×

«معبد أشمون» الأثري في صيدا الفينيقي الوحيد

التصنيف: تقارير

2014-04-23  07:16 ص  794

 

بقلم ثريا حسن زعيتر


 

يغيب «معبد أشمون» الأثري الواقع عند الضفة الجنوبية لنهر الأولي - شمال شرق مدينة صيدا عن الخريطة السياحية لـ»عاصمة الجنوب»...
يترنح بين الإهمال الرسمي والنسيان البلدي والشعبي، تزنره الأعشاب من كل حدب وصوب...
تنعدم أسوار حمايته والحفاظ على آثاره، ولا تنظم فيه النشاطات الفنية والثقافية والزيارات السياحية، فيما يتوقع لو تم اعادة تأهيل وترميم هذا المعلم الفريد من نوعه في لبنان، والفينيقي الوحيد الباقي الذي يجمع تاريخ 3 حضارات، لوضع على لائحة التراث العالمي...
في جولة ميدانية داخل «معبد أشمون»، ترى بوضوح الأعشاب وتدرك بعد يباسها خطرها على الآثار والفيسفساء، خاصة عند اندلاع الحرائق، فضلاً عن انتشار بعض الحشرات الضارة والحيوانات، ناهيك عن عدم وجود سور من جهة البستان والطريق المؤدية إلى بلدة بقسطا يحيط به لحمايته من أي سرقة، وعن انهيار التربة والانجرافات المائية، وغياب الممرات الآمنة والإضاءة، والأهم عدم أرشفة الآثار وإعادة المكتشفات ووضعها في داخل المعبد، وصيانة المبنى الذي لم يعد صالحاً ولا مناسباً للموقع الأثري...
خلصت جولة «لـواء صيدا والجنوب» إلى نتيجة واحدة، دق ناقوس الخطر من الإهمال الذي يُعانيه هذا المعلم الأثري، ودعوة المسؤولين المعنيين في وزارة السياحة والمديرية العامة للآثار وبلدية بقسطا، إلى الاهتمام به، وإعادة الاعتبار إلى موقعه بعد نسيان دام منذ عشرات السنين، وسط تساؤلات أين هي الجمعيات التي تعنى بالآثار والحفاظ عليها، وهل دورها فقط الأقوال دون الأفعال؟...
«معبد أشمون»
في أسفل جبل منطقة بقسطا العقارية، بني «معبد أشمون» أو الهيكل على الضفة الجنوبية لنهر الأولي شمال شرق صيدا، على العقارات 38/119/120، في البستان المعروف بـ «بستان الشيخ»، وذلك في العام 1861 وكان greillordot  أول من كتب عن هذه المعالم، حيث كان هذا المكان ولعدة سنوات محط اهتمام، وبيع للكثير من حجارته. المعبد عبارة عن مجمع ديني نسبة لرب الشفاء الفينيقي «أشمون»، وكان بمثابة مستشفى للأطفال، ذاع صيته في كلّ المدن الفينيقية، يأتي الناس إلى كهنته المختصين بالطب، طالبين منهم إنقاذ أطفالهم، خصوصاً الذكور منهم، إذ تقول الأسطورة: «إن «أشمون» كان شاباً من أصل بيروتي، وكان الصيد هوايته المفضلة، وفي أحد الأيام وقعت الإلهة «عشتروت» في حبه، فما كان منه إلا أن مال عن إغرائها، فجب نفسه ومات»...
غير أن قصة موته وقيامته جعلت منه إلهاً للخصوبة الكونية، وإلهاً للخضرة التي تموت كل عام وتعود من بعد إلى الحياة، حيث يقال أيضاً أن بلدة «قبر شمون» الواقعة على مقربة من بيروت ما تزال تحتفظ حتى يومنا هذا بذكرى مدفن هذا الشاب.
الشمس... والقمر
ويؤكد المؤرخون، أن الفينيقيين مجموعة سامية الأصول، فرع في الكنعانيين، سكنوا سواحل البحر المتوسط لأربعة آلاف سنة قبل الميلاد وتتالت عدة عصور بعدهم الفارسية، الهلينية، الرومانية، البيزنطية، الإسلامية، الصليبية، المملوكية، العثمانية، وصولاً إلى الدولة اللبنانية، وقد اشتهروا بصباغهم الإرجواني من أهداف الموريكس البحرية وكتاباتهم التي اعتمدت على مخارج الحرف بدلاُ من الكتابة التصويرية، وقد أبحروا بالأبجدية من خلال سفينة ساركوفاكوس الموجودة في المتحف الوطني ببيروت.
والفينيقيون مثل الأشوريين والكنعانيين، عبدوا الشمس والقمر والنجوم وأقاموا لها التماثيل والمعابد، وقد بالغوا بالأقاصيص والخرافات، كما وضعوا القبطي الإنسان البطل في مرتبة الشمس والقمر، وهنا برز الشاب البطل أشمون من أصل بيروتي وهوايته الصيد، وكان في صيدون بعلها المسن وعشتروت الأنثى التي وقعت في حب أشمون الذي كانوا يحتفلون بموته وبعثه كل سنة.
لوحة الفصول الأربعة
ويقول الباحث الأثري والمهندس المعماري فهد ميري: «في العام 1901 كشف حمدي بك على رأس البعثة العثمانية عن معبد قاعدته مستطيلة بين حجار ضخمة طولها 59م وعرضها 45م وفي الوسط مقام الإلهة. وفي العام 1926 كشف موريس دينو الفرنسي عن المزيد من المكتشفات والفسيسفاء». وأضاف: «كما تم العثور على بعض الكتابات الفينيقية والاكتشافات والقطع الأثرية والفسيفساء ومن أبرزها الفصول الأربعة، كذلك على مصطبة من العصر البابلي قبل الميلاد ومصطبة من العصر الفارسي قبل الميلاد وقنوات جر المياه وبرك الغسل وبركة وعرش عشتروت وتماثيل أولاد صغار من الرخام، وطريق رومانية ذات أروقة، وباحة مرصوفة ومنيسة صغيرة تعود إلى العصر البيزنطي وعرش الملك وعلى جانبه اسدان وكان عرش ضخم وظهره مرتفع، أما الأطراف منحوتة على شكل جسم له جناحان كبيران، وعثر أيضاً على حجارة كبيرة مزينة بنقوشات قليلة البروز وعلى العديد من القطع الذي دون عليها كتابات يونانية والكثير من التماثيل الصغيرة وسلم أثري ومجموعة أحواض».
وقال المهندس ميري: إن هذا المعبد هو الفينيقي الوحيد الذي لا يزال قائماً في لبنان وتوالى عليه العديد من الحضارات المتعددة الفينيقية، الفارسية، الرومانية والبيزنطية»، ومن أبرز المكتشفات:
- الماء: كان يلعب دوراً رئيسياً في الغسل المرتبطة بطقوس الشفاء، وقد برز من خلال العديد من برك الغسل.
- الكتابة: ما يزيد هذا الاكتشاف غموضاً الكتابات الفينيقية المنقوشة على الوجه الخفي للحجارة، حيث كان الاعتقاد السائد أن الهتهم وحدها تستطيع قراءته ومن أهم الكتابات «بني هذا الهيكل لمعبودة أشمون سار قدش».
- الثعبان: عثر على صورة لأشمون على ورقة من ذهب وهو يحمل بيده عصا يلتف حولها الثعبان، ومن خلال العلاقة الوثيقة بالثعابين والتي دمجت بين شخصية أشمون الفينيقي واسكليبيوس الإغريقي الروماني وقد أصبح الثعبان يلتف حول عصا شعاراً للطب في زمننا الحالي.
الفسيفساء: عثر على العديد من اللوحات المميزة من الفسيفساء أبرزها لوحة الفصول الأربعة، الواقعة أمام الكنيسة البيزنطية.
اهتمام اسرائيلي
ودق المهندس ميري ناقوس الخطر من الإهمال الذي يُعانيه هذا المعلم الأثري، داعياً المسؤولين إلى الاهتمام بهذا المعلم الأثري «من خلال رفع تراب النسيان عنه منذ عشرات السنين»، مذكراً «بضرورة تأهيل وترميم المعبد ووضعه على لائحة التراث العالمي، وجعله مركزاً سياحياً مهماً، وأرشفة الآثار وإعادة المكتشفات، ووضعها داخل المعبد، ونشر التوعية والتركيز الإعلامي على حماية الآثار فيه، ورفع درج الحديد الذي وضع مؤخراً لعدم ملائمته مع الآثار».
وروى المهندس ميري حادثة، سردها أحد العاملين في الموقع أنه «في العام 1983 أثناء الاحتلال الإسرائيلي حضرت سيارة للعدو كان بداخلها رجل وامرأة يرتديان الثياب العسكرية، قاما بجولة داخل المعبد دون أن يحتاجا إلى دليل، وبمعرفة كاملة عن الآثار الموجودة داخل المعبد وفي المحيط، ليعلم لاحقاً أنه مدير عام الآثار في الكيان الصهيوني». وتساءل: «هل من أمة في العالم مُهددة الآن في وجودها نفسه، غير أمتنا، فهل نعود إلى ماضينا الرائع القديم لنلتمس منه بعض الغذاء والسلوى؟ وهل نملك المقومات الروحية والعقلية الضرورية للحضارة؟ نحن أمة لا تحتاج إلى إثبات شخصية، فتاريخنا وتراثنا أمام أعيننا ولا نراه، ومن هنا - ووفق حرصنا الثقافي والقومي، نقول إن الأفق الثقافي رديف للأفق القومي، ويجب العمل على ضرورة انقاذ وحماية تراثنا الحضاري، فالتاريخ هو حامل وخازن وحارس هذه الثقافة، وهو ذاكرة الشعب، وهنا لا يتوقف التدفق السريع والمتسرع، بل يركض كالثقافة ليعود ويدفن رأسه في الرمل».
وختم المهندس ميري بالقول: «إن التراث في أدنى الدرجات يشبه الصورة المركبة التي يتحدثون عنها في علم النفس، وهكذا فإن التراث بتراكمه يُطلعنا على سماتنا المشتركة، وخصائصنا العامة، ويصور لنا شخصيتنا، ويبرز لنا هويتنا».

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا