×

ماذا لو قررت السعودية إيقاف نفطها؟

التصنيف: إقتصاد

2014-10-09  07:50 م  533

 
الحياة اللندنية

 الحياة اللندنية

محمد الساعد

ماذا لو قررت الحكومة السعودية إيقاف الصرف من مبيعاتها النفطية، وأن تجرب ذلك لخمسة أعوام فقط، وتحويل تلك الأموال لصندوق استثماري يصب في مصلحة الأجيال المقبلة، وأن تتبنى اقتصاداً معرفياً وخدماتياً يعتمد كلية على ما يجنيه أبناؤها من عرق جبينهم، لا من عرق جبين برميل النفط.

 هل سنموت فعلاً من الجوع والظمأ، وهل سنهيم في شوارع مدننا وقرانا بين براميل النفايات والقاذورات التي تمول نظافتها أموال النفط القادمة من كوريا واليابان وأميركا.
 فالعامل البنغالي المسؤول عن ذلك سيغادر حتماً، مثله مثل الممرضة الفيليبينية، والطبيب المصري، والجزار السوداني، والنجار الهندي، والسباك الباكستاني، والبناء اليمني... إلى آخره.
 هل نستطيع الصمود ليوم واحد فقط من دون جورج وطوني وأيوب وخان وإسماعيل وتيما، الذين سيرحلون فوراً تاركين لنا مدننا وقرانا وشوارعنا، ألسنا أولى بحياتنا من غيرنا، ألسنا من نشتكي ليل نهار من تحويلاتهم المالية، وسرقتهم لوظائفنا - كما يقول البعض. هل سنرى أبناءنا وبناتنا، يشمِّرون عن سواعدهم، للبحث عن الحد الأدنى من لقمة العيش.
 بالتأكيد هي أسئلة افتراضية، لكنها تكشف كيف أن حياتنا كلها مصنوعة، وأنها تعتمد بالكلية على ذلك السائل الأسود يصب في شرايينها وأوردتها حاملاً إكسير الحياة، من رغيف العيش أبو 25 هللة إلى محطات التحلية وتوليد الكهرباء ببلايين الريالات، وأننا وفي غفلة من الزمن نسينا حال الفقر الحقيقية، وليس فقر الرفاهية. ولكي نفرّق بين الفقر الحقيقي وفقر الرفاهية، علينا أن نزور شوارع صنعاء أو القاهرة أو بغداد أو دكا، لنرى أن الفقر الحقيقي هو استيقاظك في الرابعة فجراً للحاق بعملك أو حقلك أو مخبزك، أو الانتظار لسعات طويلة في صف لا ينتهي لركوب حافلة في رحلة تمتد لأربع ساعات للوصول إلى دكان رب عملك.
 

بل لنذهب إلى النروج – على سبيل المثال - حيث يعمل الناس في كل المهن ويركبون الحافلات، ويؤجلون شراء السيارات والجوالات الحديثة بالتقسيط، ولا يعرفون قطة استئجار الاستراحات، ويدخرون لمقبل أيامهم.

 

أما فقر الرفاهية والشكوى، فهو أن يكون لديك 8 ملايين عامل أجنبي وتبحث وتشتكي من العوز، وأن يكون لديك سيارة غالية تقسطها وتقترض من والدتك لسدادها، ثم تشكو من قلة المال إلى آخر قصصنا اليومية. إذ لا بد لنا من إعادة توصيف الفقر والفقراء بدقة، والتفريق بين أساسيات الحياة التي على الدولة أن توفرها، وهي تعليم جيد وخدمات صحية عالية، وبنية تحتية ممتازة، وبين وسائل الرفاهية.

 

لأن البعض خلط بينها، كما أن البعض نتيجة ذلك الخلط نافس الفقراء حتى في فقرهم، وتدثر بدثارهم، فالتبس علينا الفقير من اللا مبالي الذي لا يعيش بحسب أمكانته ودخله.

 

إما لأنه كسول لا يريد تطوير نفسه، أو لأنه عالة على غيره، أو فقير معرفة لا يريد أن يكتسب مزيداً من المهارات، أو لا يريد البحث عن عمل شريف يقيه فقره، وهو يشبه ذلك الرجل الذي جاء للرسول – صلى الله عليه وسلم – بحثاً عن صدقة، وسأله الرسول أليس لديك فأس قال نعم، فأرسله للاحتطاب والبيع.

 

بلا شك الفقر موجود لدينا، لكنه في شرائح معينة – لكنها محدودة - لعل أهمها النساء اللاتي حرمن من العمل على رغم رغبتهن الحقيقية في كسب لقمة عيش شريفة بسبب طغيان الثقافة «الصحوية»، خصوصاً في المدن الصغيرة والقرى والهجر.

 

أتذكر وربما يتذكر الكثير من الجيل الذي سبقني أن الفوالين والجزارين والمزارعين وبائعي الخضراوات، والسقايين، وفنيي الورش، والقهوجية، وسائقي الشاحنات كانوا سعوديين، كلهم كانوا فقراء لكنهم بحثوا عن أي عمل شريف ينقلهم من صف الفقراء إلى صفوف الطبقة المتوسطة، ونجحوا في ذلك.

أخبار ذات صلة

إعلانات

إعلانات متنوعة

صيدا نت على الفايسبوك

صيدا نت على التويتر

الوكالة الوطنية للاعلام

انقر على الزر أدناه لزيارة موقع وكالة الأنباء الوطنية:

زيارة الموقع الإلكتروني

تابعنا