تعد منطقة الشرق الأوسط من المناطق الأكثر نشاطا على المستوى الزلزالي في العالم. وبما أن بعض أهم الزلازل في تاريخ البشرية حصلت في تلك المنطقة، كان لا بد من دراسة تلقي الضوء على واقع البنى التحتية والأبنية والتوزيع السكاني وحال التربة، وغيرها من المعلومات التي تساهم في الاستعداد للزلازل وإدارة الأزمات وتحديد نقاط الضعف ومكامن الخلل، خصوصا وانه "منذ عام 1900، خسر نحو 2٫5 مليوني إنسان حياته نتيجة الزلازل، فيما ناهزت الخسائر الاقتصادية نحو 3 تريليونات دولار".

تمكن المشاركون في إعداد دراسة EMME (Earthquake Model of the Middle East Region) من وضع سيناريوات للتعامل مع الزلازل التي قد تصيب هذه المدن: مشهد (إيران)، كراتشي (باكستان)، يريفان (أرمينيا)، تبليسي (جورجيا)، إربد (الأردن)، صور (لبنان).

وجمعت الدراسة معلومات قيمة عن البنية التحتية، الأبنية والتوزيع السكاني وحال التربة وغيرها من المعلومات التي تساهم في الاستعداد للزلازل وإدارة الأزمات.

شارك في إعداد الدراسة نحو 100 أكاديمي وخبير ومتخصص، بإدارة مرصد كانديلي ومعهد أبحاث الزلازل Kandilli Observatory and Earthquake Research Institute KOERI) والمعهد الفيديرالي السويسري للتكنولوجيا – زوريخ (ETHZ). وتضمنت نتائجها التي استغرق اعدادها 4 اعوام، عددا كبيرا من المحاور المتصلة بالزلازل، أبرزها: كيفية تعاطي المسؤولين ومتخذي القرار مع ملفي الاستعداد للزلازل والتعامل مع نتائجها، مساعدة المنظمات الدولية والمحلية على تفعيل قدراتها وأساليبها وتعزيز الوعي حيال المناطق المعرضة للهزات والزلازل، إضافة إلى التعامل مع حجمها وأضرارها وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية، مراقبة المعلومات وتحديثها حيال وضع البنية التحتية، وبناء القدرات والتنسيق بين مختلف مراكز إدارة الأزمات.

لبنان والزلازل
كيف شارك لبنان بهذه الدراسة؟ الباحث المتخصص في العلوم الجيوفيزيائية والزلازل البروفيسور عطا الياس (استاذ محاضر في الجامعة الاميركية)، أشار في حديث الى "النهار" الى ان الخبراء يعرفون ان ثمة فوالق زلزالية ناشطة في لبنان، وانه لا يوجد نقطة فيه بعيدة أكثر من 20 كلم عن مصدر الزلازل بقوة 6 درجات. وأوضح "ان المشروع المتعلق بلبنان يضم اربعة أقسام: الاول والثاني يعتمدان على معلومات تخص الهزات الارضية في لبنان وكيفية المراقبة، الفصل الثالث يتعلق بمسح الابنية وتصنيفها وفق قدرتها على مقاومة الزلزال، الفصل الرابع كان مع بلدية صور حيث أجرينا تقويما للنطاق البلدي في المدينة وقدرة الابنية على مقاومة الزلزال.

ما الجديد على صعيد لبنان؟ المهم في الدراسة، وفق الياس، أنه للمرة الأولى تجرى دراسة لديها أوجه جيولوجية وزلزالية وهندسية عدة، ونتيجة كل هذه الامور في المجتمع اللبناني. إذ أصبح لدينا فكرة اولية عن توزيع الاضرار بلبنان على الابنية من بعد الزلزال. وأصبح في إمكاننا معرفة النواقص والتي يجب ان نعمل عليها لنحسن من مستوى النتائج قبل وقوع الزلزال وبعده. وقد توصلنا الى معلومات مهمة وسنضعها في ايدي السلطات المعنية للتحرك.

مدينة صور هي واحدة من المدن التي تمّ اختيارها ضمن الدراسة، لقربها من 3 فوالق، بدليل أنه عبر التاريخ حصل فيها 6 هزات اقواها كان سنة 1012.

