جريدة الأخبار...بسام القنطار :

هل سيفتح ملف تصنيع الألبان والأجبان في لبنان؟ الجواب عن هذا السؤال رهن بالتحرك الذي ستقوم به وزارتا الزراعة والصناعة المسؤولتان عن هذا القطاع بعدما تبيّن وجود المضاد الحيوي Natamycin في منتجات اللبنة، مع اختلاف في نسبة التركيز وبما يخالف المواصفات الوطنية والدولية

ليلة أول من أمس، عرض برنامج «حكي جالس» على المؤسسة اللبنانية للإرسال نتائج فحوص مخبرية أجريت في مختبر سويسري على خمس عيّنات لمنتجات اللبنة هي: مسابكي، خوري، دايري داي، كانديا وتعنايل. وتفيد النتائج التي أجريت في مختبر UFAG المختص بفحص مشتقات الحليب في مدينة سورسي في مقاطعة لوسرن السويسرية، عن وجود المضاد الحيوي نتامايسين Natamycin بتركيز واضح في اثنين من هذه المنتجات (خوري 54.3 ملغم بالكيلو، ودايري داي 12.9 ملغ بالكيلو)، كما أن نتائج العينات من منتجات (مسابكي، وتعنايل وكانديا) أظهرت وجود كمية (أقل) غير قابلة للقياس من مادة Natamycin.

