرف الصحي تصميم وبناء عازل بناء السطح ووضع التربة وضع غطاء يتيح للمياه التبخر إدارة والرصد البيئي واختبار وتحليل المكان. وجرى تجهيز الموقع بمختبر فرنسي متخصص لمعاينة المواد غير العضوية من النفايات قبل أن يتم طمرها في الحاجز البحري، فيما يتم نقل المواد العضوية لطمرها صحياً عبر هذا المطمر الذي يجري انشاؤه بالقرب من المكب ويعمل على حبس المواد العضوية ليتم تخميرها وتحولها مع الوقت الى مواد غير عضوية.
البزري
وفي تصريح له قال الدكتور عبد الرحمن البزري: كل القوى السياسية رغم خلافاتها الجوهرية، الى جانب بلدية صيدا الحالية لمساعدتها على الانطلاق بحزمة المشاريع البيئية التي تمّ الإعداد والتحضير لها عبر سنواتٍ طويلة من الدراسات والمحاولات. وأضاف، هذا دليل واضح على أن الجميع يُقدّر حجم المشكلة البيئية التي تعيشها المدينة، وتراجع الإنماء فيها لأسبابٍ عديدة، ما جعل كافة القوى تدعم هذه المشاريع رغم وجود ملاحظات وتحفظات معينة لأن المصلحة النهائية ستصب في خانة المدينة وأبنائها.
ودعا البزري البلدية الى مزيدٍ من الانفتاح على مختلف مكونات المدينة وجوارها والتعاطي الإيجابي مع النقد البناء لأن ذلك يصب في مصلحة المدينة التي تمثلها هذه البلدية.

صيدا ـ رأفت نعيم