×

صيدا بين البساطة والعصرنة فالحداثة

التصنيف: Old Archive

2013-11-28  05:33 م  1483

 
 
ذاكرة صيدا الاجتماعية والاقتصادية، أنماط الحياة السائدة منذ مائة سنة... كيف كان الصيداويون يتعاطون مع الأحداث، عندما لم تكن قد ظهرت التكنولوجيا الحديثة بعد( كالراديوهات، والتلفزيونات، ولا الانترنت والفايسبوك والتويتر والسكايب كعصرنا هذا... ). عندما كانت الحياة مطبوعة بطابع البساطة والفطرة والسليقة والعيش المشترك في ظل أكناف التقاليد الموروثة، وما حفظه الطاعنون في السن، والمؤرخون الذين انكبوا على تأريخ سيرة القدامى ممن سبقوهم، أو ما جمعوه من كتب التراث.
لذلك لا تقولن صيدا القديمة، لأن صيدا كلها قديمة، تضرب عميقاً في التاريخ، وهي تعود لعهود غابرة في الزمن السحيق ما قبل صيدون الفينيقية التي زارها هيرودوتس أبو التاريخ في زمن متأخر، بل قل صيدا العتيقة، البلدة الصغيرة التي كانت ببوابتين :" البوابة الفوقا"، و"البوابة التحتا"، اللتين كانتا في العهد العثماني يتم إغلاقهما عند الغروب. أما خارج الأسوار، فلم تكن موجودة سوى بساتين  الفواكه وحقول الخضار ودباغات الجلود.
ضمت البلدة القديمة كل العائلات والأسر التي كانت تسكن في البيوت المبنية من الحجارة الرملية المزدانة بالعقود، وكانت في غالبيتها تضم صحناً للدار فيه بركة ماء تتوسطها فسقية من الرخام، ونادراً ما كانت تتعدى طوابقها الأربعة طبقات للعائلات الغنية. أما العائلات المتواضعة والفقيرة فلم تكن مساكنها تتعدى الطابقين، والسلالم كانت بين خارجية تطل على الصحن أو داخلية طلباً للحشمة والتستر. وينطبق تعبير زفاق على التسمية الشعبية "زاروب"، والسوق هو الشارع الضيق الذي تجتازه العربات ولا الجياد والدواب.
أما الشارع فقد عرفته صيدا مطلع القرن العشرين بشارعين الأول داخلي يمتد من سوق البزركان ويضم في طريقه سوق الصاغة صعوداُ إلى القلعة البرية حيث حي الشارع.
أما الشارع الثاني فكان يمتد من القلعة البحرية مروراً بشارع المطران، ثم الشاكرية ويحاذي الجبانة القديمة وصولاً بدوره إلى القلعة البرية. وكان شارع المطران أول شارع خارج الأسوار القديمة وقد ساهم بتعبيده المطران باسبليوس حجار الشهير الذي بادر بلفتة نادرة في زمانه عندما رمم مسجدين كانا قد تعرضا للخراب، هما جامع المجذوب في محلة الشاكرية والجامع البرّاني الذي بناه الأمير فخر الدين المعني الثاني الذي اشتهر باهتمامه الخاص بمدينة صيدا وبمرفأها.
السؤال الملح الذي يهمنا هنا هو هذه المحاولة المتواضعة لمعرفة أنماط الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وعرف العلاقات بين العائلات والأسر والطوائف والمذاهب في صيدا العتيقة.
إنما راحت مدينة صيدا تفتقده تدريجياً مع حركة النمو السكاني (الديموغرافي) وضيق مساحة المساكن والبيوت التي تؤوي الأهالي، حيث تناسلت العائلات والأسر، فلم يعد بالإمكان إيواء الأبناء وأبناء الأبناء في بيت واحد، أو مبنى واحد أو حارة واحدة. نعم هو التباعد النسبي بين الأنسباء، فلم يعد بمقدور الأجيال الجديدة التصرف ملياً إلى بعضهم البعض، وهكذا نفهم كيف بدأت حركة التوسع السكاني باتجاه البساتين الواقعة خارج الأسوار، لا بل لم تعد تكفي البيوت الزراعية داخلها لإيواء الأولاد فانتقلت أزمة الإيواء بدورها مجدداً إلى البساتين ومن كانوا يتولون العناية بها.
كانت الحياة الاقتصادية تميل إلى البساطة في الأسواق التجارية، كسوق اللحامين وسوق البزركان وسوق الحياكين وسوق النجارين وسوق الحدادين المطل على الميناء  القديمة، حيث ورش بناء المراكب الشراعية للصيادين. وكانت ترد الخضار والفواكه من القرى المحيطة، ومحاصيلها من  خضار وفواكه وحبوب إلى الحسبة القديمة، ليشتريها منهم التجار ليتم بيعها في المحال داخل اللبدة العتيقة. وكان صيادو الأسماك يأتون بصيدهم إلى "الميرة"، حيث يشتريها إما تجار الأسماك، أو الزبائن مباشرة مقابل رسوم تحتسبها إدارة "الميرة" على عملية العرض والطلب.