وتبيّن نتائج الفحوص المخبرية أن المختبر السويسري صادق على وصول العينات ضمن حرارة مقبولة للفحص (2-6 درجات مئوية) ومختومة من المصدر، الأمر الذي يصعب على الشركات المعنية مهمة التشكيك في نتائجها، على غرار ما يحدث عادة في أي تحقيق صحافي استقصائي يتعلق بسلامة الغذاء في لبنان.
وفي حين تسمح هيئة الدستور الغذائي CODEX Alimentarius باستخدام أسيد السوربيك كمادة حافظة في عدد من أصناف الألبان بنسبة محددة وموصوفة، لا يسمح قطعياً باستخدام Natamycin في الألبان المركزة (اللبنة) ويحصر استخدامه في بعض أنواع الأجبان والنقانق، ولكن فقط على السطح، وتتم الإضافة إما بالتغطيس أو بالرش وبعمق لا يتعدى 5 مم عن السطح الخارجي، ولا يسمح بخلطه مع المنتج نهائياً، كما أن نسبة تركيزه يجب أن لا تتجاوز 40 ملغ في الكيلو، وفي حال تجاوز الجرعة اليومية التي يتناولها الإنسان من هذه المادة 200 ملغ يومياً، يمكن أن تسبب غثياناً وإسهالاً وتقيؤاً، وخصوصاً عند الأطفال.
ويتبين أن مواصفة هيئة الدستور الغذائي الخاصة بالحليب المتخمّر والتي تشمل اللبن ومنتج اللبنة (حليب متخمر مركز) نصّت على أن استخدام المواد الحافظة في اللبنة غير مبرر فنياً، إذ إنه باتباع الممارسات التصنيعية الصحية يمكن ضمان منتج صحي وسليم، وما على المصانع سوى تطبيق هذه الممارسات التي تتهرب المصانع من تطبيقها طمعاً بزيادة مدة الصلاحية. أنشئت هيئة الدستور الغذائي في عام 1963 كبرنامج لتنظيم مواصفات الأغذية مشترك بين منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية. وفي حين تبقى مواصفات الدستور الغذائي توصيات يطبقها الأعضاء طواعية، فهي تشكّل في العديد من الحالات أساساً للتشريعات الوطنية.
ما هي التشريعات اللبنانية التي تنظم صناعة اللبنة في لبنان؟ يتبين من مواصفة اللبنة الإلزامية رقم NL 23 الصادرة عن مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية والتي صدرت بمرسوم يحمل الرقم 1040 تاريخ 8/2/1999 أن مادة Natamycin ليست من المواد المسموح إضافتها الى منتج اللبنة، الأمر الذي يرتب مجموعة من الإجراءات القانونية بحق المخالفين.
وبالعودة الى القرار رقم 1043 الصادر بتاريخ 11/11/2011 عن وزير الزراعة حسين الحاج حسن، يتبيّن أن تنظيم تعبئة وتوضيب وعرض الحليب ومشتقاته تخضع لمجموعة من المعايير الإلزامية؛ من بينها ما تنص عليه المادة السادسة من هذا القرار التي توجب ذكر قائمة بالمضافات المسموح باستعمالها في حال وجودها وذلك بتحديد الفئة أو العائلة، وسواء كانت مادة ملونة أو منظماً للحموضة أو مستحلباً، التي تنتمي إليها هذه المادة المضافة، بالإضافة الى الاسم الخاص بالمادة المضافة أو رقمها وفق الترقيم العالمي بحسب الدستور الغذائي، وذلك بأحرف أو أرقام لا يقل ارتفاعها عن 3 ملم.
وبالاستناد الى هذا القرار، يتبين أن جميع منتجات اللبنة الموجودة في السوق اللبنانية ترتكب مخالفة فاضحة لمضمونه، إن لجهة ذكر المواد الحافظة التي تسمح هيئة الدستور الغذائي بإضافتها مثل أسيد السوربيك حيث لا يتم ذكر وجود هذه المادة على المعلومات البيانية على منتجات اللبنة الموجودة في السوق بجميع أصنافها، إضافة الى المخالفة الأكبر والمتمثلة باستخدام مادة Natamycin التي يحظر إضافتها الى جميع منتجات الألبان السائلة والجامدة وشبه الجامدة أو اللزجة.
وزير الصحة وائل أبو فاعور تابع ملف وجود مادة Natamycin في منتجات اللبنة في بعض مصانع الألبان والأجبان اللبنانية. ولفت المكتب الإعلامي لوزير الصحة في بيان أمس، الى أنه «بناءً على نتائج التحاليل المخبرية من المختبر السويسري، أرسل أبو فاعور كتاباً إلى وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم، طالباً أن تبادر مديرية حماية المستهلك إلى اتخاذ التدابير المناسبة لتفادي استهلاك اللبنة المصنعة في هذين المصنعين (خوري ودايري داي)، بانتظار استكمال الإجراءات الرسمية اللازمة».
بدوره، أكد المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة فؤاد فليفل في حديث إلى «الأخبار» أن مديرية حماية المستهلك في الوزارة بادرت الى سحب عينات من اللبنة، وسوف تقوم بفحصها في معهد البحوث الصناعية لتتخذ على أثر النتائج الإجراءات اللازمة بحق المخالفين، والتي تشمل إجراءات سحب المنتجات، إضافة الى إجراءات قانونية وقضائية بحق المخالفين.
وزير الزراعة أكرم شهيب أكد أنه بصدد دراسة آلية عمل مديرية الثروة الحيوانية والرقابة التي تفرضها من خلال مصلحة الاقتصاد والتصنيع والتسويق، وأن الوزارة جمعت بدورها عينات لتسعة منتجات لبنة من السوق اللبنانية لفحصها، وبناءً على النتائج سوف يفتح تحقيق واسع في هذا الموضوع، وإجراءات رقابية جديدة في الوزارة، إضافة الى خطوات رادعة بحق المخالفين.
بدوره، قال وزير الصناعة حسين الحاج حسن لـ«الأخبار» إنه بصدد الاجتماع قريباً بوفد يمثل قطاع صناعة الألبان والأجبان في لبنان لفتح نقاش حول مختلف جوانب التصنيع. ولفت الحاج حسن الى أنه وجّه أمس كتاب تنبيه الى جميع هذه المصانع.
بدوره، دعا رئيس جمعية «الاتحاد اللبناني لحماية المستهلك» المحامي وجدي الحركة الى ضرورة تشديد الرقابة على قطاع صناعة الألبان والأجبان من خلال إجراء فحوص مخبرية دورية، لافتاً الى أن قانون حماية المستهلك واضح لجهة العقوبات التي يجب فرضها بحق المخالفين، وأن التساهل في هذا الأمر سيؤدي الى المزيد من المخالفات. وطالب الحركة بفتح تحقيق بالتجاوزات الصحية والبيئية داخل العديد من المصانع، وخصوصاً المتوسطة والصغيرة الحجم، إضافة الى ضرورة التشدد في الرقابة على طريقة حفظ المنتجات في الأسواق مع الانقطاع المتكرر للكهرباء.