مع ترقب تساقط أمطار غزيرة نهاية الأسبوع إذا صدقت الأرصاد- يتطلع المواطنون ولا سيما المزارعون في الجنوب بكثير من الأمل والتفاؤل أن تعوض أمطار ما تبقى من آذار شح أشهر الشتاء ولو على قاعدة المثل القائل «ساعة من ساعاته تقضي حاجاته».. ولكن ماذا إذا لم تصدق التوقعات، وانتهى الشتاء من دون أمطار؟

الثابت حتى الآن أن أمطار هذا العام لم ترقَ بعد الى ربع المعدل السنوي للمتساقطات.. ومن المعروف أن منطقة الجنوب اللبناني التي تشتهر بأنهارها وأكبرها الليطاني وروافده، وبالينابيع الجوفية التي تتفجر عادة في مثل هذا الوقت من العام، من الأولي الى الزهراني الى نبع الطاسة في إقليم التفاح، الى الوزاني والحاصباني على الحدود الجنوبية.. لكن أعراض الجفاف تظهر على معظمها وكأننا على أبواب صيف فيما الربيع لم يحل بعد..

وفي جولة على بعض الأنهر التي تصب على الساحل قرب صيدا، بدا مجرى نهر الأولي ضعيفاً هزيلاً، ينساب كجدول باتجاه البحر، فيما اختفت المياه تماماً من مجرى نهر الزهراني، وفقد نبعا الزرقا والسيدة في جزين كما شلالها تدفقه المعتاد في هذا الوقت من السنة، فيما حافظت بركة أنان على بعض ما تجمع من مياه الري فيها.

نبع الطاسة

وفي هذا السياق كشف رئيس مؤسسة مياه لبنان الجنوبي المهندس أحمد نظام لجريدة «المستقبل« أن نبع الطاسة أحد أهم وأكبر وأبرز الينابيع الجوفية في الجنوب والذي كان يفيض بما يزيد على مائتي ألف متر مكعب من المياه يومياً، لا يعطي هذه الأيام أكثر من ستة آلاف متر مكعب في اليوم.. وأن هذا هذا الشح في الأمطار إذا ما استمر، ينذر بأزمة مياه في فصل الصيف.. وباختلال في المواسم الزراعية تترتب عليها خسائر جسيمة للمزارعين.

وبحسب نظام فإن هذا الواقع استنفر المؤسسات الرسمية والبلديات لوضع خطة لمواجهة أزمة مياه متوقعة هذا الصيف، ومرشحة للتأزم إذا انتهى الشتاء وربيعه من دون أمطار.. كاشفاً عن أن هذه الخطة ترتكز على مسارين: التوعية حول ضرورة ترشيد الاستهلاك، وتشغيل الآبار الجوفية التي تم حفرها مؤخراً وتزويدها بالكهرباء، وفي أسوأ الأحوال تقنين فوق التقنين في التغذية بمياه الشفة إذا دعت الحاجة.

وقال نظام لـ» المستقبل»: ليس خافياً على أحد أن هذه السنة تعتبر سنة جافة نظراً لأننا ولتاريخ اليوم نستطيع القول إننا لم نقارب ثلث الهواطل من المعدل العام أو معدل الـ2013، لم نتجاوز بعد 200 ملم من أصل 850 ملم التي هي معدلات الهواطل السنوية في لبنان، وهذا حكماً سينعكس سلباً على موضوع تأمين المياه إلا إذا اتخذت سلسلة من الإجراءات لمحاولة معالجة هذه الأزمة التي يمكن أن تبدأ بالاشتداد مع بداية الربيع والصيف خصوصاً أن هناك ينابيع انخفض مستوى المياه المتاح استثمارها بدرجات مخيفة... فبركة نبع الزرقاء تحت دير قطين وحيداب في جزين جفت نهائياً.. ومنسوب نبع الطاسة الذي يعطي عادة في هذه الأيام أكثر من 200 ألف متر مكعب في اليوم لا يعطي 6000 متر يومياً، وهذا ينعكس على موضوع تأمين الخدمة للمواطنين.. وندعو الله أن لا ينخفض منسوب الحاصباني، علماً أن الكمية التي يُسمح لنا بأخذها من الوزاني هي دون الحق القانوني المعترف به دولياً، لكن هذا حجم طاقة مجموعات الضخ الموجودة لدينا، ونحن نستفيد أيضاً من نهر الليطاني لكن ليس عبر سد القرعون وإنما من الينابيع والروافد الموجودة في مجرى نهر الليطاني.

مواجهة الأزمة

واضاف نظام: عادة مخزون المياه شطران: مخزون المياه السطحية التي تتجمع في السدود، وللأسف في منطقة الجنوب لا يوجد سدود ويبقى المخزون الاستراتيجي الذي للأسف نستنزفه منذ سنوات بطريقة غير علمية وغير مدروسة وطريقة عشوائية، وهي استنزاف الاحتياط الجوفي والذي يفترض أن يكون احتياطاً استراتيجياً.. والبارحة كان لدينا اجتماع في وزارة الطاقة والمياه لرؤساء المؤسسات العامة الاستثمارية للمياه في الجنوب والشمال والبقاع وبيروت وجبل لبنان مع مدير عام الاستثمار ومستشاري الوزير لإعداد خطة لكيفية مواجهة ازمة المياه. والمؤسسة بصدد إجراءات عدة الأساس فيها هي المواطن، بترشيد استهلاك المياه.. فهناك مثلاً دول قريبة منا، تمنع غسيل السيارات بدءاً من نيسان، بينما نحن نجد المواطن يحمل الخرطوم ويهدر المياه على الطريق.. هناك عقلية يجب أن نتعاون كي نغيرها، فترشيد استهلاك المياه إجراء أساسي وهذا يتم بالتعاون مع البلديات واتحاد البلديات والنوادي الرياضية والجمعيات.. ونحن متخوفون على مستوى الساحل الجنوبي تحديداً ونظراً لكثافة الآبار غير المرخصة ونظراً لعشوائية السحب من الطبقات الجوفية، نخشى من تداخل مياه البحر على الحوض الجوفي وبالتالي من أن تصبح المياه التي تسحب مالحة.

ومن الخطوات التي يمكن القيام بها تابع نظام: مؤسسة مياه لبنان الجنوبي حفرت عام 2013 مجموعة من الآبار يتجاوز عددها الـ12 بئراً وتم تجهيزها في بلدات» القرية وعبرا ومجدليون وعنقون ودير الزهراني وأنصار وشوكين وغيرها.. كل هذه الآبار تم تجهيزها لكن ننتظر تأمين التيار الكهربائي وننسق مع زملائنا في مؤسسة الكهرباء لوضعها قيد الاستثمار مع بداية الصيف لنستطيع أن نغطي العجز الحاصل في المياه السطحية.

مخزون صيدا يكفيها لسنة

وأشار نظام الى أن الشح لم يوفر مصدراً من مصادر المياه الجوفية أو السطحية وحتى الينابيع التقليدية في البلدات والقرى والتي طالها التلوث قبل أن تجف نهائياً، وأننا قد نصل إذا بقي الوضع على حاله من انحباس المطر، الى تقنين على التقنين في المياه صيفاً.. وقال: حتى الكهرباء ستتأثر باعتبار أن هناك 170 ميغاوات من اجمالي الطاقة الكهربائية تنتجها المعامل الكهرمائية في مركبا وبسري والأولي.

وبالنسبة لمدينة صيدا طمأن الى أن المدينة لديها مخزون من المياه يكفيها هذا العام وبداية السنة المقبلة توفره 11 بئراً موجودة في المدينة، لكنه رأى أنه إذا استمرت دورة الجفاف هذه أكثر من عام فإن المخزون سينفذ.