لذلك الحميمية والبساطة والألفة والتعاضد في الأفراح  والأتراح، والأعياد والمناسبات كانت تطبع العلاقات الاجتماعية، وتتعدى الطائفة الواحدة، لتنسج بين الطوائف المتعددة أي بين الأكثرية السنية، والأقليات الأخرى تضمحل مع الزمن إما باتجاه العاصمة أو إلى المهاجرة. أما اليهود فقد انعكست عليهم القضية الفلسطينية (1948) ثم بعد حروب 1956 و 1967 لينقرضوا تماماً الآن.
وشكلت المدارس مركز استقطاب  للسكان كالأميركان (جيرارد)، والفرير (سانت لويس)، والأسقفية والمقاصد بموازاتها. وكانت جميعها في البلدة القديمة: أما أقدم المدارس الرسمية، فكانت الرشدية أول الأمر قرب البوابة الفوقا. وبسبب إقبال المسيحيين على العلم والمعارف، كانت غالبية الأطباء والمهندسين منهم أول الأمر. إلا أن فتح أبوابها أمام الصيداويين راح يراكم عدداً متزايداً من أصحاب الاختصاصات العلمية من المسلمين.
 المصرف الأول كان البنك العثماني الذي تحول إلى بنك سوريا ولبنان الرسمي، لتسهيل معاملات التجار والباعة وإعطاء القروض.
كانت ساحة باب السراي المحور الرئيسي الذي تتفرع منه الأسواق، حيث نافسته لاحقاً ساحة ضهر المير. وفيهما كانت تتم وتنعقد الاجتماعات العامة والمهرجانات الوطنية والسياسية. الحمامات التركية كانت أربعة " المير - الشيخ - الورد - الجديد.
مقابل الجامع العمري الكبير في محلة ضهر المير، كانت جوامع أقل شأناً في البلدة القديمة كالكيخيا وبطاح وأبونخلة وباب السراي، ثم البراني (فخر الدين) والجنوب. ومقابلها كانت كنائس اللاتين (نيرا سانتا) ومار نقولا ومار إلياس (رجال الأربعين). وقد انقسمت كنيسة مار نقولا بعد 1711 إلى كنيستين واحدة للكاثوليك وثانية للأرثوذكس، إثر الانشقاق داخل الكنيسة الأرثوذكسية بتشجيع من الفاتيكان وفرنسا.
أقدم الخانات كان خان الإفرنج الذي بني في مطلع القرن السادس عشر،  وذلك لإيواء التجار الفرنسيين والبنادقة والتوسكانيين وغيرهم، بناه أمراء السلطانية العثمانية، لأن السلطنة لم تهتم كثيراً بالتجارة الخارجية. أما خان الرز المطل على الميناء القديم فكان أقل شاناً يستخدم لإيواء المسافرين والدواب.
استأثر المسيحيون ببعض الحرف كبيع وصياغة الذهب والحدادة، وذلك لانصراف المسلمين على عادة الشعوب العربية الأوائل للتجارة والجيش والإدارة. أما اليهود فكان همهم الأول الانصراف للصيرفة ومشاركة المسلمين بعض أعمال التجارة.
كان الزي الغالب على الصيداويين ارتداء العباءة في البرد مع الطربوش، والقمصان مع الصداري في مواسم الحر هذا للرجال، أما النساء فكن يرتدين الفساتين الداكنة اللون مع مناديل على الرؤوس والنقاب للمحافظات المتشددات.
وقد عرفت صيدا البواكي لإيواء الجياد والدواب والطيور والدواجن والماشية، كالأبقار والخراف والماعز. لذا كانت إحدى الهموم اليومية تأمين العلف والاهتمام بالخيول والبيطرة وسواه.
تأخرت الطباعة والمطابع لتصل إلى صيدا حتى القرن التاسع عشر، حيث بدأت مع مطبعة العرفان (آل الزين) بعد السماح من قبل السلطنة للمسلمين بطباعة القرآن الكريم والحرف العربي. ولم تعرف صيدا المجلات والصحف إلا مع مجلة العرفان، وفي وقت لاحق جريدتان لم تعمرا طويلاً هما "أبابيل" و "العصر".
ولم تسقمل صيدا كدائرة انتخابية عن الدائرة الجنوبية (14 نائباً) إلا عام 1953 مع نزيه البزري، ثم معروف سعد (1957، 1960، 1964، 1968)، ثم نزيه البزري مجدداً عام 1972 قبيل اندلاع الحرب الأهلية مع استشهاد معروف سعد (1975).
 

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

الوكالة الوطنية للاعلام

تابعنا