يبكي الممثّل في الأفلام السينمائية عندما يخسر صديقاً شجاعاً قاتلَ في صفوف جيشه، أو عندما يفقد حبيبته بسبب موتها المفاجئ، ولكن يصعب ان نصادف رجلاً يُبدي أسفه وألمه في الحياة اليومية من خلال ذرف الدموع. وإذا اضطُرَّ الرجل الى البكاء، فإنّه يفعل ذلك سرّاً، وهذا ما يبقى غامضاً بالنسبة الى النساء. فما هي الأسباب التي تجعل الرجال يبكون؟

الدموع والرجولة

في ما مضى، كانت الدموع «حكراً» على النساء، إذ إنّها تُظهر رقّة قلوبهنّ، فيما يكون على الرجل «القوي» ضبط دموعه حفاظاً على رجولته. «لكن في ضوء تطوّر المجتمع وطريقة تفكيره، لم يعد الرجل مضطراً للحفاظ على جفاف عينيه وصلابة قلبه ليؤكّد رجولته»، وفق ما أوضح المحلل النفسي الفرنسي ومؤلف كتاب «جنس الدموع»، باتريك لوموان.

وقال: «بدأنا منذ عشرات السنين نميل الى هدم الهوّة بين الجنسين وتلاشي الحدود بينهما، خصوصاً في ما يتعلّق بالتصرّفات التي تدلّ على الانوثة وتلك التي تكون دليل رجولة. وبالتالي، بات بكاء الرجال أسهل، ولم يعودوا مُضطرّين الى ضبط أنفسهم».

أسباب محددة

على رغم تقبُّل المجتمع فكرة بكاء الرجل، إلّا أنّ «كميّة الدموع المذروفة» تختلف باختلاف الجنسين، «فثقافة المجتمع القائلة: الرجل لا يبكي إلّا لأسباب محددة- لا تزال تُلقي بثقلها عليه وتمنعه من الإسراف في التعبير عن مشاعره»، حسب ما قالت الطبيبة النفسية كاثرين بيريسول.

وشددت على أنّ تلك الثقافة المتحكّمة في المجتمع والمتجذّرة في نفوس الرجال «تردعهم عن البكاء علناً والتعبير عمّا يزعجهم ويقلقهم، فيشيحون بنظرهم عن الآخرين لإخفاء دموعهم، أو يلهون أنفسهم بالتفكير أو القيام بتصرّفات تُبعد عنهم شبح البكاء». وتعليقاً على اختلاف السلوك بين الجنسين لدى شعورهما برغبة في البكاء، أكّد لوموان أنّ «ذلك يعود الى الحقبة التي كانت تستمع فيها النساء الى مشاعرهنّ أكثر، فيما ينصرف الرجل الى أعماله».

عناوين ثلاثة

بما أنّ بكاء الرجل لم يَعُد مُندرجاً في خانة المحرّمات، بل أصبح وضعاً طبيعياً لاقى قبول المجتمع، كان لـ«الجمهورية» حديث مع الاختصاصي في الامراض النفسية والعصبية الدكتور أسامة دحدوح لمعرفة الأسباب التي تجعل الرجل يذرف الدموع. وقد رَبَطها بأسباب رئيسة ثلاث، هي:

1- إكتئاب: أحياناً، بغضّ النظر عن الظروف الخارجية المحيطة به والتي قد تؤثّر في مشاعره، يذرف الرجل الدموع، بسبب اكتئاب داخلي يسيطر عليه، لا علاقة له بأيّ وضع خارجي اجتماعي أو مهني أو اقتصادي...

2- أسباب «نفافية» raisons psychopathiques: ثمّة حالات تجعل الرجل يبكي من دون أن يكون لذلك علاقة بمشاعره أو عواطفه، وهذا ما يسمّى بالحالة النفافية. فلا يبكي بسبب حزن أو فرح، بل لأفكار خيالية ترتسم في عقله وتجعله يذرف الدموع. وغالباً ما يعيش الرجل في هذه المرحلة انعداماً في التوازن.

3- أسباب خارجية مُحيطة: أمّا السبب الأخير الذي يجعل الرجل يبكي فهو الظروف الخارجية المحيطة به والتي تؤثّر فيه بطريقة معيّنة. وفي هذه الحال، يكون البكاء ردّة فعل على مشاعر الحزن أو اليأس أو الألم وربّما الفرح. غير أنّ الأسباب الحقيقية للبكاء تختلف من رجل الى آخر، فمنهم من يبكي بسبب فقدانه والديه، ومنهم من يبكي بسبب تعرّضه للخيانة أو بسبب خسارته مبلغاً من المال.