×

يكشف ضباط معنيون عن تفشّي الظاهرة في 3 جامعات «مرموقة

التصنيف: المرأة

2013-10-28  05:10 ص  882

 
الفتى لم يبلغ الرابعة عشرة من عمره بعد. وهو، بجسده الضامر ووجهه المتجهم، يتنقل على دراجته النارية في الأحياء الداخلية، موزعاً بضائعه على زبائنه: حبوب مخدّرة، حشيشة الكيف، ودواء السعال الشهير «سيمو». يحمل أمثال الفتى لقباً تقنياً: «مروّجاً صغيراً».
«الصغير» لديه معارف «كبيرة» في السوق. وهم تارة يسبغون عليه صفة الموزّع، أي ما يشبه «الدليفري»، وتارة ثانية يكتسب مهمة الاتجار المحدود: أرباح قليلة يكسبها الفتى بعد رفع أسعار البضاعة عن ثمنها الأصلي.
البضاعة موجودة في «نبع» واحد لكل منطقة. في الضاحية، ثمة شارع يُعرف باسم حيّ الجورة، بينما في الطريق الجديدة ثمة حيّ متاخم لمخيم شاتيلا، يشكّل «نبعاً أساسياً» للمخدرات بأنواعها كلها. في الشارعين، يستطيع المرء، بارتياح ومن دون تعريف مسبق، أن يشتري الممنوعات المخدّرة كلها: كوكايين، هيرويين، «سيمو»، حشيشة الكيف»، حبوب نشوة وهلوسة.
مثل سائر السلع، تتغير أسعار المخدرات في السوق. تتوزع لائحة الأسعار حالياً، وفق مصدر أمني، كالتالي: يراوح سعر غرام الكوكايين بين أربعين وثمانين دولاراً (الكيلو بين 35 ألف دولار و60 ألف دولار)، وذلك تبعاً لجودة المادة ونقاوتها. أما الهيرويين، فيراوح سعر الغرام الواحد بين 10 وعشرين دولاراً، وهو يُعتبر «مخدرات الفقراء»، بينما الكوكايين معروف باستخدامه من جانب الطبقات الميسورة مالياً.
وفي حين يمكن أن يبلغ ثمن كيلو الكوكايين 60 ألف دولار، فإن أقصى سعر يمكن أن يبلغه كيلو حشيشة الكيف هو ألف وأربعمئة دولار. أما «أقراص النشوة»، التي تُعرف بحبوب الهلوسة، فيتم بيعها بالحبّة، ويراوح سعر الغرام منها بين 15 و20 دولاراً.
الزبائن مقسمون إلى مرّوجين ومتعاطين. المرّوجون شبان، لديهم حصة من البيع. أما المتعاطون فمقسمون بين من يتعاطى «بهدف الاستمتاع مجنباً المجتمع تصرّفاته العنيفة»، وبين من «يتخذ من السرقة والنشل والسلب مهنة رديفة، تهدف إلى تمويل جيوبه بغية شراء المخدرات التي أدمنها»، وفق ضابط معني.
فساد ورشى
ثمة أسماء معروفة بقصصها الهادفة إلى السلب في الضاحية والطريق الجديدة. يروي أبناء المنطقتين قصصاً عن شبان يعترضون طرقهم في النهار والليل، شاهرين السكاكين بعيون نصف مفتوحة، ومطالبين المواطنين بإفراغ جيوبهم.
الشاب ع. ق. الذائع الصيت في الضاحية. يقولون إن «نهايته ستكون القتل»، بسبب الإشكالات اليومية التي يفتعلها من دون وعي. الجهات الحزبية المعنية حاولت مراراً تسليمه إلى القوى الأمنية، لكن الشاب كان يخرج من سجن رومية أكثر عزيمة وتوقاً إلى استخدام الحبوب المخدّرة، ثم يلجأ إلى عمليات السلب حين يحتاج إلى المال كي يعاود شراء المخدرات.
ويروي بعض سكان منطقة برج البراجنة قصصاً عن التعاطي العلني لشبان يافعين في بعض الأحياء السكنية، مؤكدين أن الاتجار يغدو أكثر سهولة بسبب وجود منبع المخدرات في حي الجورة، حيث «يستطيع أي طفل أن يتوجه إلى هناك، ويشتري ما يريد من المخدرات»، يقول أبناء المنطقة.
