×

الأم تقدم لأولادها حياتهم ... لكنها في لبنان تُمنَع من إعطائهم أموالها

التصنيف: Old Archive

2009-09-23  06:06 ص  1745

 

زينب ياغي

تروي إيمان أبو عياش، الموظفة في «بنك بيروت والبلاد العربية» منذ 22 سنة، أنها حاولت فتح حساب مصرفي لولديها في المصرف الذي تعمل فيه، ولكنها فوجئت، وهي المصرفية، بأنها لا تستطيع القيام بذلك، فاضطرت لإبقاء مدخراتها باسمها. ثم جربت شراء أسهم من شركة «سوليدي» باسم أولادها، لكن الجواب كان أيضا الرفض. والمشكلة أن القانون اللبناني لا يسمح إلا لأولياء الأمور فقط، أي الآباء، بإجراء معاملات مالية لأولادهم.
ورثت إيمان أملاكا وأموالا عن أهلها، تريد توريثها لولديها، وهي مضطرة حاليا لكتابة وصية، من أجل أن تذهب الأملاك إليهما، في حال وفاتها.
وتقول بما يشبه الحسرة إنها أرادت الذهاب مع ابنتها في رحلة سياحية إلى تركيا، لكنها لم تستطع أخذها معها، بعدما ترتب عليها الحصول على موافقة زوجها، وكان مسافرا في حينها، فأغضبتها تلك الإجراءات، وألغت الرحلة.
توضح إيمان أن ابنها يبلغ من العمر حاليا ثلاثة عشر عاما، وهي لا تستطيع في غياب زوجها أن تقوم بأي معاملة خاصة به، مشيرة إلى أن نساء عدة يقصدن المصرف لفتح حسابات لأولادهن، ومن ثم يفاجأن بعدم استطاعتهن القيام بذلك.
وقد تبين أن عددا من المصارف، وهي ملزمة بالتقيد بالقانون اللبناني، اعتمد صيغة تخفف من المنع الذي تواجه به الأم، من خلال الموافقة على قيام الأب بإعطاء وكالة داخلية لزوجته، تتيح لها التصرف بحسابات الأولاد.
ويصف موظف في «بنك الاعتماد» القانون الحالي بأنه «متخلف»، لكنه يقول: «مع ذلك لا نستطيع مخالفته، والتغيير يتطلب قرارا من قضاة محاكم الأحوال الشخصية، وذلك القرار له شروطه أيضا»، داعيا النساء للمطالبة بحقهن في تعديل القوانين.
وفي «فرنسبنك» طرحت إحدى الموظفات صيغة موازية أو بديلة للحساب المصرفي هي الادخار. وأوضحت أن الأم تستطيع ادخار الأموال لأولادها عن طريق برامج خاصة يقدمها المصرف، وتحصل بموجبها على ضمانة مصرفية مفادها أنه لا يستطيع أحد التصرف بتلك الأموال سواهم.
وتشمل تلك البرامج الادخار للتأمين الدراسي أو الصحي أو غيرها، وهي تبدأ بعبارة عاطفية: لديك أطفال، أنسباء، أو أحفاد، تريد أن تمنحهم كل وسائل النجاح، يمكن أن تؤمن لهم كل هذا في سن مبكرة. وتكمن المفارقة فيها أن الأم تستطيع وضع أموال لأولادها، على شكل دفعات شهرية، لكنها لا تستطيع وضع مبلغ يغطي سنوات التعليم جميعها، دفعة واحدة، إذا كانت تملكه.
استدعى تزايد المشكلة، قيام جمعية «الاتحاد النسائي التقدمي»، بمبادرة خاصة تستدعي جهودا قانونية واقتصادية، عنوانها يعبر عن التناقض بين مكانة الأم الفعلية تجاه أولادها، وبين مكانها الغائب في قوانين الأحوال الشخصية: تؤتمن الأم على حياة أولادها، ولا تؤتمن على الحسابات المصرفية، فهل أصبحت الحسابات أغلى من الحياة؟ يسمح للأم أن تهب أولادها العقارات في السجل العقاري، فلماذا لا يسمح لها أن تهب الأموال المنقولة والحسابات المصرفية؟
وتوضح رئيسة الجمعية وفاء عابد أنه لا مواد في قوانين الأحوال الشخصية تمنع المرأة من وضع حسابات باسم أبنائها، بل هناك مواد تنص على أنه للأب الولاية الجبرية على أولاده القاصرين، وتشمل الولاية على النفس وعلى الأموال.
في المقابل، لا تستطيع الأم أن تكون وصية على أموال أولادها القاصرين، حتى في حال وفاة الأب، بل تذهب الوصاية إلى الأقارب الذكور. أما في حال وفاة الأم، فلا تنتقل الأموال التي في حسابها إلى أولادها، بل تُوزّع بين الأولاد وبين الأقارب بحسب قوانين الميراث لدى كل طائفة.
وتقول عابد، وهي مسؤولة في تدقيق الحسابات المصرفية، إنها تسمع باستمرار تذمر الأمهات اللواتي يشكين من أنهن ينجبن الولد ويعطينه حياته، ويردن تأمين ضمانات مالية له من أجل التعلم أو شراء منزل، أو مساعدته في مصروفه. وتوضح أن تلك المشكلة تبرز كثيرا، في حال وجود خلافات بين الأم والأب، أو إذا كانت الأم مطلقة مثلا، فكيف ستؤمن على أشخاص آخرين للتصرف بأموالها؟
تضيف أن الجمعية اطلعت على قوانين الأحوال الشخصية التي فيها ولاية جبرية للأب على أبنائه القاصرين في دول أخرى، ومن ثم جرى تطويرها بما يسمح للأم وضع حساب باسم أولادها، في كل من الكويت وإيران والهند، وتحاول الجمعية الاستفادة من النصوص المطورة في تلك القوانين، لاستنباط الحلول المناسبة.
ويتم حاليا إعداد دراستين قانونية واقتصادية، الأولى لتقديم اقتراحات لا تتطلب تعديلا في قوانين الأحوال الشخصية، والاتاحة للأم في الوقت نفسه بفتح حساب لأولادها بشروط خاصة، والثانية لتبيان الجدوى الاقتصادية من فتح حسابات بأسماء الأولاد.
كما يجري عقد حلقات نقاش في المناطق لشرح أهمية الاقتراحات، قبل القيام بحملة تواقيع موجهة إلى جمعية المصارف والى المصارف كل على حدة ، تدعوها إلى إنهاء الوضع الشاذ، وطرح منتج مصرفي جديد يسمح للأمهات بفتح أنواع معينة من الحسابات الآمنة لأطفالهن، بما لا يتعارض مع القوانين المرعية الإجراء.
بدوره، يوضح المحامي غسان محمود الذي يقوم بإجراء الدراسة القانونية للجمعية، أن السماح للأم بوضع حساب باسم أولادها يتطلب تعديلات في ثلاثة قوانين هي: الأحوال الشخصية، والتجارة، والنقد والتسليف، وربما قانون العقوبات. كما يتطلب آلية طويلة تقضي بتحويل اقتراحات التعديل إلى مجلس الوزراء من أجل الموافقة عليها، ومن ثم تحويلها إلى مجلس النواب لإقرارها، وتلك مهمة دونها عوائق كبيرة.
ومن الواضح أن تلك القوانين لم تأخذ بالتغير الذي حصل في وضعية المرأة في لبنان، بعدما أصبحت المرأة منتجة لديها دخلها الخاص، فيما القوانين ما زالت من العهود التي كانت تعيش فيها المرأة على نفقة زوجها.
ويعمل محمود على إيجاد صيغة محاذية للقوانين، تقضي بتنظيم عقد بين المصارف وبين الأم التي تريد فتح حساب مصرفي لأولادها، مشيرا إلى أن الموضوع دقيق ويجب إيجاد صيغة متكاملة تتيح للأولاد التصرف بأموال أمهاتهم، من دون الوصي عليهم. وتشبه صيغة العقد الذي يجري إبرامه صيغة العقود الخاصة بالقرض السكني أو الصحي أو التعليمي.
ويقول محمود إن هناك عاملا اقتصاديا محركا في وضع الحسابات المصرفية باسم أكثر من شخص هم الأم وأولادها، كما يؤمن للأولاد نوعا من الاستقرار النفسي، عندما يشعرون بوجود ضمانة مالية للمستقبل لا تخص أحدا غيرهم.
ولا يستدعي ذلك العقد، كما يوضح محمود، قرارا من مجلس الوزراء، بل تعميما من مصرف لبنان على المصارف العاملة في لبنان، يطلب منها فيه الالتزام بالعقد.
وسوف تعلن الدراسة في النصف الأول من الشهر المقبل تقريبا، على أن تبدأ بعدها حملة التواقيع، على أمل وضع الصيغة موضع التنفيذ.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا