×

تشجَّعْ، لا أحدَ خالدٌ ... عبرة إغريقية منحوتة في صوَر

التصنيف: تقارير

2010-04-14  09:00 ص  1343

 

لطالما شكل الموت والحياة بعد الموت سراً عظيماً يحاول الانسان اكتشافه وسبر اغواره، والعصب الاساس للديانات جميعها في كل العصور والحضارات والثقافات. من هنا اهمية الطقوس الجنائزية والعادات المدفنية والشعائر الدينية الخاصة التي تمارسها الشعوب في حالة الموت منذ وجود الانسان، ولا سيما منها ما يتعلق بطريقة دفن الميت والاشياء التي توضع معه "تحسباً لحاجته اليها في الحياة الاخرى" كما كانوا يعتقدون، والمقابر والنواويس وغيرها...

الشكل والأساس
في صور المدينة العريقة الضاربة جذورها في التاريخ اكتشفت بالصدفة عام 1937 مقبرة رومانية من القرن الثاني ميلادي محفورة في الصخر تزين جدرانها رسوم رائعة الجمال، تصور الفن الجنائزي في تلك الحقبة، وتروي بالريشة واللون فصولا من الميثولوجيا الاغريقية تعبّر عن معتقدات اهل صور في الفترة الرومانية في شأن الحياة والموت والحياة بعد الموت.
حين عثر عليها منذ 63 عاما في منطقة البرج الشمالي كانت هذه المقبرة تشكل نموذجا للشكل الهندسي للمقابر الرومانية في تلك الفترة، حيث يقود سلم من 26 درجة الى قاعة مربعة تحتوي على 14 فتحة في جهاتها الثلاث تضم مدافن فردية عثر فيها على 43 هيكلا عظميا تعود كلها لعائلة واحدة، استخدمت على مدى 50 عاماً.
وبهدف انقاذها وحمايتها اراد المدير العام للآثار في حينه المير موريس شهاب نقلها الى المتحف الوطني في بيروت، فقام المهندس المعماري الاميركي هنري بيرسون عام 1942 بنزع الجزء الداخلي من جدران المقبرة الذي يحمل طبقة الرسوم، ونقلها الى قاعة خاصة جهزت لها في الطبقة السفلية حيث اعاد تركيبها. خلال الحرب بقيت هذه القاعة مقفلة، لكن القسم السفلي من المقبرة وجدرانها تعرض للاذية نتيجة المياه الجوفية التي كان يعاني مبنى المتحف مشكلتها، ونجم الضرر الاكبر عن الرطوبة الشديدة مما انعكس سلبا على حال الرسوم، وأدى الى إلحاق الاذى بها.
وبعد معالجة مشكلة المياه عام 1998 طلبت مديرية الاثار من "المركز العالمي للدراسات وصيانة الممتلكات الثقافية وترميمها (ICCROM)" التابع لمنظمة الاونيسكو إرسال خبير للاطلاع على حالة الجداريات واعطاء رأيه في طريقة معالجتها.
وبالفعل جاء الى لبنان الخبير الايطالي بترميم الرسوم والجداريات جورجيو كابريوتي واجرى تجربة على جدارية الخيول، وعاد في السنة الجارية ووضع خطة عمل لترميم جداريات مقبرة صور الاثرية تتوزع على ثلاثة مراحل بمعدل شهري عمل لكل منها بدأت الاولى في شباط وآذار، وتستكمل الثانية في حزيران وتموز المقبلين والثالثة في تشرين الاول والثاني حيث تنتهي كليا، وبتمويل من مكتب التعاون الايطالي في السفارة الايطالية في بيروت بلغ 194 الف أورو. ويتألف فريق الترميم اللبناني – الايطالي الذي يترأسه من مساعدته كاتيرينا ميشيليني توتشي وايزابيل سكاف وبدر جدعون وغادة سالم، ويستخدم تقنيات حديثة ومتقدمة معتمدة من الايكروم والاونيسكو.
رسوم ورموز
وفي شرح لأهمية هذه المقبرة، تشير المشرفة على المتحف الوطني آن - ماري عفيش، مستندة الى الدراسة التي اجراها العالم الفرنسي ارنست دونان عام 1965، الى ان "كل الرسوم المصورة على الجهة العليا من الجدران تتعلق بالفن الجنائزي ومأخوذة من الميثولوجيا الاغريقية. مدخل المقبرة مصور على شكل باب، مما يرمز الى دخول الميت والعبور منه الى العالم الآخر، وعلى جهتيه حوريتان لهما ذنب طاووس تحمل احداهما ناياً والثانية قيثارة، مما يرمز الى استقبال الميت بالموسيقى والانتصار على الموت بعد عبور ابواب الجحيم.
في الجهة اليمنى من الغرفة المدفنية، جدارية تظهر الآلهة الاغريقي هرقليس ممسكا الكلب سربير، الذي يبقي الاموات في الجحيم برقبته بعدما انتصرعليه وصار بامكان الاحياء العبور والدخول. ويربط اهل صور بين هرقليس وآلهتهم الفينيقي ملكارت الذي كانوا يعبدون. ورسم آخر لبريام ملك طروادة راكعا يقبل يد هرقليس ليسترد جثمان ابنه هكتور الذي قتله هرقليس، ليتمم له مراسم الدفن مثلما تفرض العادات المتبعة ليرتاح، وكأنما بإتمام هذه التقاليد يتغلب الميت على الموت.
وفي صدر المقبرة جدارية لآلهة الحرب اثينا وأريتميس وبروزربين زوجة آلهة الموت بلوتون الذي يخطفها ويأخذها على عربة تجرها اربعة احصنة، مما يرمز الى ان الانسان معرض في أي لحظة لأن يخطفه الموت.
والى الجهة اليسرى من المقبرة جدارية تظهر هرقليس يخرج الزيست التي ضحت من اجل انقاذ زوجها، من عالم الاموات ويعيدها الى الحياة مما يرمز الى القيامة وامكان الانتصار على الموت.
وتحكي الجدارية الاخيرة قصة تانتال الذي اعطى الآلهة لحوما بشرية لتأكل، فعاقبته بالعيش في الفردوس لكن من دون ان يتمكن من الاكل والشرب، فتهرب الحياة من يديه. وهذا يرمز الى ان الطعام والشراب أمران تافهان وليسا مهمين في الحياة. ورسم اخير لفوسفوريدس تقبل نجمة الصبح التي تأخذ الموتى وتنقلهم الى الحياة الاخرى".
وتلفت عفيش الى وجود كتابات فوق رسوم هرقليس وبروزربين وتانتال، اضافة الى جملة كاملة غير ظاهرة حاليا، تقول: "تشجع، لا أحد خالد".

                                                                 معرض دائم
جدرانيات مقبرة صور الرومانية تحفة جمالية من رسوم الفن الجنائزي تحكي برمزية رفيعة اساطير من الميثولوجيا الاغريقية عن الحياة والموت، وتشبه بطرازها واسلوبها جدرانيات بومباي وخصوصاً لناحية النوعية التصويرية الرائعة وألوانها الطاغية: الاخضر والبني والاصفر.
بعد الانتهاء من ترميمها، ستعرض في الطبقة السفلية من المتحف الذي سيخصص للفن الجنائزي عبر العصور تماما كما اراد موريس شهاب عند افتتاح المتحف

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا