×

الزلازل ظاهرة طبيعية والأخطار ليست استثنائية

التصنيف: صور جوية

2010-03-22  08:21 ص  2010

 

 

منذ بضعة أيام "تنطح" أحد المنجمين وتوقع من شاشة التلفزيون تسونامي يغمر ساحل صور ومدينتها، فانتشر الهلع بين بعض السكان الذين غادروا منازلهم للمبيت في المناطق المرتفعة وفي العراء، من دون ان يتحققوا من صدقية هذا الخبر من الدفاع المدني او من المجلس الوطني للبحوث العلمية، اي الجهة العلمية الرسمية الوحيدة المخولة اعطاء المعلومات عن النشاط الزلزالي في لبنان، والذي تتم متابعته منذ اكثر من 30 عاما 24 ساعة في اليوم ومن خلال محطات منتشرة على كل الاراضي اللبنانية.
 
في العام 1956 حصلت هزة في لبنان لم تتصدر عناوين الصحف في اليوم الاول، بل حلت مكانها العناوين السياسية، وما اذا كان عبد الله اليافي سيتمكن من تشكيل الحكومة آنذاك. ولم يحدد مركز الهزة، على الرغم من وجود مرصد كسارة الذي أنشئ العام 1909، وهو أقدم علم في لبنان وحتى قبل الهندسة، والى اليوم لا يزال هذا العلم غير مدرس في الجامعات اللبنانية، العامة والخاصة. وبدأ بعض المحللين يتحدثون عن العصر الجليدي ونهاية العالم من دون اي من المعطيات العلمية. اليوم نسمع كلاما عن زلازل مدمرة في العالم وينتشر الخوف والقلق على المصير.
ما هي حقيقة الزلازل، وهل في الامكان توقع حصولها، وماذا عن التسونامي ووضع لبنان حيال كل ذلك؟
للتوسع في الموضوع من الناحية العلمية، كان لنا لقاء مع الامين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية البروفسور معين حمزة، ومدير مركز البحوث الجيوفيزيائية الذي أنشئ بقرار حكومي العام 1975 ليقوم بأعمال مرصد كسارة السيد اسكندر سرسق.
الزلازل ظاهرة طبيعية تعكس نشاطا طبيعيا مفاجئا من دون أي سابق انذار او اشارات او دلائل علمية، يؤثر في المجتمعات البشرية بشكل قد يطال أجيالا عديدة، له آثار سلبية على الانسان، وليست هناك طريقة لتفاديها، بل التعامل معها خارج طروح المبصرين والمنجمين والمتوقعين، الذين لا يقدمون جديدا، بل يوقعون المواطنين في حالات هلع غير مبررة. وفي المجلس الوطني للبحوث العلمية نتابع باستغراب واستهجان ما تعرضه بعض وسائل الاعلام، ومنها التلفزيونات، عن تواريخ محددة لحصول الهزة الكبرى، ولادعاء البعض القدرة على تحديد موعد حصولها وبأن ذلك مبني على معطيات علمية. للأسف لم تستطع البحوث العلمية مع كل التطور التكنولوجي، أن تتوقع حدوث نشاط في الفوالق الزلزالية مهما تنوعت جغرافيتها وفي أي بلد في العالم. ما حدث في تشيلي، وقبله في هايتي، ومنذ 15 عاما في كوبيه اليابانية، وقبله في كاليفورنيا الاميركية، يدل، وللأسف، الى استحالة التوقعات، بالرغم من توافر تسهيلات تقنية استثنائية خصوصا في اليابان والولايات المتحدة الاميركية.
العام 2004 في 26 كانون الاول اهتز العالم لسقوط مئات آلاف الضحايا في شرق آسيا نتيجة هزة أرضية تجاوزت الـ9 درجات على مقياس ريختر، ونتج منها مدّ بحري "تسونامي" مدمر اجتاح شواطئ جنوب شرق آسيا ووصل الى القرن الافريقي. وفي كل هذه الحوادث المدمرة لم يكن في الامكان توقع أي منها. أما الفارق ففي مجابهة هذه الكوارث بين مجتمع وآخر، أي القدرة على استيعاب الكارثة وادارتها ومعالجة ذيولها.
 
لبنان والزلازل
 
هذا الكلام لا يهدف الى التخفيف من اهمية الاخطار التي قد يتعرض لها لبنان نتيجة وجوده على عدد كبير من الفوالق الزلزالية التي تنتشر في باطنه من جنوبه حتى شماله، ويشار الى انه عرف منذ العام 1909، اي منذ تركيب اول جهاز لقياس الزلازل "سيسموغراف" في مركز كسارة للآباء اليسوعيين، حدثا زلزاليا رئيسيا في 16 آذار العام 1956 على فالق روم، المتفرع من فالق الشرق الذي يمتد من خليج العقبة والبحر الاحمر الى جبال طوروس في تركيا. وهذا الخط يفصل ما بين صفيحتين، الافريقية وشبه الجزيرة العربية. الحدث الزلزالي في ذاك العام حصل بقوة 6 درجات على مقياس ريختر، تبعه عدد كبير من الترددات التي استمرت مدة من بعده. كما يشار الى ان جبال لبنان المرتفعة قريبة من الشاطئ وفريدة من نوعها لجهة تكوينها في منطقة الشرق الاوسط. وهذه الجيولوجيا ناتجة من حركة الهزات الارضية في هذه المنطقة التي حصلت منذ نحو 20 مليون سنة، ولا زالت هذه الجبال في طور الخروج من البحر. اذا لم نشهد في المئة العام الماضية الا حدثا زلزاليا واحدا بدرجة متوسطة، نتجت منه اضرار في مناطق وقرى لم تكن تتوافر فيها اي شروط للسلامة، ومنها البناء. واي هزة ارضية من 6 درجات تحصل في عدد كبير من دول حوض المتوسط لا تنتج اي اضرار مهمة. اما الادعاء بان هناك دلائل علمية ترتكز على النشاط الزلزالي لبعض الفوالق فيبقى في المجال النظري لانه غير مدعوم باي معطيات احصائية تمكن من تحويلها معطيات جدية يمكن الاعتماد عليها، علما ان كل الدراسات التي اجراها المجلس الوطني عن تاريخ النشاط الزلزالي في لبنان دلت الى ان هامش الخطر في تكرار الزلازل كبير، وهو تحليل يتسم بالتبسيط غير المقبول، اذ أن نشاط الصفائح التكتونية ودورة هذا النشاط هما عملية معقدة وتحصل على عمق عشرات الكيلومترات في باطن الارض. فالهزات الكبرى في تاريخ لبنان نادرة جدا، موزعة على عدد من الفوالق ذات النشاط المتفاوت، ويصعب على الاختصاصيين تحديد فترات نشاطها، لا بدقة ولا حتى في شكل تقريبي.
لبنان موجود على شبكة من الفوالق المتفاوتة النشاط، وهو معرض لبعض الهزات الأرضية، ولكن بفترات زمنية متباعدة، فلا يمكن ان يكون هذا الواقع مدعاة للهلع والاحباط وللاخذ بالشائعات وتكهنات المبصرين الذين يتكاثرون كل يوم، بل من واجب المجتمع والدولة العمل على تطوير ثقافة التعامل مع الكوارث الطبيعية على مستوى الاجراءات الوقائية، والبناء المقاوم، على الاقل في المنشآت العامة في المستشفيات والمدارس والثكن والتجمعات التجارية، حتى لا تتحول خطرا مباشرا على من يفترض بهم ان يتحركوا لنجدة الآخرين. وثقافة الكوارث مهمة لاننا انتقلنا من نوع عيش الى آخر، انتقلنا من الريف حيث البيوت موزعة الى المدن حيث نحتاج الى امدادات اكبر وحياة حديثة معقدة جدا، فزيادة المنشآت الجديدة في المدن، غير المبنية على اسس هندسية سليمة يمكن ان تشكل خطرا يضاعف الخطر الطبيعي. فخطر الانسان اكبر من خطر الطبيعة، لانه لا يعي اهمية الاخطار الطبيعية، وهذه هي المشكلة الاساسية في الكوارث وادارتها.
اذا قارنا لبنان بالبلدان المعروفة بالهزات، مثلا تركيا، نجد ان ما يتوقع في تركيا على صعيد الزلازل هو هزة كبيرة كل 30 سنة على فالق طوله 800 كيلومتر، والسبب الذي يمكنهم من التوقع بحدوث الزلزال خلال الثلاثين عاما هو تشوه القشرة الارضية في تركيا بنسبة 3 سنتيمترات في السنة. وتمكن المقارنة مع سرعة الفوالق في لبنان وهي 5 ميلليمترات في السنة، من هنا ان بطء الفوالق اللبنانية يحول دون التوقع بدقة تردد الهزات الكبيرة، خصوصا ان الفالق الاساسي متفرع الى فوالق عدة وان الطاقة المدمرة ايضا متوزعة على جملة فوالق. ولكن هذا لا يعني اننا لم نرصد ايا من الهزات في لبنان، فهناك العديد منها سنويا وكل يوم تقريبا، ولكن لا نشعر بها الا اذا وصلت الى ثلاث درجات مقياس ريختر. مثلا حصل زلزال في زحلة ليل 2 آذار الحالي لم يشعر به الا القليل من الساهرين. وتظهر الخارطة (رقم 1) كل الهزات التي تمكن خبراء المركز وباحثوه من تحديد مواقعها وقوتها وعمقها. وهذا يعكس النشاط في منطقة زمنية محددة. تعتبر هذه الخارطة صورة تعكس التشوهات التي تصيب القشرة الارضية على طول سلسلة جبال لبنان، وتدل الى ان هذه الجبال هي جسم ناشط معرض لتكسرات او مئات الهزات الصغيرة التي تسجل كل عام، وغالبا ما لا يشعر بها المواطن.

