×

من صيدا كرسي الماضي الجميل تقاوم.. بحبال من القش

التصنيف: إقتصاد

2014-01-13  07:41 ص  1052

 

رأفت نعيم

في زمن فراغ "كراسي" الحكومة وهاجس الخوف من الفراغ في "كراسي" الدولة، ينشط الطلب على كراس من نوع آخر، كاد الزمان يطوي عزها ويحيلها تراثا للزينة، لو لم يعد احياءها بعض من توارثها عن الآباء والأجداد وساهم في اعادة الوهج اليها، حنين الكثيرين في هذا البلد لكراسي الماضي الجميل ولو كانت من القش، بعدما خذلتهم كراسي هذا الزمان البائس.
على الواجهة البحرية لصيدا القديمة ينكب حسين كوسا على جمع اضلاع خشبية وتشبيكها يدويا بحبال القش لتخرج من تحت يديه كرسيا من القش، يضمها الى مجموعاته،مختلفة الأشكال والأحجام والألوان، التي تتصدر مدخل محترفه الصغير حيث تستوقف العابرين، وتجتذب الزائرين بقصد الشراء.
يقول الثلاثيني حسين انه تعلم هذه الحرفة عن والده الذي لا يزال يعمل فيها ايضا، وانه رغم بلوغه المرحلة الجامعية وعمله في اكثر من وظيفة الا انه لم يجد نفسه الا في هذه الحرفة التي تفتحت عليها عيناه صغيرا، وتربى ونشأ بين يدي والده وهو يكد ويبدع فيها.. ما جعله شغوفا بها.
ولكن ثمة اسبابا أخرى تجعله متفرغا لهذه الحرفة رغم انها غير مربحة مقارنة مع غيرها من الحرف والمهن، يضيف حسين: "انا متمسك بها لأن لا بديل عنها، ولأن الذين يعملون في هذه الحرفة قلة في هذه المنطقة..لقد وجدتها افضل من الوظيفة، لأنك تكون فيها سيد نفسك وغير مقيد لدى رب عمل، ومردود تعبك لك وحدك".
ينجز حسين في مواسم الطلب على كراسي القش ما معدله 20 كرسيا في اليوم، وهو يعني بالمواسم تلك التي يزيد فيها استخدامها وتحديدا الربيع والصيف حيث يكثر الطلب من قبل المطاعم والمقاهي على كراسي وطاولات ومقاعد القش المصنوعة يدويا لمتانتها ولكونها تجذب الزبائن، او لكونها اقل كلفة مقارنة مع كراسي البلاستيك والمعدن.. وكذلك تأتيه طلبات خاصة من هواة وعشاق التراث بهدف الاقتناء الشخصي او تجهيز غرفة تراثية في منزل جديد.. والطلبات تأتيه من صيدا ومن مناطق لبنانية مختلفة. ومن بين زبائنه شخصيات عامة في غير مجال. ولكنه يرى ان هذه الحرفة في طريقها الى الانقراض بسبب تناقص عدد العاملين فيها، لأن معظمهم من كبار السن وقليلون من علموها لأولادهم او من يتابع ابناؤهم مسيرتهم فيها.
يقول حسين "اشكال واحجام الكراسي والمقاعد تكون عادة وفقا لما يطلبه الزبون او بناء لإقتراحات من قبلنا او بإطلاع الزبون على مجموعة من الصور لبعض ما صنعته من " موديلات".
ولكرسي القش اهمية ورمزية لدى معظم زبائنه: "كثيرون يأتون ليتفرجوا او يشتروا، ولكن القاسم المشترك هو تلك الابتسامة التي ترتسم على وجوههم وهم يتأملون هذه الكراسي، حتى ان بعضهم قال لي ان كرسي القش تذكره ببيت جده وبطفولته وبعضهم قال ايضا انها تنبش فيه حنينا دفينا الى ماض جميل".
ويرى ان "ليست كل الكراسي مريحة في الجلوس، وان هذا يرتبط بمن يجلس عليها واذا كانت تناسبه ام لا ".
وعندما نحاول اسقاط قوله هذا على الواقع السياسي، يبتسم ثم يقول بهدوء: "ما خصني بالسياسة"، ثم يستدرك قائلاً: "الكرسي يجلس عليها الجميع ، الصغير والكبير، الفقير والغني.. والكل يجلس حسبما يرتاح ".
ولا يكتفي حسين بما تنتجه يداه من اعمال فنية من الخشب والقش، بل يسعى دائما لتطوير حرفته بادخال بعض التقنيات والألوان، وابتكار اشكال جديدة كالكرسي القش الهزاز، ومقاعد الجلوس المزدوجة وغيرها.. ويقوم ايضا بتنجيد بعضها بناء لطلب الزبون.
ولكن ما هي الصعوبات التي تحول دون صمود هذه الحرفة وتسرع في انقراضها ؟.
يقول: "غياب الدعم المادي والمعنوي، فمن جهة هناك كلفة كبيرة للمواد الخام من خشب وقش كونها تستورد من الخارج مع ما يترتب عليها من رسوم شحن ونقل، والمطلوب التخفيف من هذه الرسوم لتشجيع مثل هذه الحرف.. والمطلوب ايضا دعم رسمي وترويج سياحي وتوعية حول اهمية التراث".
نترك حسين وقد ترك لدينا انطباعين ايجابيين، أولهما ان هناك من لا يزال يحافظ على حرفة باتت جزءا من تراث عريق، وثانيهما ان كرسي القش هذه " صنعت في لبنان ".. وحبذا لو يطبق ذلك في الحياة العامة !.

رأفت نعيم

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا