هل عاشت صيدا يوماً تحت الأرض.. حقيقة أم خيال؟
التصنيف: تقارير
2014-06-11 06:16 ص 1378
سامر زعيتر
سراديب تحت الأرض تربط بين أطراف المدينة القديمة ومحيطها، يستطيع المارة من خلالها التجوّل على ظهور الأحصنة، تمتد شمالاً وجنوباً وشرقاً ابتداءً من صيدا القديمة!
أحاديث كثيرة ترويها الأجيال المتعاقبة عن تلك السراديب، ولكن هل تبقى مجرد أخبار تندرج في إطار الخيال، أم هي حقيقة تحتاج الى مزيد من البحث والتنقيب؟
سؤال يطرح بقوة، وخصوصاً في هذه الأيام ومعها طروحات لتحويل المدينة الى ما كانت عليه، ولكن كل ذلك يحتاج الى مزيد من التأكد قبل الخوض في غمار تاريخ المدينة وربما تغيير جغرافيتها...
«لـواء صيدا والجنوب» يسلط الضوء على تراث «عاصمة الجنوب»، وهذه المرة من تحت الأرض ومن خلالها سراديبها المفترضة...
السراديب والذاكرة الصيداوية
يحتار المرء من أين يبدأ في الحديث عن تاريخ صيدا القديم، فكيف الحال إن ارتبط ذلك بالجغرافيا والامتداد ما بين صيدا البلد ومحيطها!
أخبار كثيرة تتحدث عن شبكة من الأنفاق والسراديب التي تتجاوز ما يعلمه البعض، والأشهر بينها عن سرداب كان يربط بين قلعتي صيدا البحرية والبرية، حديث يتجاوز الأفكار والمعطيات التي باتت حقيقة دامغة في ذاكرة الصيداويين تتناقلها الأجيال لتؤكد على هذه الفكرة، ولكن...!
لغالبية الناس يقف الحديث عن شبكة الأنفاق عند هذا الحد، لكن التأكيدات تأتي من أطراف صيداوية أخرى تؤكد عمق الامتداد في شبكة الأنفاق التي لا تنتهي عند القلعة البرية، بل تنطلق منها باتجاه الجنوب وصولاً الى درب السيم وربما أكثر من ذلك.
أخبار يؤكدها الرواة الذين تحدثوا عن عربات تسير داخل هذه الأنفاق، وتأتي معها جمعيات عالمية لتضيف مزيداً من الأخبار عن نفق ثالث يربط بين صيدا القديمة و«معبد أشمون»، والغاية من هذا النفق نقل الأدوية بين صيدا ومناطق إقامة الملوك في التلال المحاذية للمدينة.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل تأتي الأخبار لتؤكد وجود مغر واسعة كان سكان الغازية ومغدوشة يقصدونها أثناء تنقلهم بين مناطقهم ومدارس صيدا التاريخية - وفق ما يؤكد المعمّرون، ويعتقدون أن لا نهاية لتلك المغر وربما تشكل أنفاقاً متكاملة.
الحديث عن الأنفاق يقود الى «مغاور طبلون»، تلك المغر التي تعود تسميتها الى عهود الرومان ولكن ما الغاية من هذه المغر؟ وهل هي الأخرى تندرج ضمن شبكة مماثلة من الأنفاق والسراديب التي كانت تربط مدينة صيدا ومحيطها؟
سؤال يطرح مع محاولة احياء تراث المدينة، وهذه المرة من تحت الركام وإعادة الحال الى ما كان عليه، وربما الخطوات المطلوبة تكون جبّارة وتعني الكثير من البحث والتنقيب، وقبل كل ذلك يجب معرفة حقيقة ما كان عليه الواقع في الماضي.
فلماذا لا يتم إعادة احياء هذا التراث وجعل المدينة نقطة جاذبة، لا بل تكون الفريدة في محيطها؟، سؤال يردده الحريصون على المدينة، ومعها تأتي جمعيات وافدة لتطرح هي الأخرى فكرة البحث والتنقيب، ولكن ما هي حقيقة الأمر؟
غياب الشواهد التاريخية
ولأن الحقيقة تبقى ضائعة وبحاجة الى مزيد من البحث التاريخي، توجّه «لـواء صيدا والجنوب» بهذا السؤال الى المؤرّخ الصيداوي والمستشار التراثي الدكتور طلال المجذوب الذي يوضح «أن الحديث في هذا المجال يطول، وقد كثرت أحاديث الناس عنه، ولكنها تبقى ضمن الأحاديث التي لم تؤكدها الحقائق والثوابت العلمية. فإن الحديث عن هذه الانفاق يبقى كلاماً شعبياً وهو يبقى حديثاً يرويه الناس ويؤكدون كبر حجم هذه الأنفاق بما يسمح بمرور الراكب على الحصان».
ويقول: «ضمن هذه الأحاديث السرداب الذي يصل قلعة صيدا البحرية بالبرية، ولكن رغم مرور مئات السنوات وتعرّض المدينة لزلزال وتغييرات عديدة لم يتكشف أي من هذه السراديب أو الأنفاق، وذلك دليل على عدم وجودها، والأمر الآخر ما هي الحاجة الى مثل هذه السراديب للمدينة يضعنا أمام ضعف احتمال وجودها، فلا المنطق ولا الشواهد التاريخية تؤكد وجود هذه السراديب».
وعن السراديب الأخرى يضيف: «هناك من يأتي ليقول بأن أحد هذه السراديب كان يصل بين المدينة القديمة و«معبد أشمون»، وهو عبارة عن نفق مخصص لنقل الأدوية من قلب صيدا الى مناطق إقامة الملوك في مرتفعات المدينة، ولكن إذا تساءلنا عن نوع الأدوية المستخدمة في تلك الحقبة الزمنية، فإنها ستكون طبيعية ومن الأعشاب، وبالتالي فإن المنطق يقول بأن تكون في مناطق البساتين - أي في منطقة «معبد أشمون» وليس داخل مصانع في قلب صيدا القديمة، فكيف نفسر وجود نفق لنقل الأدوية الى مكان زراعتها، والأمر يفترض بالأمر أن يكون بالعكس؟!».
المعاينات والتنقيب
وعن المعاينات التي درست السراديب يقول: «إن المعاينات التي قمنا بها، وقام بها الباحثون تشير إلى عدم صحة هذه الأقاويل، فعندما حاولوا اصلاح ساحة باب السراي، كان هناك بركة قديمة تشكّل جزءا من التراث، تكشّفت عن سرداب الى جوارها، ولكن هذا السرداب وبعد الإشراف على البحث فيه تبيّن أنه لا يزيد عمقه عن المتر وعرضه 3 أمتار، ويقف بعد 7 أمتار عند ما كان يعرف بـ «مجلة العرفان»، وهذا دليل آخر على عدم وجود الأنفاق التي كان من المفترض أنها تصل بين قلعة صيدا البحرية والبرية، على اعتبار أن ساحة باب السراي تقع على مقربة بين القلعة البرية وباتجاه البحرية».
ويضيف: «كما أنني ومن خلال المشاهدة لحفريات الفرير والتي هي أيضاً على مقربة من هذا المكان وجدت أدراجاً تقود الى حفرة عميقة، وبالسؤال عن إمكانية أن تكون سرداباً يقود الى ما تعارف عليه الناس، أكد المنقبون أنه عبارة عن نبعة مياه».
المغر وشبكات المياه
عمق ترسخ هذه الأفكار لدى الناس، ربما يعود إلى المغر، وعن ذلك يقول الدكتور المجذوب: «ذكر لي أحد المعمرين الذين يعيشون في مغدوشة أنهم خلال توجههم الى المدرسة سيراً على الأقدام كانوا يقصدون طريقاً مختصرة وكانوا يمرون بمغر لها أبواب كأنها بلا نهاية، ولكن ذلك لا يعني وجود سراديب متكاملة».
ويضيف: «أما «مغاير طبلون»، التي تقع خلف سراي صيدا الحكومي، فهي عبارة عن «مغاير أوبلون»، وهو أحد الألهة لدى الرومان، تم تحريف الكلمة وفق استخدام العامة، وهذه المغر كانت مخصصة لدفن الموتى وليست سراديباً، واكتشفت على يد البعثة الأميركية وتم استخراج نواويس كاملة من هذا المكان».
