سامر زعيتر

عاش في فلسطين فلم ينسَ ترابها، ومرَّ بالقدس فغرست به عشقاً خاصاً، تجسّد على مر الأيام والسنوات، رسومات خطّها بريشته، التي تحوّلت الى لوحات حازت اعجاب كل من رآها...
إنه الفنان الصيداوي رمزي كيلو، الذي حمل عبر سنوات عمره قضية كل عربي، وكأن الترحال والهجرة من بلد الى آخر، جعلته أكثر تعمّقاً بقضية فلسطين، كيف لا وهو الذي ولد في حيفا، وكان يمر بالقدس عند عودته الى مدينته صيدا من بلاد الاغتراب في الكويت...
كيلو الذي يحمل الجنسية الكندية، لا يزال لديه حلم وحيد أن يزور الأقصى ورؤيته محرراً كما رآها في المرة الأولى عام 1965 قبل عامين من النكسة، واليوم يعود من بلاد الاغتراب الى مدينته صيدا، حيث يعرض رسوماته في بلدية المدينة بمعرض حمل عنوان القدس تضامناً مع فلسطين وأهلها...
«لـواء صيدا والجنوب» التقى الفنان كيلو وعاد بهذه الانطباعات حول التحضير للمعرض الذي يفتتح عند السادسة من عصر الخميس في 14 آب الجاري برعاية رئيس البلدية المهندس محمد السعودي...
تميّز وإتقان
الحيرة ما بين إن كانت اللوحات رسماً أم صور فوتوغرافية، هي الانطباع الأول الذي يأسر الناظر الى لوحات الفنان رمزي كيلو، ولكن ما تلبث أن تدرك بأن الاتقان في العمل المقرون بمشاعر الفنان تحوّلت الى رسومات تسرُّ كل من يراها.
رمزي كيلو، فنان صيداوي، ولد في حيفا عام 1931 بفعل الهجرة لوالده الذي ولد هو الآخر في نفس المدينة، وبالوقت الذي بقيت فيه العائلة حتى نكبة فلسطين في العام 1948، فإن رمزي وشقيقه عادا الى لبنان لمتابعة الدراسة في «مدرسة الفنون الانجيلية» في صيدا.
وعن ذلك قال كيلو: «أرسلنا الوالد إلى صيدا لمتابعة الدراسة لأن العلم فيها أفضل، ثم التحقت بعد ذلك بوالدي، الذي كان يعمل في مهنة صناعة المراكب في فلسطين، وعند النكبة تمكّن من نقل ثلاثة مراكب الى صيدا، ثم انتقل الى سوريا ومنها عاد مجدداً الى صيدا، وفي العام 1978 توفي الوالد، ثم انتقلت الى ليبيا للعمل مع شقيقي في العام 1957، ولكن لم أوفّق في العمل، فعدت الى لبنان وهناك التقيت بصديقي فوزي أبو زيد، وغادرت معه مباشرة الى الكويت حتى دون رؤية العائلة».
مهنة وهواية
هناك تمكّن من الحصول على وظيفة رسام، فتوّج هواية مارسها منذ الصغر اقتداءً بشقيقه الذي توفي عندما كان يبلغ من العمر خمس سنوات، وأقرن هوايته بالعلم من خلال مراسلة مجلة فرنسية تعنى بالرسم، واستمر بذلك حتى نهاية المرحلة الثانوية، والتي كانت تتم من خلال المراسلة.
وعن عمله في الكويت قال: «تقدّمت إلى مسابقة للجامعة العربية في العام 1957 وحزت فيها على المرتبة الأولى عن رسمة كفاح المرأة، ثم عملت في شركة بترول كرسام للمجلات والمطبوعات على مدى 12 عاماً، وشاركت في مسابقة نظمت في لندن تجسّد تاريخ أول شحنة نفط نقلت من الكويت، وحزت فيها على المرتبة الأولى أيضاَ وتحوّلت الرسمة إلى طابع بريدي عالمي».
وأضاف: «كانت البيئة هي الحاضر الأكبر في الرسومات التي رسمتها في الكويت، وذلك بهدف تجاري، إضافة الى رسومات عن صيدا، وبسبب التنقل بين الكويت وصيدا، فإن المرور كان بالقدس في العام 1965، والتي لم تكن يومها محتلة، وهناك تمكنت من التقاط العديد من الصور، ومن ثم تجسيدها الى رسومات، فضلاً عن رسومات أُخذت من كتب عالمية، وتأثرت كثيراً بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة، وخصوصاً الأخيرة التي تجسّد ببنائها الفريد والمساحات شكلاً من التراث المعماري الإسلامي، وهذا الشيء تجسّد من خلال الرسومات، إضافة الى زيارة بيت لحم في نفس العام والتي حفظت في ذاكرتي طرقاتها ومعالمها وتحوّلت الى رسومات هي الأخرى».