ووفق رئيس البلدية حسن دبوق، فقد تمّ العمل على مستويات عدة: طبيعة الارض جيولوجيا، واحصاءات عن المباني ومدى قابليتها لتحمل الزلازل، وعدد السكان. ونتيجة الاحصاءات تبين أنه من أصل الفي مبنى تم احصاؤها، ثمة 190 مبنى (خصوصا الابنية القديمة) أكثر عرضة للضرر، الا أن غالبيتها غير مهيئة لتحمل الزلازل.

وتكمن أهمية الدراسة، وفق دبوق، أنها دخلت إلى التفاصيل المتعلقة بالمدن والزلازل، إذ أخذت في الاعتبار المباني والبنى التحتية، وتعاونت مع الجامعات والشركات الخاصة للخروج بتوصيات في غاية الدقة. ونعتقد أن دراسة EMME ترفع من جهوزيتنا للتعامل مع الزلازل وجبه آثارها على مختلف الصعد".

صحيح أنه لا توجد سبل للوقاية من الزلازل، لكن دبوق يعتبر "ان الدراسة تساعدنا في تحسين أدائنا وطريقة تصرفنا والتنسيق مع الأجهزة المعنية بشكل أكثر فعالية، خصوصا في عمليات الإنقاذ".

قنابل موقوتية
اذا كانت الابنية القديمة لا تأخذ في الاعتبار التصميم الهندسي لمقاومة الزلازل، فماذا عن الابراج في بيروت؟ يطمئن عميد كلية الهندسة في الجامعة اليسوعية البروفيسور فادي جعارة الى أن هذه الابراج محصنة لأن دراساتها جيدة وخاضعة لمكاتب تدقيق. ولكن الابنية التي تم بناؤها قبل التسعينات، لا تأخذ في الاعتبار شروط ومواصفات الابنية المقاومة للزلازل ومواصفاتها، خصوصا انه لم يكن ثمّة قانون للزلزال (صدر في عام 1998) وقانون السلامة العامة (2005).

لا احصاءات دقيقة عن مدى تحمل الابنية للزلازل، ولكن جعارة يجزم بان الاضرار ستكون كبيرة، اذا حصل زلزال خصوصا ان ثمة أبنية بحالتها الحالية لا تتقيد أبدا بمعايير هندسة الزلازل، وهي برأيه "قنابل موقوتة" في حال حصول زلزال بقوة 7 درجات وقريب من ساحل بيروت.

وكان الاعلان عن نتائج الدراسة تم في اسطنبول، إذ أكد مدير مرصد كانديلي ومؤسسة أبحاث الزلازل KOERI البروفسور مصطفى إيرديك، ان "الزلازل هي واحدة من أهم الأخطار الطبيعية التي تواجه عالمنا، إذ خسر منذ عام 1900 حتى اليوم نحو 2٫5 مليون إنسان حياته نتيجة الزلازل، بينما ناهزت الخسائر الاقتصادية نحو 3 تريليونات دولار. علما ان قسماً كبيراً من هذه الخسائر تم تسجيلها في منطقة الشرق الأوسط والقوقاز.

ولأن الزلازل تحصل من دون سابق إنذار، فإن إدارة أخطارها تستدعي، وفق ايرديك، "تقويم الخطر وتطوير سياسات وخطط لتخفيف آثارها بالتوازي مع تطوير بيئة مرنة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، قادرة على التعامل مع الأزمات والطوارئ".

لقد ناهزت كلفة الدراسة 4 ملايين دولار، فلماذا موّلتها JTI؟ نائب الرئيس الإقليمي ورئيس قسمي العلاقات المؤسساتية والإعلامية في منطقة الشرق الأوسط والأدنى وتركيا والقارة الأفريقية فادي رحمة، اعتبر "أن دراسة موضوع الحماية من الكوارث ودعم برامج الإسعاف والمساعدة يشكلان أولوية بالنسبة الى الشركة، وهذا الأمر يشكل جزءا من التزامنا تجاه المجتمعات التي نتفاعل معها".

ولفت الى "أن هدفنا هو تقديم معلومات قيمة ذات معنى تدوم منافعها في هذه المجتمعات، ولدى الشركة نشاطات مهمة على المستوى الاجتماعي، إذ تقوم بتطوير برامج خيرية ذات منفعة عامة لمساعدة المجتمعات التي تحتاج إلى المساعدة خصوصا تلك التي تعيش في ظل خطر حصول الكوارث الطبيعية مثل الزلازل و"التسونامي