بقلم ثريا حسن زعيتر

من يُعرقل تشغيل «المستشفى التركي التخصصي للطوارئ والحروق» في مدينة صيدا؟
ولماذا لم يتم تعيين مجلس إدارة جديد؟
وهل صحيح أن ثمة خلافات حول التوظيف والحصص تعيق إنجاز ذلك؟
تساؤلات كثيرة يطرحها أبناء مدينة صيدا ومعهم الجنوب، وهم يرون بأم العين هذا المستشفى الحديث والمتطوّر مقفل الأبواب بلا حركة أو إفادة من تجهيزاته وخدماته، في وقت تضطلع فيه المستشفيات الخاصة في لبنان بدور هام في نهضة القطاع الصحي والاستشفائي، وتقديم الخدمات الطبية للمرضى، وتوفير فرص العمل للمزيد من الأطباء والممرضين، وتزداد الأهمية إذا كان مستشفى تخصصي وفي منطقة خارج العاصمة اللبنانية...
وأهمية التساؤل اليوم، يأتي بعد مرور ثلاث سنوات على انتهاء بنائه وتجهيزه بأحدث الآلات والمعدات الطبية منذ تشرين الثاني 2010، حتى بات الخوف من تعطّلها في حال لم يتم تشغيلها، لأنها تحتاج إلى مواد كيميائية وحركة بشكل مستمر، علماً بأن بلدية صيدا تقدّمت بمبادرة من أجل تشغيل المستشفى وتحمّل نفقات المصاريف في السنوات الأولى...
«لـواء صيدا والجنوب» يُسلط الضوء على واقع «المستشفى التركي» اليوم، ويحمل تساؤلات أبناء صيدا إلى وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل، حول الأسباب الحقيقية لعدم تشغيل المستشفى، ويلتقي رئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي لإستيضاح أسباب التأخير...

التأسيس والمراحل
«المستشفى التركي التخصصي لمعالجة إصابات الحروب والحروق» يقع عند المدخل الشمالي لمدينة صيدا، على العقار رقم 1667 في المنطقة الوسطاني، تملكه بلدية صيدا وتبلغ مساحته 14210 متراً مربعاً، وقد أبصر النور بمساعٍ بذلها الرئيس فؤاد السنيورة، حيث تم عبر «مجلس الإنماء والأعمار» قبول هبة عينية بقيمة 20 مليون دولار أميركي، مقدمة من الحكومة التركية، بالتنسيق مع بلدية صيدا، صاحبة الأرض، ومع وزارة الصحة العامة.
وفي العام 2007 وافق مجلس الوزراء على الهبة، وفي العام 2008 قرر أن تتولى إدارته مؤسسة تعليمية جامعية، ووقّع «مجلس الإنماء والإعمار» مذكرة التفاهم، وفي العام 2008 صدر عن وزير الصحة العامة الدكتور محمد جواد خليفة القرار رقم 640/1 القاضي بإنشاء لجنة فنية لمتابعة تنفيذ المشروع. وفي العام 2009 أبرمت الاتفاقية بين «الوكالة التركية للتعاون الدولي والتنمية» بالنيابة عن حكومة الجمهورية التركية و«مجلس الإنماء والإعمار» بالنيابة عن حكومة الجمهورية اللبنانية، وهي الاتفاقية  التي كانت قد وقّعت في أنقرة بتاريخ 3 تشرين الثاني 2008.
إقفال وأسباب!
وبتاريخ 25 تشرين الثاني 2010، جرى تسليم المستشفى من الحكومة التركية إلى الدولة اللبنانية، باحتفال أقيم في باحة المستشفى شارك فيه، رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، ومنذ ذلك التاريخ ما زال المستشفى ينتظر تشغيله والإستفادة من خدماته، علماً بأن مبنى المستشفى مقفل حالياً، ولم يتم تعيين أو تخصيص أي جهاز إداري أو طبي له فالمستشفى واقع بملكية بلدية مدينة صيدا، كونها تملك الأرض، وأصبح ضرورياً الإستعانة بمؤسسة جامعية لإدارته، على أساس المعايير الاستشفائية الحديثة، بالإضافة إلى ذلك، ونظراً لأنه سيكون من الصعوبة بمكان أن تبادر الدولة اللبنانية إلى تأمين المبالغ اللازمة لهذا المستشفى الذي تم بناؤه واكتمل تجهيزه، لتشغيله، وهناك حاجة لتأمين المبالغ اللازمة للتشغيل في الفترة الأولى من عمل المستشفى (working capital)، والتي هي بحسب الدراسة التي أعدّها «مستشفى الجامعة الأميركية»، ينبغي أن تكون بحدود 12 مليون دولار أميركي، على مدى السنوات الثلاث الأولى من عمل المستشفى، وهو ما ينبغي العمل على تأمينه من مصادر عدة، ومن أهالي مدينة صيدا ومن أفراد ومؤسسات لبنانية وعربية، تحت إشراف مجلس أمناء يُمكن إنشاؤه خصيصاً وحصراً للإشراف على إدارة المستشفى، ويتولى العمل على تدبير الأموال اللازمة لذلك.
اليوم... تأخير تشغيل «المستشفى التركي» طرح تساؤلات حول الجهة التي تُعرقل ذلك؟ ما دفع وفد تركي ضم: نائب رئيس وكالة التعاون الحكومية في تركيا (تيكا) هارون تونسر، المستشار القانوني محمد بارلاك ومهندس المشروع جلال الدين غونجنسي، القيام بزيارة صيدا ولقاء رئيس البلدية المهندس محمد السعودي.
وقد سمع الوفد التركي أن بلدية صيدا قامت بما عليها لجهة تقديم طلب تشغيل المستشفى إلى وزارة الصحة منذ الانتهاء من تشييده، كونها الجهة الرسمية، وجهودها للحفاظ على منشآت والتجهيزات الطبية كي تبقى صالحة إلى حين البت بقرار تشغيله.
أجوبة دبلوماسية
المهندس محمد السعودي أكد «أن المستشفى بات جاهزاً من الخارج والداخل عند استلامه منذ ما يقارب 3 سنوات، وقد وعدنا وزير الصحة السابق الدكتور محمد جواد خليفة أن يفتتح بعد 6 أشهر أو خلال سنة كحد أقصى، والسبب أنه بحاجة لوقت لخطة إشراف «الجامعة الأميركية» عليه، ولكن بعد فترة إستقالة الحكومة، عيّن وزيرٌ جديدٌ لوزارة الصحة هو النائب علي حسن خليل، وحتى الآن لا يوجد أي ردود فعل جديّة حول افتتاح المستشفى قريباً».
وأضاف السعودي: «إذا كانت خطة الوزارة أن «الجامعة الأميركية» هي من عليها أن تدير المستشفى، فانه بعد إستقالة الوزارة اتصلنا بـ «الجامعة الأميركية» لتعطينا خبراً عن تشغيل المستشفى، وأجابت هي الأخرى «أن ليس لدينا أي علم» ولكن من الممكن أن نعطي دروساً تساعدكم في العمل بالمستشفى». وعندما قام وفد من «الجامعة الأميركية» بزيارة «المستشفى التركي»، وجدت أنه سيخسر خلال أول خمس سنوات من عمله، وسيقع تحت عجز قدره 12 مليون دولار أميركي، فاقترحنا مبادرة تقودها بلدية صيدا من أجل تشغيل المستشفى خلال فترة أشهر قليلة بإدارة «مستشفى الجامعة الأميركية» في بيروت، في حال حظيت المبادرة بموافقة وزارة الصحة، وتتضمن تشكيل مجلس إدارة يضم في عداده عدداً من المتموّلين من أبناء المدينة، أبدوا استعدادهم لتغطية العجز التشغيلي المقدّر (وفقاً لدراسة أعدتها «مستشفى الجامعة الأميركية» في بيروت) بـ 12 مليون دولار خلال السنوات الخمس الأولى من البدء بالتشغيل».
وتابع: «نحن قمنا بطلب الرخصة منذ سنتين، فقال لنا وزير الصحة خليل «إن المستشفى سيكون جيداً، وخاصةً أنه لن يكلفنا شيئا، والحساب سيكون خاصاً. وعلى الرغم من ذلك، إلا أنه لم يعطنا أي رخصة، للأسف فإن في لبنان كل شيء ينظر له من المنظار السياسي، فنحن بالنهاية نريد تشغيل المستشفى، ومن المؤسف أن يقبل لبنان هبة من الدولة التركية، وهو يقوم بتعطيلها».
رسالة خاصة
ووجّه المهندس السعودي رسالة إلى وزارة الصحة اللبنانية، قائلاً: «أطلب منها الموافقة على الرخصة لكي يتم تشغيل هذا المستشفى، لأنه من المؤسف تعطيل هكذا مستشفى، خاصة أننا قمنا وفريق العمل بالمبادرة الأكبر، إلا أن وزارة الصحة لم تقبل أن تعطينا رخصة، نحن لا نتدخّل ولا نتهم أحد بتعطيل عمل المستشفى، إلا إننا لا نعلم أسباب هذا التأخير؟! فالمستشفى يحظى بتقنيات ممتازة، وخُضع لإشراف «الجامعة الأميركية»، وهناك العديد من المستشفيات غير خاضعة للرقابة يُمكن وصفها بأنها فاشلة. وباسمي وباسم المجلس البلدي وأبناء مدينة صيدا نوجه هذه الرسالة إلى وزير الصحة علي حسن خليل، الذي نكن له كل الاحترام والتقدير، أن يعمل على تسريع تشغيل المستشفى، إما عن طريق إعطاء ترخيص، أو عن طريق الاتفاق مع الجامعة الأميركية».