ويعيد التأكيد على «أنه رغم حدوث الزلازل والعديد من المتغيّرات لم يتضح وجود هذه السراديب، وكذلك فإن قدوم باحثين أجانب وعلى رأسهم عند الانتداب الفرنسي في العام 1920، حاولوا اصلاح صيدا القديمة وتطوير شبكة المجاري، ولكنهم عجزوا عن ذلك لأنهم اكتشفوا أنها كانت تستخدم نظاماً هو الأحدث عالمياً لجر المياه الأسنة. ولكن كانت المشكلة الوحيدة أن اتجاه هذه المجاري الى البحر، لأن الفكرة القائمة كانت بأن المياه المالحة تنظف كل شيء، ولكن هذا الأمر يحتاج الى سنوات طويلة».
ويقول: «الأمر نفسه بما يتعلق بـ «قناة الخاسكية» أو ما يعرف بالسلطانية، والتي هي عبارة عن شبكة مياه الشفة التي كانت قائمة وتربط بين منطقة بقسطا وصيدا، ولا تزال هذه الشبكة على حالها في منطقة بقسطا، ولكن في صيدا تم تغييرها بمد شبكة الأنابيب والقساطل، ولكن لم يتم اكتشاف شبكة السراديب المفترضة».
المنطق المزدوج!
ويختم الدكتور المجذوب: «إن تعاقب العوامل الطبيعية لم يؤد الى اكشاف أي من هذه السراديب، كما أن المنطق يقول أن لكل شيء سبب، ورغم غياب التكنولوجيا لكن القدماء كانوا على معرفة كبيرة ولديهم تقدّم هائل، فهم بناة الأهرام وسور الصين، فما المنطق من وجود شبكة سراديب تحت الأرض في صيدا؟».
سؤال ربما أجيب عنه، وربما يحتاج الى إجابات أخرى ومزيد من البحث، ويبقى السؤال يتردد: هل عاشت صيدا يوماً تحت الأرض أم لا؟ وإن لم يكن، فلماذا هذه الأخبار المتناقلة عن شبكة السراديب، أم أنها تبقى أساطير على غرار أحاديث الحكواتي تروى على لسان الصيداويين، أم سيأتي يوم ويكشف التاريخ عن حقائق أخرى؟
أخبار ذات صلة
لا تنسوا تأخير الساعة
2021-10-29 09:19 ص 229
تفاصيل "هروب" أحد المرضى من مستشفى رفيق الحريري
2020-03-09 02:49 م 468
حزب الله والجيش السوري يبحثان عن مسار جديد لقافلة الدولة الإسلامية
2017-09-02 10:30 م 789
لحظة انهيار ثلج متراكم على سطح أحد المساجد على المارّة في ولاية "ريزا" شمالي البلاد
2016-01-05 05:00 ص 405
روسيا تتهجّم على تركيا...اردوغان: سأستقيل!
2015-12-01 07:59 م 431
بالفيديو... دموع البقرة تنقذها من الذبح
2015-08-07 03:34 م 1586
إعلانات
إعلانات متنوعة
صيدا نت على الفايسبوك
صيدا نت على التويتر
الوكالة الوطنية للاعلام
انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:
زيارة الموقع الإلكترونيتابعنا
أطباء يحذرون: لا تجلس على المرحاض لأكثر من 10 دقائق لهذا السبب
2024-11-14 09:31 م
بدر زيدان: لخدمة صيدا وأبنائها وهو يسير على درب والده السيد محمد زيدان
2024-11-14 03:35 م
خليل المتبولي - المحبة بين الناس: جوهر العلاقات الإنسانية في زمن الحرب
2024-11-06 12:23 م
حكم وعبر في الحياة
2024-11-04 10:37 م
بالصور غارة على بلدة الغازية
2024-11-03 01:32 م
من هم أبرز المرشحين لخلافة السنوار
2024-10-19 06:19 ص
كارثة صحية تهدد مستشفيات صيدا بعد استنفاذ مخزونها من المستلزمات الطبية
2024-10-18 09:40 ص
حمام الشيخ في صيدا القديمة يفتح أبوابه لتمكين النازحين من الاستحمام
2024-10-17 03:02 م
مبروك المصالحة مبروك لصيدا وللنائب الدكتور أسامة سعد والمحافظ منصور ضو
2024-10-10 10:39 ص
بالصور تعليق عدد من اللصوص على الأعمدة في وسط الشوارع بالضاحية الجنوبية