يقف طوني عريضة أمام منتجعه الضخم في الأرز، يتطلع إلى الجبال شبه الخالية من "الأبيض"، ومنها يردّ نظره إلى السماء، كأنه يتضرع لاسقاط الثلوج خلال شهر شباط، وإلا "على موسم الأرز السلام".
يقول عريضة لـ"السفير" إنه بدأ عمله في الأرز منذ 55 سنة، إلا انها المرة الأولى في حياته التي لا يفتح فيها مدرجاته: "كنا نعاني أحيانا من قلة السيّاح أو من الأوضاع الاقتصادية التي تقضي على نصف الموسم، أما ان يذهب الموسم بأكمله، فهذه هي المرة الأولى في تاريخ الأرز". يضيف ان "الطبيعة عندما تقسو لا يمكن لأحد أن يتكهن بما تستطيع فعله، انه الغضب في حد ذاته".
الأيام الميتة
من الأرز إلى بشري لا بقعة بيضاء تشي بأنك أصبحت على ارتفاع 1500 متر، والطريق شبه خال كأيام الربيع التي يطلقون عليها في المنطقة "الأيام الميتة"، إذ لا يقصدها السيّاح إلا نادرا، كون السياحة في الأرز شتوية من أجل التزلج أو صيفية بيئية للسير في أرجاء غابة الأرز والتمتع بجمالها، أما من مدخل الغابة صعودا، فتنتشر البقع البيضاء المتفرقة على أكثر من تلة، بينما لا تظهر الثلوج إلا عند الاقتراب من مدرسة التزلج، حيث يبدأ البساط الأبيض بالانتشار، إنما بسماكة خفيفة لا تسمح بممارسة الرياضات الشتوية.
لا زحمة سيارات، ولا عجقة سياح، والأكشاك المنتشرة عند مدخل الأرز مقفرة إلا من أصحابها الذين يؤكدون لـ"السفير" أنه لا يمكن تعويض خسارتهم، حتى لو تساقطت الثلوج طوال شهر شباط، إذ يشير طوني رحمه إلى أنه لم يؤجر أي مزلاج هذه السنة، وأنه صرف مدرب الثلج، لأنه لن يتمكن من دفع راتبه، لافتا الانتباه إلى أن أوضاع المقاهي والمنتجعات ليست أفضل، وان الصرخة ستتعالى خلال أيام، لأن معظم المطاعم صرفت موظفيها.
الوضع كارثي
من جهته، يؤكد مدير منتجع في الأرز شربل أبو فراعة لـ"السفير" أن الوضع مبك وكارثي، مشيرا إلى أن أحدا لم يتوجه إلى الأرز، لأن لا ثلوج، موضحا أن المدرجات لم تتمكن من اعلان انطلاقتها لهذا الموسم بسبب غياب الثلوج.
يعتبر أبو فراعة أن غضب الطبيعة انصب على الأرز ما أدى إلى فقدان موسم بكامله يعتاش منه الأهالي وأصحاب المقاهي والشاليهات والمنتجعات.
ويقول: "نعيش حالة خربان بيوت، ولا أعتقد أن الأمور ستتحسن إلا إذا تساقطت الثلوج هذا الأسبوع، وكانت بسماكة كافية لافتتاح المدرجات، وإلا فعلى الموسم السلام"، معتبرا أنه في الحالات الصعبة، كان الموسم يتراجع إلى النصف سواء بفعل الوضع الاقتصادي أو الأمني، أما أن نصل إلى تراجع الموسم 100 في المئة، فهذه كارثة حلت على أبناء المنطقة.
وكشف أبو فراعة أن بعض المنتجعات صرفت العديد موظفيها، بينما ارتأت منتجعات أخرى اعتماد استراتيجية نصف الراتب بانتظار الفرج. ويستدرك قائلا: "اما إذا تساقطت الثلوج فبالإمكان إنقاذ 25 في المئة من الموسم على الأقل، لكن لا يبدو أن في الأفق ما يبشر بتساقطها".
في أحد فنادق الأرز، استأجرت عائلة شاليه لأربعة أيام، يقول أحد المسؤولين في الفندق لـ"السفير"، إلا انها غادرت في اليوم الثاني، مشيرا الى أنه من دون الثلوج والرياضات الشتوية، لا يقصد السياح منطقة الأرز في الشتاء بسبب بعدها عن بيروت، أما إذا كانت هناك سماكة ثلوج، فهواة التزلج لا يختارون إلا الأرز، لنوعية الثلج فيه، ولمدرجاته ومنحدراته الجيدة للتزلج.
صلاة استسقاء
في أعالي جبال الأرز تنظم مدرسة التزلج التابعة للجيش اللبناني دورة تزلج لضباط الحربية، لكن الوصول إلى هناك صعب جدا، يقول أبناء المنطقة، حيث يشير سابا سابا إلى أنه لا ينصح هواة التزلج بالصعود إلى هناك، كما أنه لا ينظم دورات في الأعالي، خوفا على حياة المواطنين، لافتا الانتباه إلى أن بعض المتمرسين في رياضة التزلج يقصدون أعالي الجبل للتفتيش عن بقعة للتزلج عليها، ومنهم من يمارس رياضة الراكيت أو السير على الثلج بينما البعض يحاول استخدام السكي دو، وهذه مخاطرة بحد ذاتها، لان سماكة الثلوج غير كافية اطلاقا لممارسة كل هذه الرياضات.
وبعدما يعتبر أنه لا "صلاة استسقاء ثلوج تنفع لانقاذ الموسم ولا التضرعات"، يؤكد سابا أن الهم الأكبر اليوم هو تساقط الثلوج، ليس لانقاذ موسم التزلج فحسب، بل من أجل الأرض أيضاً التي باتت عطشى، ومن أجل تخزين المياه الجوفية، وإلا فعلى موسم التزلج والينابيع والمواسم الزراعية السلام