 
مقياس ريختر
والهزات المدمرة
 
ان مقياس ريختر هو سلم خواريزمي، ولو كان الفارق درجة واحدة عليه فان قوة الهزة او الطاقة الناتجة منها تصل الى ثلاثين ضعفا، بينما هزة بقوة 5 على مقياس ريختر تساوي 900 ضعف هزة بقوة 3 درجات، وهذا ما عشناه اخيرا، اذ ان هزة تشيلي التي كانت بقوة 8,8 درجات على مقياس ريختر هي في الواقع 900 مرة اكثر من الهزة التي اصابت هايتي، ومليون مرة اكبر من هزة صريفا التي حصلت في 15 شباط 2008 وكانت بقوة 5 على مقياس رختر.
ويشار الى ان الهزات الكبرى نادرة جدا، والهزة التي حصلت في تشيلي هي ضمن 5 هزات مدمرة عرفتها الكرة الارضية العام الماضي، وكان سبق لتشيلي ان شهدت في 22 ايار العام 1960 اكبر هزة ممكنة في تاريخ علم الزلازل الحديث، وصلت الى 9,5. واكد الاختصاصيون ان الطاقة التي نتجت من هذا الزلزال المدمر والفريد من نوعه، تعادل كل الطاقة الناتجة من كل الزلازل التي شهدتها الكرة الارضية خلال 100 عام من نشاط الصفائح التيكتونية. وليس هناك من معطيات جيولوجية او تاريخية عن الفوالق المنتشرة في بلدان حوض المتوسط، وخصوصا في منطقة الشرق الاوسط، تدل الى امكان حصول زلازل مدمرة مشابهة. وزلزال تشيلي الاخير، او زلزال سومطرة العام 2004 اللذان بلغت قوتهما ما يقارب الـ 9 درجات، وكل الزلازل المدمرة، تنتج من كسر يمتد الى اكثر من 1000 كيلومتر، ما يدفعنا الى الاعتقاد بندرة حصوله في بلدان حوض البحر المتوسط لغياب مثل هذه التركيبة الجيولوجية. والكارثة الكبيرة التي حصلت في هايتي سببها ليس فقط قوة الزلزال المدمر، بل الكثافة السكانية الهائلة، مع ضعف في البنى التحتية، والاهمال الكامل لموضوع ادارة الكوارث الناتجة من الهزات الارضية. ويشار ان تشيلي لم تعد من بلدان العالم الثالث، وتتميز بنظام ادارة للكوارث اكثر تطورا مما شاهدناه في هايتي.

التسونامي والزلازل
 
• هل التسونامي هي ارتداد للزلازل ام هي زلزال حصل في اعماق البحر؟ وهل لبنان في منطقة الخطر؟
التسونامي هي موجة بحرية ناتجة من زلزال في قعر البحر غالبا ما يكون سطحيا، وليس من الضرورة ان ينتج تسونامي من كل الزلازل التي تحدث في البحر. وفي البحر المتوسط، يعتقد الخبراء، ان الهزة التي في امكانها ان تولد تسونامي يجب ان لا تقل قوتها عن 6,5 درجات ويأتي التسونامي من اليونان وجزيرة كريت بسبب كثافة النشاط وامكان حصول هزات تزيد عن قوة 6٫5 درجات على مقياس ريختر. فمن الممكن ان تولد موجات من التسونامي تصل الى كل شواطئ الحوض الشرقي للبحر المتوسط. فاذا حصلت الهزة بهذه القوة وتولدت موجات تسونامية على مستوى اليونان تحتاج الى ساعة لتصل الى الشواطئ اللبنانية، لذلك عمدت اللجنة الدولية للمحيطات الى وضع شبكة من اجهزة قياس تغير ارتفاع موجات البحر في مناطق عدة وسط البحر وعلى الشواطئ لتسهيل الانذار المبكر الذي من المفترض، في حال حدوثه، ان تكون الاجهزة اللبنانية مهيأة لنقله الى المواطنين لحمايتهم، وليس لخلق حالات من الذعر والهلع التي تتسبب احيانا باضرار تتجاوز ما يمكن ان تسببه كارثة الزلزال نفسها. ويشار الى ان الشاطئ اللبناني، حيث يوجد نحو 70 في المئة من النشاط البشري والاقتصادي على مسافة 200 كيلومتر بين العبدة شمالا والناقورة جنوبا هو شديد الحساسية التي تستدعي الحذر لتجنب تغيير طوبوغرافيا الشاطئ والمناطق الساحلية والابتعاد من تركيز النشاط السياحي في المناطق الملاصقة للشاطئ.
• ما هي الاجراءات اللازمة على الصعيد المؤسساتي للتعامل مع الكوارث وادارتها؟
لبنان عضو في اتفاق دولي تابع للمجلس الاوروبي لمعالجة الكوارث الكبرى منذ العام 1997، وهو يتابع من خلال مركز الجيوفيزيا التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية ما يجري في مجال علم مكافحة الاخطار في منظومة الامم المتحدة، والاتحاد الاوروبي. واعتماد خطة على الاسس الموضوعة عالميا امر الزامي، وذلك من خلال الاستعداد لحدوث الكارثة، وتمكين المجتمع من التعامل والخروج من اثارها، عبر اتخاذ اجراءات ملحة ابرزها:
- تأمين حوافز هامة لاستقطاب موارد بشرية علمية متخصصة في علم الزلازل وادارة الكوارث، فالرواتب الحالية غير قادرة على ابقاء الباحثين ضمن المجلس لاكثر من اشهر في انتظار ان يختاروا مؤسسات اخرى تقدم لهم امكانات مالية اضعاف ما تؤمنه رواتب الدولة.
- انشاء المؤسسة الوطنية لادارة الكوارث المستقلة والقادرة على التعاقد مع علماء وخبراء، وتقديم حوافز مادية مهمة لهم ليكون في مقدورهم وضع سيناريوهات متعددة لمجابهة اي كارثة في كل المناطق اللبنانية. ومن المفيد الاشارة الى ان هذه المؤسسة ستكون قادرة على وضع معايير لسلامة البناء والتأكد من تطابق المواصفات مع معايير السلامة خلال التنفيذ واقتراح مناطق ذات حساسية فائقة للنشاط الزلزالي لتحاشي البناء عليها. وحاليا ينجز المجلس الوطني للبحوث العلمية دراسة بدأ بها في العام 2006 تشمل بيروت الكبرى وضواحيها وتحدد درجة حساسية اغلب احياء بيروت للهزات الارضية، وبالتالي التأثير المتفاوت للهزات وفقا للمواصفات الجيولوجية المتعددة.
- اهمية التوعية الاعلامية الشفافة التي تنقل الحقيقة، ولكن تبتعد من الاثارة في سبيل السبق الصحافي التي تلحق اضرارا غير مبررة بالامن القومي وباستقرار المجتمع.
- ادخال سياسات تأمينية نظرا للكلفة الهائلة التي تنتج من الكوارث، فلا بد من نظام تأمين خاص.
 
رلى معوض      

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا