ثريا حسن زعيتر

دقَّ المجتمع المدني ناقوس الخطر، إذ تتهدّد جيل الشباب حرب شرسة، شمولية، ناعمة، وخطيرة في آن، هي ظاهرة انتشار تجارة وتعاطي المخدّرات في لبنان، ومع جنوح هذه الظاهرة صوب ما أسموه «انحداراً كبيراً نحو الهاوية» بالنظر إلى أعداد المدمنين وتدنّي مستوى أعمارهم، وسط معلومات عن تخطّي هذه الظاهرة المميتة للخط الأحمر، واستمرار انتشار هذه الآفة التي تتلاقى مع بروز أكثر من شبكة للدعارة، ما سيؤدي إلى نتائج وخيمة خصوصاً على الترابط الأسري والعلاقات الاجتماعية، في ظل انتقالها من مرحلة إلى أخرى أشد خطورة، أي من حبوب الهلوسة إلى الحشيشة والهيروين بأنواعه المختلفة، ومن حقن وشم...
وانتشار ظاهرة تعاطي المخدّرات في أحياء صيدا والجنوب، وخصوصاً «الهيروين» وبشكل واسع، لم يعد خافياً على أحد، بعدما كانت تنتشر سابقاً حبوب الهلوسة، حيث انعكست هذه الآفة الخطيرة على حياة الناس والعائلات داخل المنازل، إذ بدأ البعض منها يلاحظ سرقة الأغراض الخاصة، جرّاء العوز والحاجة إلى تأمين ثمن هذه المخدّرات، التي تتزامن مع البطالة وانعدام فرص العمل...
«لـواء صيدا والجنوب»، يُسلّط الضوء على انتشار ظاهرة المخدّرات في صيدا والجنوب تزامناً مع اليوم العالمي لمكافحة المخدّرات، على اعتبارها قضية تتعلّق بالأمن الاجتماعي، ويجب التركيز على الموضوع وخاصة في الأحياء والبلدات التي تعاني من الفقر والبطالة...
انتشار الظاهرة
بدأ انتشار ظاهرة تعاطي المخدّرات في أحياء صيدا والجنوب بشكل واسع منذ أكثر من سبع سنوات، حيث قام العديد من الشباب بالترويج لها بطرق مختلفة، منها عبر إقناع بعض الأصدقاء بتجربتها، أو عبر إعطائها خلسة بوضع القليل من المواد المخدّرة أو الحشيش في كأس العصير أو ما شابه.
ولاحظ المهتمون بهذه الآفة، أنّ أعمار الشباب المتعاطين تتراوح ما بين 18 و25 سنة، ومنهم من فارق الحياة نتيجة جرعة زائدة، ومنهم من أُلقي القبض عليه بتهمة التعاطي والترويج، فيما تعود أسباب تنامي هذه الظاهرة إلى ضعف الرقابة، بجانب غياب الوعي المجتمعي والتفكّك الأسري، ما جعل لبنان «الأول في العالم من حيث تصنيع الحبوب المخدّرة وتمويه شكلها».
ولذلك شرح رئيس مكتب مكافحة المخدّرات في الجنوب المقدّم هنري منصور كيفية تعاطي مكتب مكافحة المخدّرات في الجنوب مع الآفة والموقوفين من قِبل مكتب منطقة الجنوب ومخيّماتها، خلال السنوات الأربع الماضية، «بحيث بلغ العدد 346 موقوفاً في منطقة الجنوب سنة 2007، و228 موقوفاً سنة 2008، و407 موقوفين سنة 2009، و426 موقوفاً سنة 2010، و312 موقوفاً سنة 2011 - أي 1500 موقوف، ومن خلال التحقيقات كُشِفَ عن أنّ المخدّرات أصبحت متاحة، وسهلة الحصول، وبطرق مختلفة عبر الهاتف أو عبر وسيط ما بين المروّجين، وآخرها «مخدّرات دليفري» تصلك حيث أنت، من دون تكبّد عناء الذهاب إليها، خاصة في ظل انتشارها في جميع قرى ومدن الجنوب ومخيّماتها».
وقال: «من أسباب انتشار الآفة هو عدم تعاون الأهل إلا بعد استفحال الحالة لديهم، ولم يعد بيدهم السيطرة على أولادهم، بالإضافة إلى قلّة الوعي لدى المجتمع وخطورة انتشار الظاهرة وتدميرها للشباب، إضافة إلى عدم التعاون مع القوى الأمنية المولجة مكافحة هذه الظاهرة، وخاصة داخل مخيّم عين الحلوة، وفي أزقة صيدا القديمة، وداخل أحيائها، حتى في بعض البلدات الجنوبية».
وأكد «أنّ التحقيقات مع المتعاطين كشفت عن أنّ الأسباب التي دعتهم إلى التعاطي هي التأثر بالجو الجامعي الذي يعيشونة أحياناً، خاصة في جامعات بيروت وصحبة السوء، كذلك عائلة المتعاطين أي أنّ التعاطي يبدأ بالأب أو بأحد أفراد العائلة، ومن ثم ينتشر ما بين أفرادها».
كما تبيّن ومن الموقوفين أيضاً، أنّ المتعاطين كانوا ينتقّلون بسرعة من تعاطي الحشيشة إلى تعاطي الهيروين، كذلك أنّ من بين الموقوفين الكثير ممَّن يتعاطون أكثر من مادة مخدّرة، حيث بلغ عددهم خلال السنوات الثلاث الأخيرة 137 موقوفاً، وهنا لا بدّ من التنويه بأنّ قسماً من المتعاطين كانوا قد تورّطوا بها من خلال سفرهم الى الخارج للعمل أو لإكمال دراستهم».
وأضاف المقدّم منصور: «إن المتعاطين هم من جميع الفئات المجتمعية، طلاب جامعات، متسرّبون وعاطلون عن العمل، وتدني عمر المتعاطين إلى ما دون 20 عاماً، بحيث بلغوا 20 متعاطياً تم توقيفهم خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وخلال سنة 2011 تم رصد أربع حالات وفاة جرعة زائدة فقط في منطقة الجنوب، وهو ما مصرّح عنه رسمياً».
عشّاق.. الهلوسة
ولا يُخفى على أحد أنّ الأسباب التي كانت وراء انتشار آفة تعاطي المخدّرات في مدينة صيدا والجنوب وترويجها، أنّ معظم متعاطي المخدّرات وحبوب الهلوسة، هم عاطلون عن العمل ومنهم من لديهم حالات عائلية خاصة يحاولون الهروب من واقعهم المرير إلى عالم وهمي باعتقادهم بأنّه الخلاص.
{ يقف (م. م) حائراً كأنّه يبحث عن شيء.. تحزن عليه كيف وصل على ما هو عليه.. ابتسم قليلا ولكن الحزن في عينيه، قال: «لقد تورّطت.. كنا نسهر مع الشباب، فبدأنا بأخذ سيجارة حشيشة ثم حبوب الهلوسة لفترة محدودة، بعدما رفضت استخدام الهيروين، فالحصول على حبوب الهلوسة أمر سهل، فهي متوافرة بأنواع عديدة وأسعار زهيدة ونستطيع أن نشتريها، وهي تُحدِث حالات ارتخاء في الأعصاب، ولكن إذا ما تعرّضنا لأي استفزاز، يمكن أن أقوم بردة فعل عدوانية دون أن أدري، ويوجد أشخاص يدخلون في حال من الهذيان، وخصوصاً أنّ «الشفرات» جاهزة داخل الفم، فضلاً عن الأمواس والسلاح المرخص».
وأضاف: «كنتُ من عشّاق حبوب الهلوسة التي تأخذنا إلى عالم جميل كل شيء فيه يلمع، والضحك والمرح هو موسيقاه وأغنيته، ونحصل عليها من الصيدليات التي تبيع عبر وصفات مزوّرة ومن الأدوية «ترامال، أسيسي، آرتين»، وهي يأخذها المدمن بجرعات عالية تساهم في تخدير «المخ»، هي أشبه بالمخدّرات، ولكن بـ «دوز عالي»، كذلك يضعون حبوباً ما في العصير والقهوة.. بعد 3 مرات تبدأ فورة فهذه تسمى بالعشق المجنون».
المسحوق الأبيض
{ أما حكاية علي، فهو كان مليئاً بالحياة والحيوية فأما اليوم أصبح إنطوائياً ووحيداً ولون وجهه أصفر، وبحسرة قالت والدته: «لقد بدأت قصة إبني مع الإدمان باكراً، وكان عمره 14 عاماً.. كان يهرب من المدرسة وتعرّف على «المتسكعين» على الطرقات وهم «رفاق سوء»، فإبني كان يحب الموسيقى ويعزف «المنجيرة»، لكن أحياناً كثير يبدأ بالصراخ وينهش جسده، ويحاول أنْ يقتل كل من يصادفه، ويسرق الأموال ليهرب إلى ملاذه حفنة من المسحوق الأبيض، يتجرّعها بشراهة غير مبالٍ بارتداداتها».
وأضافت وهي تبكي ممّا وصل إليه حال ابنها: «لقد تبدّلت طباعه فأصبح نِكديا، يتعامل مع الآخرين بقلّة احترام، لقد أدمن على «الكوكايين» و»الإبر» وكنتُ أرى أثرها على يديه، فحاولت أنْ أعالجه، لكن مستشفيات المنطقة لا تُؤمّن علاجاً للمُدمِن».