رؤية الأقصى محرراً
الاحتلال الإسرائيلي حال دون زيارته لفلسطين، رغم أنه يحمل الجنسية الكندية، لأنه لا يريد رؤية فلسطين تحت الاحتلال، فهذا المشهد يعكر المزاج، حيث لا زالت البيوت التي تركها الأهل حاضرة في الذاكرة والوجدان.
وعن ذلك قال: «حلمي زيارة الأقصى محرراً، فهو الهم الأخير الذي تبقّى لي، رغم إنني زرت المكان في الصغر، إلا أنني لم ارتوِ منه، فيما الرسومات هي السبيل الوحيد للارتواء من الحنين إلى الأقصى».
وعن المشاهد المؤثرة التي لا تزال في ذاكرته عن فلسطين قال: «لا زال مشهد المؤذن في عكا حاضراً في الذاكرة، واستعيد هذا المشهد من العام 1939، حين تعرّضت حيفا للقصف من قبل العدو الإسرائيلي فانتقلت مع الوالد الى عكا، وهناك تحوّل مشهد المؤذن الى رسمة من ضمن اللوحات التي قمت بخطّها».
الثورة الفلسطينية
مئات اللوحات التي لم يحصها كيلو، كانت غالبيتها قد خطّت في كندا، بسبب طيل الإقامة هناك، فيما يطلب العديد من الأشخاص رسومات معينة يقوم بدوره بخطّها، ومنها كفاح المرأة التي لا زالت في المتحف الكويتي، بما تحمل من رمزية، والتي كانت اللوحة الأولى له، والتي وضعت في المتحف الكويتي، وجاءت أيضاً لتجسّد ثورة المرأة الفلسطينية على غرار مشاهد الثورة الفرنسية.
وتأثره بالثورة الفلسطينية ومحطات نضالها توّج بلوحات لانتفاضة القدس أيضاً فيما التفاعل مع صديقه وجاره في السكن الفنان الفلسطيني ناجي العلي، جعله يتأثر أيضاً بالقضية الفلسطينية، لكن ناجي العلي كان يملك جرأة أكبر منه وفق ما يشير كيلو، فيما مهنته جعلته يتجه الى رسومات تُعنى بالبيئة.
القدس مصدر الإلهام
أما عن المحطات النضالية فقال: «كانت لانتفاضة الأقصى تأثير على عملي، وقد تجسّد ذلك في لوحة صرخة قبة الصخرة، إضافة الى نضالات ومعركة صلاح الدين الأيوبي، فكان لها هي الأخرى حيّز من الرسومات، فضلاً عن التعانق بين الحضارات والإسلام والمسيحية، وتقارب المسجد والكنيسة وهي جسّدت مكانة القدس».
وعن سبب اختياره لموضوع القدس قال: «القدس هي المكان الذي يعطينا الإلهام، يعتبر أكثر من مكان تاريخي يجسّد المعاناة وتحمل الألم الخاص والاجتماعي، في حجارتها الذهبية أكثر من أي مدينة في العالم، فهي بحق المكان المقدس للمسلمين الذين يدعونها القدس المقدسة، فيما يراها المسيحيون المكان الذي عبد وعلّم وعانى وقام  فيه السيد المسيح من بين الأموات، وهي أيضاً مكان مقدس لليهود».
وأضاف: «عدد كبير من الملوك والنبلاء، الفرسان والقادة والجنود والقديسين وحتى الناس العاديين ضحّوا بأرواحهم للدفاع عن هذه المدينة التي باركها الله، المدينة بمجملها مكان للصلاة، من طريق الألام في المدينة القديمة، الى منارة الأقصى المضيئة، تجد أحد المصلين ساجداً على الحجارة، وآخر يدعو متجهاً الى مكة، وثالث يصلي بخشوع، الجميع كان يؤدي عبادته الإيمانية والعطاء الإنساني، الجميع يسألون عن المساعدة والمسامحة ويقدمون صلواتهم وشكرهم منذ طلوع الشمس حتى المغيب، الجميع في المكان الذي باركه الله في المدينة القديمة، يتذكّرون كلمات السيد المسيح بدخوله المنتصر الى القدس متوجهاً الى التماثيل المحطمة بالقول: إذا كانت هذه يجب أن تبقى صامتة فإن الصخور حتماً سوف تصرخ».
وختم كيلو: «اخترنا التضامن مع القدس نصرة لأهلنا في فلسطين كلها، وخصوصاً في هذه الأيام التي يسطّر فيها أبناء فلسطين انتصارات على المحتل، ومن ذهب الى القدس سيرى ما أضيف على المشهد من خلال هذه اللوحات، والذي لم يز القدس سيتعرّف عليها من خلال هذه اللوحات، فندعو الجميع الى المشاركة في هذا المعرض ونصرة أهلنا في فلسطين».