كذلك الأمر في الطريق الجديدة، حيث تنشط عمليات البيع والشراء في حيّ قريب لمخيم شاتيلا، بينما القوى الأمنية تحاذر الاحتكاك بالمرّوجين هناك، خوفاً من اندلاع معارك مسلّحة قد تمتد إلى داخل المخيم، علماً بأن حيّ الجورة أيضاً متاخم لمخيم برج البراجنة.
وسط ذلك، يكشف ضابط أمني لـ«السفير» عن «وجود خطة أمنية جدّية، يشرف عليها رئيس مكتب مكافحة المخدرات العقيد غسان شمس الدين، بالتنسيق مع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، تقضي بتنفيذ عملية دهم أمنية واسعة للشارعين في الضاحية والطريق الجديدة، على الرغم من وجود مخاطر جسيمة».
ويوضح الضابط أن شمس الدين تبلّغ من مصادر ميدانية متعددة، أن حيّ الجورة يشكّل فضيحة للدولة، بسبب الفلتان الذي يشهده وانعكاساته على المجتمع، مشيراً إلى أن «آخر محاولة لتوقيف أحد أبرز المطلوبين في الحي المذكور، جرت قبل نحو شهر، مستهدفة أ.س. المطلوب بمئة وخمسين مذكرة قضائية. وقبل توقيفه، كان يردد صارخاً: أطلقوا النار على الدورية».
أطلق أفراد مجموعته النار باتجاه الدورية الأمنية، لكن تم توقيفه من دون وقوع جرحى. مع ذلك، لا ينكر الضابط أن المسيطرين على حيّ الجورة يدفعون رشى مالية لبعض الضباط في الأمن، بغية ضمان عدم توقيف الرؤوس المدبّرة.
«تجار كبار»
يقول ضباط معنيون في ملف المخدرات لـ«السفير» إن لبنان يعاني «بصورة كبيرة» من تهريب الكوكايين والهيرويين، وبعض الحبوب المخدّرة، خصوصاً الـ«كبتاغون». يتم استهلاك الكميات الواردة في الأسواق المحلية، باستثناء الـ«كبتاغون»، إذ يُعاد تهريبها إلى الدول العربية، ولا سيما دول الخليج، بينما يتم تهريب مادتي الكوكايين والهيرويين إلى أستراليا وقبرص.
تتوزع مصادر الكوكايين في بلاد عدة، لكن أبرزها يُهرّب إلى لبنان من بوليفيا والبرازيل والبيرو وفنزويلا والباراغواي. أما الهيرويين، وفق ضباط في مكتب مكافحة المخدرات، فمصادره أفغانستان وإيران وتركيا، بالإضافة إلى إنتاج محلي «محدود جداً». وسط ذلك، يتم تهريب الحبوب المخدّرة إلى لبنان من دول أوروبا الشرقية والصين.
يشير الضباط المعنيون إلى أن مهرّبي المخدرات يستفيدون من صعوبة تحقيق مراقبة شاملة ومستدامة على امتداد الحدود البرية، بين لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة، وذلك لتهريب المخدرات من لبنان وإليه عبر الأراضي الوعرة والمسالك غير الشرعية، نتيجة النقص في العناصر الأمنية وعدم وجود تجهيزات للكشف عن أماكن إخفاء المخدرات خلال تهريبها.
وفي حين تم توقيف 49 مهرّباً و117 تاجراً و399 مروّجاً خلال عام واحد، إلا ان «التجار الكبار» يلوذون في مناطق ذات لون مذهبي واحد، متحصنين في أماكنهم بين أبناء القرى. ويقول أحد الضباط المعنيين إن عددهم نحو 37 «تاجراً مهماً»، مؤكداً أن «ما يُقال عن وجود حصانة سياسية وأمنية لديهم، هو مبالغة. توقيفهم رهن الخطط الأمنية التي تتجنب إراقة الدماء».
ويستشهد الضابط بعملية توقيف ع.م. الملقب بـ«دليفري المخدرات» قبل أسابيع في البقاع، الذي يُعتبر من أهم المرّوجين للمخدرات في لبنان وثمة 500 مذكرة قضائية بحقه. يقول الضابط: «قبل توقيفه، سمعت أن الرجل يتمتع بغطاء سياسي. مع ذلك، تم توقيفه ولم نسمع أي اعتراض أو وساطة سياسية. ومثلما فعلنا مع ع.م.، ثمة مفاجآت في الأسابيع المقبلة، إذ هناك أسماء مهمة نعمل على توقيفها».
التهريب جواً وبحراً
لا يقتصر التهريب من لبنان وإليه على البر، بل ثمة سبل لتهريب المخدرات عبر الجو والبحر. وأبرز وسائل التهريب تتم عبر وضع المخدرات في صناديق، أكياس داخل ملابس، علب الحلويات، حقيبة ذات قعر مزدوج، كبسولات، أحذية نسائية، دراجات نارية، مقاعد خشبية، أرغفة خبز في حقائب سفر، قطع سيارات، مقصورات شاحنات، علب فاكهة مجففة.
ويكشف الضباط المعنيون عن تفشّي ظاهرة تعاطي المخدرات، أخيراً، في ثلاث جامعات «مرموقة» في بيروت. وتبين وجود نسبة كبيرة من الطلاب الذين يتعاطون الحبوب المخدّرة والحشيشة، وتم توقيفهم فاعترفوا بأن زملاء في الجامعة كانوا يروّجون المخدرات. وعند توقيف المروّجين، اعترف هؤلاء بوجود مروّجين في مدارس رسمية وخاصة!
وبدا لافتاً للمحققين أن الطلاب المروّجين ينتمون إلى عائلات ميسورة مالياً، أي أنهم ليسوا بحاجة إلى الترويج بغية الاستفادة المالية مقارنة بأوضاعهم الاقتصادية. أما الطلاب المتعاطون فاتفقت إفاداتهم لدى القوى الأمنية على قاسم مشترك: «تعاطينا المخدرات بدافع التجربة فقط». وفي حين يتحفظ الضباط المعنيون عن كشف عدد الطلاب الذين تم توقيفهم، لكنهم لا يمانعون الكشف عن عدد الطلاب المروجين، مؤكدين أنهم 5 طلاب في 3 جامعات بارزة.
أما الموقوفون بشكل عام، فيبدو لافتاً ارتفاع عدد المتعاطين الذين هم دون سن الثامنة عشرة ارتفاعاً تصاعدياً من العام 2008، حيث كان عددهم 30، وبلغ 39 موقوفاً في العام الماضي. أما من هم فوق الثامنة عشرة، فارتفع عددهم من 298 في العام 2008، إلى 847 في العام الماضي. ومن هم في عمر السادسة والعشرين حتى 35، فقد قلّ عدد الموقوفين منهم من 1032 في العام 2008، إلى 928 في العام الماضي.
يشير ضابط معني لـ«السفير»، استناداً إلى أرقام رسمية، إلى أن الموقوفين بتهم تعاطي المخدرات، تتفاوت أوضاعهم الاجتماعية، لكن العدد الأكبر منهم يعانون من البطالة. أما البقية، فتتوزع مهنهم وفق التالي: تحتل فئة «العامل العادي من دون اختصاص» المرتبة الثانية بعد الموقوفين الذين يعانون من البطالة، ثم تأتي فئة «حلاق ومزيّن»، ثم «فنان»، طالب في المدرسة أو الجامعة، موظف في قطاع خاص، سائق، «مهن أخرى».
ويؤكد المعنيون في ملف المخدرات أن «المخبرين ينقلون إلينا ما يحصل في الضاحية والطريق الجديدة. ثمة فضيحة اجتماعية، وتأكد لدينا أن نسبة التعاطي في المنطقتين آخذة بالارتفاع بصورة كبيرة»، مشيرين إلى أن «بعض الجهات السياسية تحاذر الاحتكاك بالمروّجين والمتعاطين، كي لا تصطدم بالعائلات المحسوبة عليها انتخابياً».
«ريفو».. «ليغا»
يضحك الشاب العشريني رداً على سؤال «من أين تشتري الحشيشة؟». يلوّح بيديه هازئاً: تقصد بالسؤال أين تستطيع ألا تعثر على أحد يبيع الحشيشة، وغيرها من المخدرات؟». يحمل هاتفه الخلوي موجهاً إصبعه نحو الشاشة. ثمة أسماء كثيرة. يتصفحها قائلاً: «رسالة واحدة لأي منهم، ثم بعد دقائق تصل البضاعة إلى المكان الذي تريده».
يفتخر الشاب الجامعي «بأنني لن أنتقل من سيجارة الكيف إلى الحبوب أو الهيرويين»، مستعيناً بدليل «مؤكد»: «أدخّن هذه السيجارة منذ ثلاثة أعوام. أصبحت مثل حبيبتي، بينما أصدقائي انتقلوا إلى حبوب الهلوسة وبعضهم يتعاطى الهيرويين».
الفضول كان الدافع الأساس للشاب كي يتعرّف إلى سيجارة الحشيشة. «سمعت عنها كثيراً. وذات يوم، في عيد ميلاد صديقتي، اجتمع الشبان وراحوا يدخنّون الحشيش. قالوا لي إنها ستشعرك بالطيران، ولا تعود سلباً على الصحة الجسدية». حينها، كان التعارف الأولي بين الشاب والسيجارة. لكن «هناك بعض الأصدقاء تحولوا إلى لصوص عندما أدمنوا الحبوب. هم مستعدّون أن يسرقوا أمهم كي يشتروا البضاعة».
تتقاطع إفادات بعض الشبان الذين يتعاطون الحبوب المخدرة، في خانة مشتركة: «هذه الحبوب هي ملاذنا. جزء كبير منّا لا يعمل. ماذا نفعل؟ الحبوب المخدّرة تجعلنا نهرب من واقعنا، لكنها في الوقت ذاته تدمّرنا». يقولون إن «أصعب اللحظات التي نواجهها، تتجلى عندما نحتاج إلى المال كي نشتري الحبوب. ولأجل الحصول عليها، نحن مستعدون لفعل أي شيء».
قبل أشهر، كانت حبّة الـ«ريفوتريل» تُعتبر الأكثر شهرة ورواجاً بين متعاطي الحبوب المخدّرة. ويقول ضابط معني لـ«السفير»، إن مكتب مكافحة المخدرات ضبط نحو 18020 حبّة مخدّرة (متنوعة) من بداية العام الحالي حتى شهر أيلول الماضي، بينما تم ضبط أكثر من 11 مليون حبّة «كبتاغون».
أما اليوم، فثمة حبّة مخدّرة ملقّبة بـ«ليغا»، بدأت تزاحم الـ«ريفو». يقول سكان بعض الأحياء التي تشهد نسبة تعاطي مرتفعة في الضاحية والطريق الجديدة، إن انعكاسات حبّة الـ«ليغا» على المجتمع، أكثر «أماناً بالنسبة إلينا»، موضحين: «تبيّن لنا أن هذا الدواء يجعل المدمن مثل قطة خائفة، فيتحاشى الإشكالات ويلوذ بالوحدة، بينما حبّة الريفو كانت تحفزّهم على الإشكالات الدموية بصورة مرعبة».
يسبب تعاطي الحبوب المخدّرة، تحديداً «MDMA» و«Ecstasy»، ظهور عوارض عدة، أبرزها: ارتفاع ضغط الدم، زيادة في دقات القلب، تشنج العضلات، غثيان، حركة عين سريعة، قشعريرة، ارتياح كلي، فقدان الشهية للأكل والشرب والنوم. وتكمن مخاطر استخدامها في «تدمير العقل، لا سيما التفكير والذاكرة، وثمة تأثير مباشر في الكبد».
ولحشيشة الكيف عوارض عدة أيضاً، أبرزها: خفقان في القلب، شعور بالخوف، جفاف في الفم، احمرار في العينين. ومن مخاطر إدمانها: اضطراب في الذاكرة، تشويش ذهني، تأثير في القلب وجهاز التنفس، ضعف في جهازي المناعة والتناسل.
وفي حين تكمن مخاطر إدمان الكوكايين بوجود قلق مزمن وانفصام في الشخصية وخطر التفكير بالانتحار، غير أن هواجس الإدمان على الهيرويين تتجلى في مخاطر عدة، أبرزها: لامبالاة وعدم اكتراث، تسمم يؤدي إلى الموت نتيجة جرعة زائدة، الإصابة بالـ«سيدا» نتيجة استعمال حقن من جانب أشخاص كثر في وقت واحد.
يؤكد الضباط المعنيون أن عدد الوفيات نتيجة تعاطي المخدرات لا يتخطى الـ15 شخصاً خلال كل عام، بينما أوقف 997 ذكراً و35 أنثى بتهمة تعاطي حشيشة الكيف خلال العام الماضي. أما الهيرويين، فتم توقيف 351 ذكراً و12 أنثى يتعاطون هذه المادة، بينما حظيت مادة الكوكايين بـ454 متعاطيا من الذكور و25 من الإناث.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا