محمد نمر


دقائق بعد التفجير الثاني في بئر حسن، بدأت صفارات سيارات الاسعاف تدوي في ارجاء شارع السفارات الراقي، هارعة لنقل الجرحى إلى أقرب المستشفيات، ومنها رفيق الحريري الحكومي، الزهراء، الساحل، بهمن والرسول الأعظم.

عند مدخل المستشفى الحكومي اقتربت سيارة اسعاف، انه جريح، "الحمد لله على السلامة"، يقول أحدهم، أما في الباحة الداخلية، فالجميع يحبس الأنفاس حيث غلب الصمت على ضجيج غرف الطوارئ. هنا، 7 قتلى يرقدون، عرف منهم، أحمد زراقط وعفيف احمد حمادة ومهدي محمد وابرهيم فرحات. الجثث الاخرى إما متفحمة واما أشلاء تحتاج إلى فحوص DNA لمعرفة هوية أصحابها. الجرحى في المستشفى الحكومي وصل عددهم إلى 25 شخصاً، حالات اربعة منهم حرجة، وبينهم 6 اجانب، 4 من بنغلادش وواحد من ساحل العاج وآخر من اليمن.
رئيس المستشفى الدكتور وسيم الزين يواكب حال الطوارئ، ويقول لـ" النهار" ان "الاصابات متنوعة بين حروق وجروح بالزجاج... ونعمل على عدم ارتفاع عدد الشهداء".
ندخل مركز الطوارئ، الجميع منشغل، الغرف تفيض بالجرحى وبالدماء. في إحداها، جمال ناصر الدين يتلقى الاسعافات الأولية، ويقول انه كان يمارس عمله في ورشة الحدادة، حين دوى الانفجار الاول، فخرج لتفقد ما جرى، واذ بالانفجار الثاني يدوي موقعاً العدد الاكبر من الاصابات.
تطايرت الشظايا في الاتجاهات كافة، ونال ناصر الدين نصيبه حين اصيب في يده ورجله. الرجل الذي ما زالت معالم الصدمة تقرأ في وجهه، يسأل ""ما ذنبي؟.. ما ذنب من قتل.. والله لا يوفق اللي كان السبب".
الى جانبه، شاب عشريني، يضع يده على رأسه... ويتأوّه وجعاً، معبراً عن ألمين جسدي ونفسي. عند الانفجار كان مع اصدقائه قرب "بنك لبنان والمهجر"، ولدى سماعه صوت الانفجار الأول، سارع ليركب دراجته ويسرع نحو مكان الحادث علّه يستطيع أن يساعد في نقل الجرحى، الا ان التفجير الثاني طاله وألقاه أرضاً.
تدخل فجأة فتاة وتصرخ "بابا وينو.. بابا"، يسرع أحد المسعفين إليها، قائلاً: "لا تقلقي انه بخير"، تقترب أكثر منه وتحتضن والدتها التي لم تشح بنظرها عن الخيط الذي يصنع القطبة في وجه زوجها.
أما في مستشفى الساحل، فقد وصل 13 جريحاً، بينهم حالة حرجة، وعلّقت اسماؤهم على جدار بوابة المستشفى.

"راح يا حاج... راح"
في مستشفى الزهراء الوضع مرعب. فأغلب الضحايا عرفت هوياتهم ما عدا اثنين. المشهد الاول الذي يصادفك هو لامرأة جالسة على كرسي قرب بوابة الحديد الرئيسية تبكي، وأخرى تحاول التهدئة من روعها. وما ان تلتفت نحو باب الطوارئ حتى تصادفك امرأة اخرى يساعدها شابان في السير، وهي منهارة. خلفها مباشرة، مسن منهار حمله شبان، بعدما اغمي عليه.
عند بوابة الطوارئ، بقع الدماء جفت على الأرض، وفي الزاوية يجلس افراد عائلة تبكي، يحتضن افرادها بعضهم بعضا، كبيرهم يتحدث على الهاتف باكياً "راح يا حج، راح". في الرواق، تركض مجموعة من الشبان، يتسابقون على غرف التبرع بالدم، ويختلفون حول من سيتبرع أولاً.
في الزهراء، 7 قتلى، اثنان منهم غير معروفين، وهناك 70 جريحاً، 4 منهم حالاتهم حرجة، وفق ادارة المستشفى. والقتلى هم: رضوان محمد فارس وحسين علي فاعور، ومحمد علي، وعدنان هاشم، بلال زراقط، صباح مصباح الخطيب، علاء الخرسا. ويقول رئيس مجلس ادارة مستشفى الزهراء محمد شعيتو ان الامور توفرت بسرعة باعتبار ان الجراحين متوفرين واستطعنا استقبال كل الجرحى.
جرحى التفجير نقلوا الى الطبقة الثانية، وفي الغرفة 210، ابرهيم حسين، المصاب بحروق وجروح في كل جسده، يفتح عينيه المتعبتين، ويروي: "كنت في عملي، وبعدما انتهينا من تركيب الستائر، هرعت مع بعض الاصدقاء عندما سمعنا صوت التفجير الاول، وإذ بانفجار ثان يطيّرني من مكاني".
في الغرفة 214، حسين شلهوب، والدته تحدق الى ملامحه وتشكر الله على سلامة ابنها، وتحاول أن تخفف عنه المصاب. حسين العشريني يرتجف، ويغمض عينيه مردداً "يا الله". التنقل في مستشفى الزهراء صعب، في المصعد تتصاعد رائحة الدماء والحروق، أما على الدرج، فتقف أم تنتظر الخبر: "زوجي عبد الحفيظ نعماني وولداي الاثنان محمد وعمر اصيبوا، زوجي وعمر في العمليات ولم ارهما بعد، فيما محمد في مستشفى الحريري... كانوا في عملهم خلال التفجير".
في بهو المستشفى، ام اخرى تبكي وتسأل "أين ابني علي العنان... اين ابني يا الله؟"، بحثت في كل المستشفيات ولم أحصل على خبر عنه. عجوز الى جانبها تعبت من البكاء تردد بحرقة: "الله يستر ما يكون بين الجثث".